رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

معضلة القهوة!

التاريخ الاجتماعى والاقتصادى والسياسى لإنتاج القهوة واستخدامها وتأثيرها، تناوله الأمريكى أوغسطين سيدجويك، فى كتاب عنوانه «أرض القهوة»، Coffeeland، صدر سنة ٢٠٢٠، ربط فيه اكتشاف الغرب لها بصعود الرأسمالية الحديثة، التى جعلتها المشروب الشائع فى مكان العمال بدلًا من البيرة، ما أتاح ساعات عمل أطول مع تحسين التركيز. ولها، غنّت أسمهان، فى فيلم «غرام وانتقام»، سنة ١٩٤٤، من كلمات مأمون الشناوى وألحان فريد الأطرش، «أيا مين يقول لى أهوى.. أسقيه بإيدى قهوة»، وسبب ذلك أوضحته بقولها: «ياللى تبات الليل سهران.. من إيدى لو تشرب فنجان.. راح تلقى فيه السلوى».

قبل قرون من صدور كتاب «سيدجويك» وعرض الفيلم الذى غنت فيه «أسمهان»، وقبل سنوات من قيام سليمان القانونى، السلطان العثمانى العاشر، بتذوقها لأول مرة، أصدر المؤرخ عبدالقادر بن محمد الجزيرى، الذى عاش فى مصر وتوفى سنة ١٥٧٠، كتابًا عنوانه «عمدة الصفوة فى حل القهوة»، تناول فيه الخلافات الفقهية بشأنها «فمِن قائل بحلها ويرى أنها الشراب الطهور المباركة على أربابها، الموجبة للنشاط والإعانة على ذكر الله تعالى وفعل العبادة لطلبها، ومِن قائل بحرمتها، مفرط فى ذمها والتشنيع على شربها». كما ذكر «الجزيرى» أن القهوة سببت فتنًا فى مكة ومصر والحجاز وغيرها من دول العالم الإسلامى، للدرجة التى جعلت بعض الأمراء يأمرون بتكسير أوانى شربها وإتلاف حبوب البن ومعاقبة من يشربونها!

تختلف أنواع القهوة، نكهاتها ورائحتها ولونها، باختلاف نوع البن، ومكان زراعته، وطريقة تحميصه، ودرجة طحنه، ثم بطريقة التحضير، وبالإضافات المختلفة. ولدينا فى مصر البن اليمنى والشامى والبرازيلى، ومنه يتم تحضير القهوة الفرنسية والأمريكية والتركية والإيطالية، المعروفة باسم الـ«إسبريسو»، والكابتشينو والموكا والكافيه لاتيه، و... و.... وفى أضيق الحدود، يتناول المصريون القهوة العربية، Coffee Arabica، التى أدرجتها منظمة اليونسكو، فى ديسمبر الماضى, على القائمة التمثيلية للتراث الثقافى غير المادى.

هذه الخطوة، جاءت استجابة لطلبين، أو ملفين، مشتركين، تقدمت بهما دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعوديّة وسلطنة عُمان وإمارة قطر، خلال اجتماع اليونسكو العاشر، الذى أقيم بالعاصمة الناميبية ويندهوك، فى الفترة من ٢٩ نوفمبر إلى ٤ ديسمبر، بحضور ممثلين عن ١٧٥ دولة. ومع ذلك، أصدر اتحاد الغرف التجارية السعودى، مؤخرًا، تعميمًا بتغيير اسم «القهوة العربية» لتصبح «القهوة السعودية». وأكد الاتحاد ضرورة الالتزام بالتسمية الجديدة فى قائمة المنتجات، التى يتم تقديمها كعلامة تجارية. وفى حسابه على «تويتر»، أوضح ثامر الفرشوطى، المسئول باتحاد الغرف السعودية، أنه صار ممنوعًا على كل المطاعم والمقاهى والمحامص، استخدام التسمية القديمة.

تغيير الاسم، جاء بعد شهور من إعلان وزارة الثقافة السعودية عن إطلاق مبادرة بتسمية ٢٠٢٢ بـ«عام القهوة السعودية»، عبر إقامة فعاليات وأنشطة ومبادرات تقام على مدار العام، «من منطلق المكانة العالية لهذا الرمز الثقافى والوطنى»، ولأنها «تمتلك دلالات عميقة على الكرم والضيافة، والتنوع الثقافى، والخصوصية الفريدة». وخلال معرض «إكسبو دبى»، الذى بدأ فى أول أكتوبر الماضى ويستمر حتى نهاية مارس المقبل، قام الجناح السعودى بتنظيم عدد من الفعاليات، بمشاركة أشهر الدول المصدرة للبن: البيرو، هندوراس، كوستاريكا، كولومبيا وإثيوبيا، وأتاح لزواره التعرف على أشهر ١٣ نوعًا من القهوة المعروفة فى المملكة. كما أقام ورشة عمل حول كيفية إعداد القهوة على الطريقة السعودية.

معضلة القهوة، لا ترجع إلى قيام هذه الدولة، أو تلك، بمنح جنسيتها لهذا النوع أو ذاك. وليس سببها صعوبة، أو استحالة، تحديد جنسية القهوة، التى غنت لها أسمهان، منذ ٧٨ سنة. بل ما قد يضعنا، ويضع العالم كله، فى مأزق، هو أن أكثر من نصف أنواع البن فى العالم معرض لخطر الانقراض، بحسب دراسة نشرتها مؤسسة «رويال بوتانيك جاردنز» الأمريكية، فى أغسطس الماضى، حذّرت من أن انقراض هذه الأنواع سيؤدى إلى خفض الإنتاج العالمى وحدوث أزمة كبرى فى سوق البن. وعليه، طالبت الدراسة بضرورة اتخاذ مزيد من إجراءات الحماية العاجلة فى الدول الاستوائية، خاصة فى قارة إفريقيا، التى تعانى بشدة من التغير المناخى.