رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كتاب ونقاد: «ألف ليلة وليلة» سحر الماضي الذي تجاوز الحاضر ويراهن على المستقبل

لوحة ل دي لاكرو نساء
لوحة ل دي لاكرو نساء الجزائر

نجحت ألف ليلة وليلة أن تخطف الضوء وتحفر مكانا لها في الماضي وتستقر في الحاضر وتقفز للمستقبل، ونرصد في السطور التالية إجابة نقاد وروائيين على سؤال ماذا عن سر خلود الف ليلة وليلة؟. 

 شريف الجيار: ألف ليلة وليلة نص قادر على البقاء 

من جانبه يرى الناقد والأكاديمي دكتور شريف الجيار: «ظلت نصوص ألف ليلة وليلة، في طور الشفاهية، عصورًا طويلة، قبل أن تنتقل إلى الكتابية والتواتر النصي، حيث بلورها الحس الشعبي، عبر مجموعة من الرواة المجهولين، الذين حوَّروا وغيَّروا وحذفوا وأضافوا، إلى هذا الخطاب الشفاهي؛ كي يسلوا العامة شفاهة، وفقًا لطبيعة العصر، وظروف المجتمع الحضارية، حتى انتقل إلى طور الكتابية في طبعات اختلفت محتوياتها، وتنوعت بتنوع مصادرها، إلى أن تبلورت فى أهم طبعة لهذا الكتاب؛ طبعة بولاق في مصر عام 1835م».

وأشار الجيار إلى أنه تعود جذور حكايات "ألف ليلة وليلة" – على الأرجح وكما تعاقبت الروايات – إلى أصول فارسية وهندية، ثم لحق بها بعد ذلك، حكايات عربية بغدادية ومصرية، ويتفق "ابن النديم" «438/ 1047م» في كتابه "الفهرست"، مع المؤرخ السابق له "أبو الحسن المسعودي" «ت 346/957م» في كتابه "مروج الذهب"، على أن أصول الحكايات الشهرزادية، تعود إلى كتاب "هزار أفسانة" الفارسي؛ ويعني "ألف خرافة"، وقد تُرجم إلى العربية بعنوان "ألف ليلة"، غير أن بعض الدارسين، قد اختلفوا في الأصل الفارسي لبعض هذه القصص، وأرجعوه إلى أصل هندي؛ كقصة شهرزاد الإطارية، التي بنيت عليها ألف ليلة وليلة، ثم أضيف إلى هذه الأصول الفارسية الهندية حكايات عربية، ما بين بغدادية ومصرية وغيرهما. 

يلفت الجيار إلى انه" يحسب للمستشرق.Antoine Galland 1646- 1715م، الانطلاقة الأولى لرحلة "ألف ليلة وليلة"، خارج الشرق الأوسط؛ حيث ترجم ثلث الحكايات المخطوطة التي جلبها من الشرق، إلى اللغة الفرنسية، بين عامى 1704م، و 1713م، وقد حققت هذه الترجمة شهرة واسعة، بعد أن صاغها "جالان" وفق المعيار الثقافى الأوروبي، في القرن الثامن عشر، في ظل مناخ  ثقافي غربي، يبحث عن المغايرة الثقافية، ويجابه الكلاسيكية، مفسحًا المجال للرومانتيكية، التي وجدها فى النص الشهرزادي، في وقت كانت المرأة تحتل فيه مكانة كبيرة، في الحياة الثقافية الأوروبية بشكل عام، حتى أن "أنطوان جالان" أهدى ترجمته للمركيزة " أوه" إحدى رفيقات دوقة بورجونيا، وهو ما أسهم في انتشار ألف ليلة وليلة، في ثوبها الرومانسي، ذي الشكل الحكائي الشرقي، المليء بالغريب والمجهول، الذي دفع الغرب، إلى معرفة تلك البلاد النائية، بفنها وبثرواتها الطبيعية.

