رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

منتدى شباب العالم.. منصة الرسائل المصرية

متابعتى لمنتدى شباب العالم تقودنى إلى فكرة أنه منصة مصرية لإرسال الرسائل السياسية، سواء لداخل مصر، أو للعالم الذى نحيا فيه ونعتبر أنفسنا جزءًا أساسيًا منه.. ولأن عصر الخطب المطولة قد انقضى فإن ذلك المنتدى الذى يجمع بين وظائف علمية وإعلامية وسياسية وجماهيرية، هو المنصة المناسبة لإطلاق تلك الرسائل وتتحدث لغة العصر أيضًا.. والحقيقة أن الرسائل المصرية ليست رسائل خطابية أو بلاغية، بقدر ما تعكس فهمًا مصريًا لشئون العالم ولوعى مصر به وبنفسها أيضًا.. ولعل أهم الرسائل التى أرسلتها مصر على لسان الرئيس فى اليومين الماضيين من المنتدى هى تلك الرسالة التى تقول إن لنا خصوصيتنا ولكم خصوصيتكم، والمعنى أن كل دولة فى العالم لها ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية مختلفة عن الأخرى، وأن لكل إقليم فى العالم ظروفًا مختلفة خاصة به، وأن ما يصلح فى أمريكا ليس بالضرورة أن يصلح فى مصر.. بل إن ما يحدث فى أمريكا حاليًا لم يكن يصلح لها منذ مائتى عام مثلًا، قبل أن تتطور اقتصاديًا واجتماعيًا وتصبح ما هى عليه، وبالتالى يصبح من الحماقة أن نطبق ما يصلح لأمريكا على مصر قبل أن يتطور المجتمع المصرى اقتصاديًا وتنمويًا واجتماعيًا ليصبح مهيأ لتطبيق ما يحدث فى أمريكا أو السويد أو إنجلترا، لأن هذه المجتمعات قطعت مراحل واسعة من النمو الثقافى والاقتصادى قبل أن تصبح مهيأة لإطلاق حريات مثل حرية التعبير المطلقة أو حرية الاعتقاد غير المحدودة أو حرية التنظيم اللا متناهية، وبالتالى فإن إصرار بعض دوائر الغرب على اختصار منظومة حقوق الإنسان فى مجموعة الحقوق المسماة بالسياسية هو أشبه بمن يريد أن يبنى الطابق الأخير من المبنى قبل أن يرمى الأساسات ويبنى الطابق الأول، وستكون النتيجة أن ينهدم البناء على رءوس الجميع كما حدث منذ عشر سنوات فى هذه المنطقة، ورغم أن الله أنجانا بفضله وكرمه من مصير سيق له غيرنا.. إلا أننا لا نعدم بعض الحمقى الذين يخرجون علينا بين فترة وأخرى ليقولوا لنا إن علينا أن نبنى الطابق الأخير قبل أن نرمى الأساسات، وإن تلك وصفة عظيمة ومجربة وعلينا أن ننفذها فقط وننتظر النتائج!! وقد كانت رسالة مصر على لسان الرئيس أن الإصرار على فرض مفهوم واحد لحقوق الإنسان على مجتمعات لديها ظروف مختلفة ومرحلة تطور مختلفة هو من قبيل «الاستقواء والاستعلاء».

أما الرسالة الثانية التى أطلقتها مصر فى أولى جلسات المنتدى بالأمس، فكانت مكملة للرسالة الأولى حين ألقت وزيرة التخطيط كلمة مصر متحدثة عن «الحق فى النمو» كأحد حقوق الإنسان الأساسية، والحقيقة أن المصطلح بليغ وجديد وإن كان يعبر عن معنى معروف، وهو أن لمصر الحق فى استكمال منظومة الحقوق الاجتماعية والاقتصادية لشعبها أولًا.. وفق احتياجات الشعب ووفق أولويات النمو، فلا أحد يمكنه أن يصدق أن مواطنًا محرومًا من السكن والتعليم والعمل يمكن أن يذهب لصندوق الانتخاب ليتخذ قرارًا مستقلًا منفردًا واعيًا إلا إذا كان من الملائكة وأصحاب القدرات الخارقة، والأهم من حقنا فى إرساء أولوية «الحق فى التنمية» هو واجب المجتمع الدولى فى مساعدة الدول الأكثر فقرًا على تنمية شعوبها، وعلى توفير التمويل لهذه التنمية من فائض الثروات الغربية التى تراكمت عبر عقود تاريخية مختلفة لا داعى للحديث عن تفاصيل ما جرى فيها، والحقيقة أن الغرب لا يجب أن يفعل هذا لدواع إنسانية فقط، ولكن للحفاظ على السلم والأمن فى العالم وفى المجتمعات الغربية نفسها، فالجوعى واليائسون لن يجدوا أمامهم سوى الدول الأكثر غنى ليهاجموها بكل طريقة ممكنة، ويقصدوها من كل حدب وصوب، وقد جرب الغرب أطيافًا من ذلك كله، والحل الذى تتبناه مصر أن يساهم العالم فى جهود التنمية وأن يتم إلغاء الديون التى تطوق عنق القارة السمراء رغم أنها ليست سوى فتات بالنسبة لمؤسسات التمويل الغربية والمليارات المتراكمة فيها، وهكذا فإن الحق فى التنمية وضرورة تحمل الغرب مسئوليته فى ذلك، كانت هى الرسالة المصرية الثانية التى تم إطلاقها عبر منصة منتدى شباب العالم، أما الرسالة الثالثة فلم تكن تقل أخلاقية ولا مبدئية عن الرسالتين السابقتين، والتى عبرت فيها مصر عن التضامن مع شعوب المنطقة المنكوبة بصراعات السياسة، وأعلن فيها الرئيس السيسى عن أن منظمات بناء القدرات المصرية مفتوحة للشباب العربى، وعبر عن تضامن واضح مع ضحايا الصراعات فى اليمن وغيره، وهو موقف أخلاقى رفيع زاد منه تأكيده على تحمل مصر مسئوليتها فى إعادة إعمار غزة ودعوته للمنظمات الدولية لعدم التنصل من مسئوليتها تجاه هذا الملف، وتجاه الشعب الفلسطينى بشكل عام.. وهى رسالة لا تقل أخلاقية عن كل الرسائل التى ترسلها مصر والتى أرسلتها فى الماضى وستظل ترسلها فى المستقبل بإذن الله.