رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف جسد شارلى شابلن طفولته فى رائعته الخالدة «The Kid»؟

شارلى شابلن
شارلى شابلن

«A picture with a smile - and perhaps a tear» أو «صورة بابتسامة وربما دمعة».. جملة خلدها فيلم «The Kid» أو «الطفل»، الذى يعد أول فيلم روائى طويل من إخراج وبطولة الأسطورة شارلى شابلن.

ويعتبر هذا العمل السينمائى من أفضل أفلام شارلى شابلن، إن لم يكن أفضلها على الإطلاق، وهو يحمل مزيجًا من الكوميديا والمأساة بين «شابلن» وجاكى كوجان «الطفل وقتها»، وعكس الطفولة المأساوية التى عاشها «شابلن».

لذلك أعلنت شركة الإنتاج «Paramount Pictures» إعادة عرض الفيلم فى دور السينما من جديد، وذلك بعد انتهاء الشركة الفرنسية «MK٢» من ترميمه وتنقيته استعدادًا لإعادة عرضه.

وبدأ تصوير الفيلم فى عام ١٩١٩، بعد ١٠ أيام من وفاة نورمان شابلن، الابن الرضيع لـ«شارلى شابلن»، فحاول الأب المكلوم التغلب على أحزانه بالانغماس فى هذا العمل، وصنعه بالفعل تحت عنوان: «هذا الألم».

وتبدأ مشاهد الفيلم الصامت بخروج أم فقيرة من المستشفى وهى تحمل رضيعها، ثم تلقيه فى سيارة فارهة تخص عائلة من الأثرياء، وتترك رسالة مقتضبة تطلب فيها الرفق به والعناية به.

لكن سرعان ماتشعر الأم بالحنين إلى الطفل فتتراجع، لكن الأمور لا تسير على ما يرام، فتتم سرقة السيارة، ويتخلص اللصوص من الطفل بوضعه إلى جانب حائط فى أحد الطرق، وهناك يجده الصعلوك شارلى شابلن، فيأخذه ويطلق عليه اسم «جون»، وهو الشخص الوحيد الذى يحمل اسم فى هذ الفيلم.

تبدأ حياة يملأها الحب رغم الفقر وقصر ذات اليد، ويحاول «شابلن» تلبية احتياجات طفل هو العالَم بالنسبة له، وتمر السنوات وتتغير حياة الأم ويصعد نجمها فى الأوبرا، وتمضى حياتها فى عالم الشهرة والثراء، فتحاول البحث عن طفلها حتى تصل إليه فى تسلسل أحداث يمزج بين الهرج والمأساة، بعدها يُصاب الطفل بالحمى، فيعرف الطبيب أن «شابلن» ليس أباه الحقيقى، وبعد فترة وجيزة يصل موظفو الخدمة الاجتماعية لأخذ الطفل، فى واحد من أكثر المشاهد إثارة فى تاريخ السينما.

ويتضح لأى شخص على دراية بحياة شارلى شابلن أن فيلم «The Kid» هو فيلم شخصى جدًا بالنسبة لصانعه. فقد أخُذ «شابلن» بالقوة من والدته، عندما كان فى السابعة من عمره، وعاش طفولة مسممة بالفقر والمرض العقلى ومشقة الحياة عامة، وقسوة العاملين فى دور الرعاية.

ويظهر هذا فى علاقته الأكثر من رائعة مع الفتى، طوال فترة التصوير، التى اعتبرها العلاقة المفقودة بينه وبين طفله الذى لم يقدر له العيش، ما انعكس على أدائه للدور الذى لعبه وظهر من خلاله فى أفضل حالاته كممثل.

كما عبّر جاكى كوجان «الطفل» عن أفضل أداء، ما أسهم فى صناعة نجم منه فى عشرينيات القرن الماضى، ليدخل عالم الشهرة والأموال لفترة لابأس بها، حتى واجهته المصاعب بعد أن صرفت والدته وزوجها مدخراته، وكانت هذه الحادثة هى السبب فى إطلاق قانون يحمل اسمه لحماية الممثلين الأطفال من استغلال الأوصياء عليهم.