شريف سعد محمد الجيار | المجلس الاعلى للثقافة

ويحسب للغرب، أنه التفت إلى أهمية "ألف ليلة وليلة"؛ على الصعيد العلمي والإبداعي، قبل موطنها الأصلي، لا سيما بعد أن ترجمت إلى مختلف لغات العالم، وقد لخص "أندريه جيد"، الموقف الأوروبي تجاه الليالي العربية، في قوله:"أمهات الكتب العالمية ثلاثة؛ الكتاب المقدس «العهد القديم والعهد الجديد»، وأشعار هوميروس «الإلياذة والأوديسة»، وكتاب ألف ليلة وليلة".

ومن ثم انتقل الغرب بالنص الشهرزادي من اللانصية إلى النص بجمعه وترجمته وبحثه، في حين ظل النص مهملًا، في الدوائر الأدبية العربية، حتى بدايات القرن العشرين، إلى أن بدأ الاهتمام النقدي العلمي، على يد "سهير القلماوي" في أطروحتها للدكتوراه عن "ألف ليلة وليلة"، بالجامعة المصرية، بعد عودتها من باريس عام 1939م، وحصولها عليها عام 1941م، تحت إشراف "طه حسين"؛ وهو ما فتح الباب على مصراعيه نقديًّا وإبداعيًّا، صوب النص الشهرزادي، الذي أثبت أنه نص قادر على البقاء والصمود، حيال هذا الانفتاح التأويلي؛ النقدي والإبداعي.

 

هبة شريف.. عمل يحتمل الكثير من التأويلات 

من جانبها ترى الكاتبة والمترجمة دكتور هبة شريف، أن ألف ليلة وليلة مثل معظم الحكايات الشعبية تحتوي على حكايات تدور في عالم يشير ‏إلى عالمنا وتسري به نفس القوانين حتى لو كانت حكايات خيالية تماما، وتتسم ألف ليلة وليلة ‏بأحداث تتسم بالخيال والفانتازيا والتطرف في وصف التناقض، فدائما هناك التناقض بين الخير ‏والشر والكراهية والحب والخيانة والوفاء والغنى والفقر، والكراهية والحب، وهذه هي ‏التناقضات نفسها التي نلمسها في حياتنا. وبناء الحكايات نفسها بسيط ومناسب للقارئ في أي ‏مكان وزمان.

هبة شريف مترجمة كتاب هاندكه: فاز بنوبل لتعبيره عن مصائر البشر بصدق مؤلم -  بوابة الأهرام

ولفتت شريف إلى أنه تتميز ألف ليلة وليلة بوجود شخصية الراوية فيها، وهي راوية تلجأ للحيلة ‏والمكر للبقاء على قيد الحياة مما يجعل القارئ يتعاطف معها، ولكن ليس هذا فقط، فهي حكاءة ‏عظيمة ولها القدرة على إثارة الفضول في كل مرة تنهي فيها الحكاية عندما يؤذن الدين فجرًا ‏فتبقي شهريار ومعه القارئ في ترقب دائم ولهفة لمعرفة نهاية الحكاية. 

وختمت: “الأبطال في ألف ليلة ‏وليلة يسهل التعاطف معهم وفهمهم أيضًا، فهم شخوص بسيطة يمثلون التناقض أو الأبيض ‏والأسود، فهنا البطل الطيب ومنافسه الشرير، والشخصية الأنانية في مقابل الشخصية ‏المعطاءة، والشخصية الوفية في مقابل الشخصية الخائنة، وفي النهاية، فألف ليلة وليلة تحتمل ‏الكثير من التأويلات وإعادة التفسير والفهم، كما حدث عندما خضعت تلك الحكايات لتفسير ‏نسوي على سبيل المثال”.‏

