رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى محبة ساكنى الأوليمب الذين شرفوا معرض الكتاب «2-4»

 

لا يعود التواجد اليونانى فى مصر فحسب لعوامل الحضارة والتاريخ، لكن يعود فى الأصل إلى عامل الجغرافيا والتقارب البحرى، فالمسافة بين مصر واليونان عبر خط مستقيم لا تزيد على ١٣٠٠ كيلو، وهناك حسابات أنها ١٨٠٠ كم، حيث تقابل اليونان آخر الساحل الشمالى لمصر عبر البحر المتوسط.

وقد تأخر سفرى لليونان حتى عام ٢٠١٩، حجزت رحلة مع إحدى شركات السياحة المصرية التى تنظم رحلات لليونان ودول أوروبا، وقد تأخر موعد التقديم للحصول على التأشيرة، وبالتالى تأخر موعد تسلم التأشيرة، وتحدد موعد تسلمها الخميس قبل يومين فقط من موعد الرحلة صباح الأحد. فى تمام العاشرة صباحًا كنت على باب القنصلية اليونانية فى وسط البلد، وظللت فى الانتظار حتى منتصف النهار، وعلمت من الموظفين فى القنصلية اليونانية أن الموافقة تمت، لكنها لم تصل من بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبى، وعلىّ الانتظار حتى تصل.

لم يكن لدىّ من وسيلة لتمضية الوقت سوى البحلقة فى حوائط الصالة التى أنتظر فيها، أو التطلع إلى وجوه الموظفين الذين يعبرون أمامى، فالموبايل نسلمه مغلقًا قبل الدخول، وليس فى حقيبتى كتاب. 

لوهلة، شعرت بأن اليونان ترفض زيارتى إليها، واندهشت أن يتولد لدىّ هذا الإحساس، وكنت قد سمعت عن صعوبة الحصول على تأشيرة شنجن من اليونان بسبب الخوف من كسر التأشيرة أو اللجوء، وقد تزايدت فى السنوات الأخيرة، خاصة بعد الحرب فى سوريا والعراق، أعداد اللاجئين من المنطقة العربية لدول أوروبا وبخاصة دول البلقان: مقدونيا، بلغاريا، اليونان.

نحيت هذه الفكرة جانبًا، خاصة مع الابتسامة الودودة والمطمئنة التى كان موظفو القنصلية يهدوننى إياها فى انتظار التأشيرة التى «تتلكع» فى طريقها من بروكسل للقاهرة. 

الروح الطيبة للموظفين اليونانيين ذكرتنى بوجوه الفيوم أو صور مومياء الفيوم التى تعبر عن الامتزاج بين الثقافة المصرية والثقافة اليونانية، فقد تزوج الإغريقيون والبطلميون الأوائل من نساء مصريات وتبنوا معتقدات دينية مصرية وأنجبوا سلالة تجمع بين المصريين والإغريق. 

فهذه الألفة تعود إلى قدم الوجود اليونانى المتصل فى مصر، الذى يعود إلى القرن السابع قبل الميلاد على الأقل. أى منذ العصر الهلينى بعد فتح الإسكندر المقدونى مصر. 

وفى العصر الحديث، تأسست أول جماعة يونانية منظمة فى القاهرة عام ١٨٥٦ وتركز الوجود اليونانى فى القاهرة فى ثلاثة أحياء رئيسية: تسونيا، حارة الروم والحمزاوى، إضافة إلى المجتمعات اليونانية فى الإسكندرية والمنصورة، وبورسعيد وطنطا والزقازيق، فى صعيد مصر تأسس أقدم مجتمع يونانى فى المنيا التى تأسست عام ١٨١٢.

جاءت تأشيرة مريم، فى الساعة الثانية ظهرًا، وأغلقت القنصلية بابها، وسمحوا لى بالبقاء، كان الموظفون متعاطفين معى، وكنت قد استسلمت تمامًا لما يريده الله، وتوقفت عن الدعاء بتسليم كامل ودون رغبة فى شىء «ما تريده يكون»، جاءت الموافقة مطبوعة فى الرابعة والنصف، غادرت القنصلية اليونانية، فى الخامسة وفى يدى البسبوران مختومان بالتأشيرتين. 

وكان هذا أسوأ موقف تعرضت له عند الحصول على تأشيرة سفر، فقد اعتدت إما السفر لمؤتمرات أو مشاركات أدبية أو إعلامية، فكان الحصول على التأشيرة يتم بيسر وسهولة أو السفر مع مدرسة ابنتى مريم، وكنا نحصل على الشنجن من خلال السفارة الفرنسية، الإجراءات تتم بانضباط من خلال إدارة المدرسة، ونحصل على التأشيرة قبل السفر بأسبوعين.

قررت ألا يفسد التأخير متعة الرحلة واستعدادى النفسى للسفر لأثينا، المدينة التى تمنيت زيارتها لسنوات، والتى تعود تسميتها إلى أسطورة إغريقية تقول إن كلًا من الإلهة أثينا إلهة الحكمة والإله بوسايدون إله البحر طلبا أن يكونا سيدين للمدينة ويطلقا اسميهما عليها، فتنافسا لنيل هذا الشرف، بعرض هدية على المدينة من كل منهما. فقدم للمدينة جيادًا كونها من زبد البحر، وخلقت «أثينا» شجرة الزيتون وقدمتها للمدينة لتكون رمزًا للسلام والازدهار. قبل السكان بقيادة حاكمهم «كيكروبس» شجرة الزيتون وسموا المدينة على اسم الإلهة أثينا.

تقع أثينا فى أقصى جنوب اليونان، لذا فإن الوصول لمطارها الدولى يستغرق ساعتين، فأثينا تعد أقرب المدن اليونانية إلينا، والأقرب منها يونانيًا جزيرة كريت، وبمجرد دخول الطائرة فى المجال الجوى اليونانى تندهش من عدد الجزر اليونانية الكبير المنتشرة على سطح البحر المتوسط، وسوف أعرف فيما بعد أن اليونان لا تطل مباشرة على البحر المتوسط، ولكن عبر مجموعة من البحار المتصلة بالبحر المتوسط وهى البحر الأيونى وبحر إيجة، كما تنتشر الخلجان على طول السواحل الإغريقية.