رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إعادة تدوير شعث الصغير

الثلاثون سنة، التى قضاها سمير القنطار فى سجون الاحتلال الإسرائيلى، وتعرّض خلالها لأبشع أنواع القهر والتعذيب، لم تلتفت إليها وسائل الإعلام الغربية، التى أولت اهتمامًا مبالغًا فيه بثلاثين شهرًا عاشها رامى نبيل شعث، نجل وزير الخارجية الفلسطينى السابق، محمولًا على كفوف الراحة، فى سجن مصرى. مع أن الأول مناضل حقيقى، كان يواجه عدوًا يحتل جزءًا من بلده، بينما الآخر مجرد مرتزق، أو تاجر «فهلوى»، استعملته جماعة إرهابية ضد بلدٍ، غير بلده المحتل، منحه جنسيته وأطعمه من جوع وآمنه من خوف.

الظهور الإعلامى الوحيد لعميد الأسرى اللبنانيين المحررين، خارج بلده، كان على شاشة قناة «الجزيرة»، وشاركه اللقاء آخرون من بينهم فدوى، زوجة مروان البرغوثى، القيادى بحركة فتح، الذى لا يزال مسجونًا. غير أن أيامًا لم تمر، حتى قدّم وضاح خنفر، مدير القناة القطرية، وقتها، اعتذارًا مكتوبًا عما وصفه بأنه «تجاوز للأسس والأعراف المهنية»، وتعهّد باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لمنع تكرار مثل هذا الأمر!.

مع شعث الصغير، كان الوضع مختلفًا. وخلال أسبوع، حاورته جريدة «لوموند» الفرنسية، واستضافته قناة «فرانس ٢٤»، ثم «سى إن إن» الأمريكية، واحتفت به جريدة «العربى الجديد»، التى يصدرها التنظيم الدولى للإخوان فى لندن، وسيظهر قريبًا على شاشة هيئة الإذاعة البريطانية، بى بى سى، و.... و.... وحلّ ضيفًا على البرلمان الأوروبى، ليكرر أمام أعضائه، الأسطوانة نفسها، وطالبهم بـ«الخروج من سياسة الشجب وتقديم المطالب» إلى «تبنى موقف فعلى ضد النظام الحاكم فى مصر».

إعادة التدوير، هو استخدام المخلفات فى تصنيع منتجات أخرى. وهذا بالضبط، ما يقوم به مستعملو شعث الصغير، الذين يعرفون، أكثر من غيرهم، أن الأسطوانة التى يكرّرها، سبق شرخها، خاصة داخل هذا البرلمان، الذى ليس له أى سلطة رسمية، أو فعلية، على السياسة الداخلية أو الخارجية للاتحاد الأوروبى، إضافة إلى أن مواقفه وتوصياته وقراراته غير ملزمة لدول الاتحاد. وبالتالى، لم يكن له أى دور، مثلًا، فى التصدى لمشكلات العنصرية والتمييز فى المجتمعات الأوروبية، ولم يساعد، كما ينبغى، الجياع والمشردين فى دول الاتحاد، ولم يستطع اتخاذ الإجراءات اللازمة والضرورية لمواجهة الإرهاب، التى تمثل الحدود الدنيا من الحماية، التى من المفترض توفيرها لحقوق وحريات المواطنين الذين يمثلهم.

الأهم، هو أن القاصى والدانى، وقبلهم شعث الصغير، يعرفون أن ذلك البرلمان لم يكن سيسمح له بدخوله، أو المرور من أمامه، لو كان الموضوع يمس مصالح الدول التى يمثلها أعضاؤه أو يتعلق بإسرائيل. وبالصوت والصورة، سبق أن قال المذكور فى ٤ أكتوبر ٢٠١٦، إن الغرب «حاول أن يركب ثورات الربيع العربى ويوجهها فى اتجاهه». وأقرّ بأن ذلك الغرب تواصل معه وبـ«القوى الثورية» فى مصر بعد ٢٥ يناير، «عشان يقيس قد إيه إحنا مستعدين نتوافق مع مطالبه واحتياجاته»، زاعمًا أنه ردّ على ذلك، وقتها، بأن تلك القوى «معادية لإسرائيل ومعادية لمصالح الغرب فى هذه المنطقة ولن تقبل بالخضوع لشروطه».

ربما يكون للفرنسية، التى تزوجها فى سبتمبر ٢٠١٨، علاقة بتغيير أولوياته ونشاطاته. وربما وجد، وهو المرتزق أو التاجر «الفهلوى» كأبيه، كما أوضحنا فى مقال سابق، أن الخضوع لشروط الغرب، ولن نقول العمالة له، مربحة أكثر من التجارة بالقضية الفلسطينية والشعارات الثورية. وربما.. وربما، لكن ما بات فى حكم المؤكد هو أن إعادة تدويره هناك، بعد أن بات كارتًا محروقًا هنا، يقوم بها جهاز مخابرات أو جماعة ضغط أو كلاهما. ولعلك تعرف أن كليهما يستعملان صحفيين وبرلمانيين، لتبنى قضايا بعينها. 

.. وتبقى الإشارة إلى أن ادعاءات شعث الصغير، نسفها بيان من ٥٠ كلمة، أصدرته وزارة الداخلية، أمس الأول السبت، أرجع تلك الادعاءات إلى محاولة «كسب تعاطف الرأى العام الخارجى، للحصول على مكاسب شخصية»، وأكد أن المذكور «كان يتلقى كل حقوقه أثناء فترة حبسه، وحصل على جميع الزيارات والرعاية الصحية المتكاملة، وتمت الاستجابة لجميع الطلبات التى تقدمت بها زوجته للحضور للبلاد وزيارته فى توقيتات استثنائية». ومع ذلك، لا نتوقع أن تتوقف إعادة التدوير، حتى ينال الغرب نصيبه من قرف تلك المخلفات.