حسين دعسة.. حالة إبداعية نادرة 

من جانبه قال الكاتب الروائي والصحفي حسين دعس: “عندما  أقرأ أي صفحة من كتاب ”ألف ليلة وليلة"، وهذا يحدث يوميا، الأمر الذي  ينسيني فقر عالمنا في جماليات السرديات والإبداع الإنساني، قد ينتبه أي قارئ او ناقد، أو كاتب روائي او مسرحي إلى أن "الف ليلة وليلة"، حالة إبداعية عابرة الأزمان، والازمات، وهي متوفرة بكل اللغات، المجلدات تتباهى بشموليتها، وهناك عشرات الطبعات الملخص، عدا عن الكتب الصوتية ومسلسلات الدراما وأفلام السينما واللوحات المستوحاة من جماليات وأجواء ليال الف ليلة وليلة. 

ويشير دعسه، إلى أن هناك إغراء ارتبط مع التراث الحضاري الإنساني، وهو إغراء "ألف ليلة وليلة"، حدوثة يجب أن تغسل يومك، قبل أن تكتب، وأحيانا قبل النوم، وهو يمنحنا، تلك النظرة على حرية النص.

وأضاف: دخلت حكايات الف ليلة في دنيا الرواية والمسرح والسينما والدراما التلفزيونية، كما تركت اثرها على موروث الشعوب، نجد من التطور الطبيعي أن يكون الإبداع العالمي، متاحا للعيش  تحت ظلال شهريار، بكونه قصص، ورديات قابلة للبناء، والتبادل المعرفي الذي اختار أن تكن ليالي شهرزاد، ملكة الحرية والغنائية وشروط الحيوية والحرية. 

ويختم دعسة: تلك الجماليات في الفنون التشكيلية: رسم الليالي رواد كبار مثل: «ديلاكروا، بول كلي، كاند ينسكي، بيكاسو، ماتيس»، وغيرهم، بعضهم زار ومكث في بعض الدول العربية، وبعضهم الآخر تواصل معها عبر من زارها من الفنانين والرحالة. 

وفي السينما:عربيا منها فيل الف ليلة وليلة للمخرج حسن الإمام، وفي الدراما  عشرات المسلسلات التي تعيد وتكرر الأحداث وفي المسرح: هنام أعمال مختلف لسعد الله ونوس ولنضال الأشقر، ومسرحية ألف ليلة وليلة  ﺇﺧﺮاﺝ: محسن حلمي وﺗﺄﻟﻴﻒ بيرم التونسي.

 

 الكاتبة هويدا عطا.  كتاب ألف ليلة وليلة... شكل ابداعنا

من جانبها قالت الكاتبة الصحفية والروائية هويدا عطا: «تظل ألف ليلة ليلة أحد أهم وأبرز النصوص في السردية العربية بما تحمله من عوالم غرائبية، أولها وعلى رأسها جهلنا بمؤلفها واختلافنا على جذورها، ولاشك أنها مثلت لجيلنا والسابقين علينا ركن أساس في قرائتنا المبكرة».

هويدا عطا تدخل موسوعة «جينيس» عن كتاب «الربع الخالي»

مازالت إلى الآن تشغلنا بسحر وأسلوبها وطريقتها في السرد إلى جانب عالمها المشحون بالغرائبية والسحر وعوالم ما وراء الطبيعة، إلى جانب لغتها التي قفزت من الماضي لتستقر في حاضرنا، ويبدوا أن هذا هو أحد أسباب استمرارها وخلودها، إلى جانب مغامرات السندباد البحري الشيقة التي تأخد بشغاف الفكر والقلب الي ما لانتخيله حتى باحلامنا، أما هارون الرشيد وجولاته الليلية لتفقد رعيته وسهراته الشعرية والفنية والثقافية كانت تعانقنا إلى صفحات السماء وتشكيلاتها الضبابية الرائعة وقرمزية الشمس بلوحاتها الفاتنة، وغيرها مما أرسى فينا حروف الابداع الأولي التي شكلتنا شعراء وروائيين وقصاصين وكتاب ورسامين، وغيرها مما يصب في نهر الإبداع.