وحاول «كوجان» إعادة حياته المهنية لاحقًا، فنجد الطفل البرئ قد تحول إلى العم «فيستر» فى فيلم «The Addams Family»، حتى التقى بـ«شابلن» للمرة الأخيرة فى عام ١٩٧٢، أثناء عودة الأخير القصيرة إلى الولايات المتحدة لتسلم جائزة «الأوسكار» الفخرية.

ولم تنقطع تسلسلات الكوميديا والهزل فى الفيلم، ومن بينها حلم الصعلوك «شارلى شابلن»، الذى يرى فيه الشارع الفقير الذى يسكنه وقد تحول إلى جنة مزينة بالورد، وجيرانه يرتدون أجنحة الملائكة.

لكن الأمر ينتهى بكابوس، حين يطلق عليه الشرطى الرصاص، ثم يحاول هز جسده ليتأكد من أنه حى، ليفتح عينيه ويرى الشرطى دون أجنحة ولديه جسد آدمى حقيقى.

ولم يعرف «شابلن» وقتها أنه سوف يتزوج من الطفلة ذات الـ١٢ عامًا، التى كانت ترتدى الأجنحة فى مشهد الحلم، بعد الفيلم بعامين، فقد وقعت هذه الفتاة فى حبه، وخدعته بأنها تحمل فى بطنها طفلًا منه، وبالفعل أنجبت الفتاة طفلين خلال زواجهما، وبعد عامين انفصلا.

وكل ما أحتاجه شارلى شابلن لصناعة كوميديا فى هذا الفيلم كان منتزه وشرطى وفتاة جميلة، وكما هو الحال فى الأفلام المبكرة للمخرجين الرواد، لم يحمل الفيلم أى أسماء للممثلين به، فقط الرجل والمرأة والطفل والصعلوك.

وصبغ هذا العمل بلغة عالمية، ومَثل التناغم بين الممثلين لغة مفهومة رغم الصمت، كما أن تكوين الصورة صُنع بعناية باستخدام إضاءة خفيفة، خاصة فى المشاهد الليلية داخل شارع «أولفيرا»، وهو الجزء الأقدم من مدينة لوس أنجلوس، ويعود تاريخه إلى زمن المستعمرة الإسبانية، ما منح مَشَاهد الفيلم أصالة وواقعية.

وحصد فيلم فيلم «The Kid» جائزة المجلس الوطنى لحفظ الأفلام بالولايات المتحدة ٢٠١١، وجمعية السينما والتليفزيون الإلكترونية ٢٠١٩.

وحصل شارلى شابلن طوال حياته الفنية على عشرات الجوائز عن أعماله، منها ٣ جوائز أوسكار عام ١٩٢٩ عن كتابة وإخراج وتمثيل فيلم «The Circus» أو «السيرك»، وأوسكار فخرية عام ١٩٧٢ لتأثيره البالغ فى صنع الصورة المتحركة فى القرن العشرين. وفى ١٩٧٢، حصد جائزة الأسد الذهبى من مهرجان البندقية السينمائى، إلى جانب جائزة «إنجاز مدى الحياة» من جمعية سينما مركز لينكولن. ومنذ ذلك الحين تُقدم هذه الجائزة سنويًا إلى صانعى الأفلام بوصفها «جائزة شابلن»، علاوة على منحه نجمة فى «ممر الشهرة» بهوليوود، وبعدها بـ٣ سنوات، حصل على وسام فارس الإمبراطورية البريطانية من الدرجة الأولى. واختيرت ٦ من أفلام «شابلن» للحفاظ عليها فى السجل الوطنى للأفلام، فى مكتبة «الكونجرس» بالولايات المتحدة، وهى: «المهاجر» ١٩١٧، و«الطفل» ١٩٢١، و«حمى الذهب» ١٩٥٢، و«أضواء المدينة» ١٩٣١، و«الأزمنة الحديثة» ١٩٣٦، و«الدكتاتور العظيم» ١٩٤٠.