رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأقباط بين ثورتى 1919 و2013


على النظام السياسى الحالى والقادم أن يعلم أن إقحام المؤسسات الدينية فى مواقف سياسية يولد الخلل بين الدينى والسياسى ويناقض دستور 2014، فالدولة لكل المصريين ومسئولة عن الجميع والمؤسسات الدينية لها دورها الدينى، فلا تضيعوا هذه الفرصة التاريخية التى لا تتكرر كثيرا حتى تصبح مصر لكل المصريين.

إذا كانت السياسة يطلق عليها علم العلوم، فإن هناك علاقة عضوية لا تنفصم بين السياسة وبين التاريخ، فالتجارب السياسية وأنظمتها وممارساتها ونتائجها هى التى تصنع التاريخ الذى يمكن بل يجب الرجوع إليه ليس بهدف الهجرة إليه والعودة إلى أحضانه ولكن بهدف الدراسة والاستفادة من تلك التجارب لحاضر سعيد مستشرف لمستقبل أفضل.. والمشكلة القبطية التى كثيرا ما تحولت عبر التاريخ إلى قضية قبطية لاشك أنها تمثل أهمية خاصة لسلامة الوطن ولوحدته ولمستقبله، ذلك لأن التركيبة المصرية «إسلامية مسيحية» ذات مواصفات خاصة حيث إن الأقباط لا يمثلون أقلية عرقية أو أمنية ولكنهم مصريون حتى النخاع فهم أقلية عددية عندما يتم نسبتهم إلى الأكثرية العددية المصرية المسلمة. فكلاهما مصريون حتى أنه قد أثبتت التجارب والأبحاث العلمية أن هناك حوالى ٩٨٪ من المصريين يحملون ويشتركون فى جيناتهم المصرية، فمن جاء إلى مصر لا يملك غير أن يُمصر، والورقة القبطية أى العلاقة الإسلامية المسيحية دائما وأبدا ما يتم استغلالها بصورة أو بأخرى عبر التاريخ ومنذ وجود الظاهرة الاستعمارية التى تستهدف مصر لموقعها ومكانها ومكانتها ودورها الإقليمى بحجة حماية الأقليات الدينية زوراً وبهتاناً، والحماية دائما ما تستند وتتلكك على حقوق الأقباط كمصريين ومشاكلهم التى تطرح دائما على أرضية طائفية أو بسبب هويتهم الدينية.والتاريخ هنا يقول لنا إن المشاكل تحل والحقوق تحقق بالمشاركة السياسية للأقباط كمواطنين مصريين وعلى أرضية وطنية وسياسية بعيدا عن البعد والمظهر والمسمى الطائفى، فثورة البشمورية التى انطلقت فى مرحلتها الأولى باسم الأقباط مطالبة بحقوقهم وردا على المظالم التى يلاقونها من قبل الحكم العباسى فى بغداد، ولكن لأنها مطالب سياسية فقد تحولت إلى ثورة للمصريين جميعا حتى جاء أمير المؤمنين بذاته لرد هذه الثورة المصرية، وثورة 1919 وهى هبة شعبية لم تتحقق وتتحول إلى ثورة حيث إن نتائجها كانت إصلاحية ولم تصل إلى التغير الجذرى للأوضاع فى ذلك الوقت.فقد شارك فيها الأقباط خاصة الطبقة البرجوازية منهم ودفعوا الثمن مشاركة فى حزب الوفد وقيادته ومشاركة فى المظاهرات وأيضا قد أخذوا النصيب من السجن والاعتقال والنفى بلا تفرقة بين مسلم ومسيحى، ولأنه لا حقوق دون واجبات فالمشاركة لها ثمنها أيضا.ولذا فعندما شكل سعد زغلول الوزارة عام 1923 وزاد فيها عدد الوزراء الأقباط واعترض حينذاك الملك فؤاد فكان رد زغلول أن أحدا لا يتحنن عليهم ولكن هذا حقهم الذى دفعوا ثمنه سجنا ونفيا ونضالا، ولأن المشاركة السياسية كانت للنخبة الرأسمالية والإقطاعية فى ذلك الوقت، فعندما جاءت يوليو ١٩٥٢وتغير النظام الحزبى إلى التنظيم الواحد، ولم يكن الأقباط كجماهير معتادين تلك المشاركة السياسية، فكانت الهجرة إلى الكنيسة هى الوضع الطبيعى والموجود عبر العصور والذى تكدس وتجذر نتيجة لممارسات السادات ومواجهاته مع البابا شنودة الشىء الذى جعل الكنيسة والنظام السياسى يستلمحان فكرة أن الكنيسة هى الممثل السياسى للأقباط وهى المدافعة عنهم، الشىء الذى أكد الطائفية فكان الفوز الطائفى عنوانا للأحداث الطائفية المتكررة والمتصاعدة بلا حدود، وكانت انتفاضة 25 يناير الرائعة التى أسقطت مبارك فكانت مشاركة الأقباط شخصية وفردية لكوادر سياسية لها دورها السياسى بعيدا عن الكنيسة التى تحفظت على هذه الانتفاضة، ولكن يناير كانت قد كسرت حاجز الخوف لكل المصريين بصورة أو بأخرى، الشيء الذى جعل الأقباط المهاجرين للكنيسة والمتظاهرين داخل أسوارها يخرجون بنفس الأشكال والشعارات الطائفية داخل الكنيسة إلى خارجها بداية من أحداث أطفيح.وهنا فقد لعب القدر لعبته عندما ترشح مرسى وانحاز الأقباط لشفيق فى مواجهته وكان هذا طبيعيا فى إطار العلاقة المرتبكة بين التيار الإسلامى وبين الأقباط لأسباب كثيرة أهمها الممارسات الطائفية ضد الأقباط، وكانت ممارسات ومواقف الإخوان فى عام حكمهم فى مواجهة الأقباط وعلى ضوء المتغيرات السياسية ليناير قد اندرج الأقباط فى المشاركة السياسية فكان لهم دور مع «تمرد» وظهرت مشاركتهم الواضحة وغير المتكررة فى 30 يونيو وما بعدها ولكن للأسف كانت ومازالت فى الإطار الطائفى خاصة بعد مشاركة البابا وشيخ الأزهر فى إعلان خارطة الطريق، تلك التى دفع ثمنها الأقباط كثيرا فى أحداث 16.14/8/2013 بعد فض رابعة والنهضة.

هنا نقول إن مشاركة الأقباط السياسية هذه نقلة تاريخية رائعة ولها نتائجها الأروع، خاصة أن الأقباط بعد أحداث فض رابعة وحرق كنائسهم ومنازلهم ومتاجرهم لم يضعوا هذا فى إطار طائفى بل كان جزءا من عموم المشهد السياسى بما يعنى أن فعل المشاركة ونتيجة الانصهار الوطنى يجب أن تبعد عن الشكل والمسمى الطائفى حتى تصبح نقلة سياسية تاريخية للأقباط بعيدا عن الأرضية الطائفية، فالمشاركة يجب أن تكون سياسية بمسمى سياسى حزبى وليست تحت مسمى أو شعار طائفى

■ كاتب وبرلمانى سابق