رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«فى انتظار بابا» تعيد بعث «إلكترا» على خشبة المسرح القومى

تمثل الأساطير مصدرًا مهمًا للإلهام، يلجأ لها المبدعون لمناقشة قضايا معاصرة، ومن أشهرها أسطورة «أجاممنون» بطل أثينا الذى ذهب إلى حرب طروادة، وعند عودته منتصرًا، قتلته زوجته بمساعدة عشيقها إيجستوس، فعاشت ابنته إلكترا فى حداد وحزن شديد لشدة تعلقها بالأب، وزاد ذلك من كراهيتها للأم، وعرفت هذه الحالة فى علم النفس بـ«عقدة إلكترا»، ومن هنا قام كل من المخرج سمير العصفورى والكاتب والممثل أيمن إسماعيل بإعداد الأسطورة برؤية جديدة تناقش التفكك الأسرى.

المسرحية بطولة أحمد سلامة، سماح أنور، انتصار، مفيد عاشور، سميحة عبدالهادى، على كمالو، فتحى سعد، بسمة شوقى، ماهر محمود، أشعار محمود جمعة وأحمد الناصر، موسيقى وألحان أحمدالناصر، إضاءة مصطفى عزالدين، استعراضات ضياء شفيق.

العرض يبدأ بالفنان والكاتب أيمن إسماعيل يخاطب الجمهور بأنه سوف تعرض مسرحية تدعى «فى انتظار بابا» من تأليفه، ونتعرف أن مخرج الفرقة هو الفنان مفيد عاشور، وتظهر الفنانة انتصار فى حوار مع أيمن ومفيد عاشور، لنعرف أننا أمام عرض يعتمد على أسلوب المسرح داخل المسرح، ويقوم الفنان عاشور بالتعليق على أحداث المسرحية بين المشاهد.

تحكى المسرحية عن أسرة «ضياء أبوشمعة»، التى تبدأ بأغنية تؤكد فيها أنها أسرة سعيدة ولديها أخلاق ومُثل عليا، يعيشون فى حب وسلام، ولا ينقصهم سوى عودة الأب الغائب، لكن على مدار المسرحية تتساقط أوراق التوت، فتتعرى الأسرة ويبرز زيفها، وادعاء المثالية والقيم، وأنها أبعد تمامًا عن ذلك، فالفعل جاء معاكسًا للقول، فـ«أبوعلى» و«سميحة» يعيشان فى حزن لعدم الإنجاب، وجميلة تعانى من عزلة زوجها شادى، وكرم، الابن الأكبر للأسرة، يتجسس عليها ويسرقها، ومرتضى، الذى تراه الأسرة مجنونًا، نكتشف حقيقته التى تختلف عن مظهره، ليثير تساؤل: مَنْ العاقل ومَنْ المجنون فى هذه الأسرة؟

علاقة شريف، «أحمد سلامة»، بعزيزة خطيبته ليست مبنية على الحب، بل على الاستغلال والطمع والانتهازية، وفى إطار كوميدى غنائى استعراضى تناقش المسرحية صراع الإخوة على المال، وكيف أن التفكك الأسرة يؤدى إلى تفكك المجتمع بأكمله، فينقل الكاتب المشكلة من الخاص إلى العام.

عنوان المسرحية يحيلنا إلى مسرحية «فى انتظار جودو»، ففى المسرحية هنا تظل الأسرة منتظرة عودة الأب، وعند عودته، لم نره على المسرح لكن من خلال الحوار تتحدث الشخصيات عن أنه عاد لكنه مريض. 

أما الديكور، من تصميم إيهاب العوامرى، لم يكن اعتياديًا، فقد اعتمدت المسرحية بشكل أساسى على الشاشة والواقع الافتراضى فى عمق المسرح كبديل للمناظر المرسومة، فتم عرض صور رقمية، تمثل خلفيات المشاهد، وصور كاريكاتيرية لكل الشخصيات بالتزامن مع مواقف كل شخصية، فى مشهد يبرز علاقة شادى بجميلة زوجته، وظهرت لوحة على يسار المسرح بها وجه امرأة وهى معادل لشخصية جميلة، ولوحة أخرى على يمين المسرح لمكتبة معادل لشخصية شادى، واللوحتان منفصلتان وبينهما مسافة كبيرة، كأنّ الشخصيتين خطان متوازيان لن يتلقيا، فشادى منعزل فى مكتبه، وغير مبالٍ بالأزمة التى تمر بها الأسرة، وعلى الرغم من كل الكتب التى قرأها فإنه يعبر أيضًا عن المثقف السلبى الذى يتخلى عن إصلاح مجتمعه.

وعلى العكس نجد شخصية المخرج «مفيد عاشور»، المثقف العضوى الفعال الذى يرفض الواقع ويريد تغييره، لذا يغير مسار الأحداث من الصراع والعنف إلى المناقشة والحوار والبحث عن التعايش السلمى، ومن ثم يجمع كل شخصيات العمل، لمشاهدة مقطعًا، على شاشة، يتناول صراعات وحروبًا ناتجة عن التعصب والتطرف، ثم يوجه خطابًا لهم وللجمهور بأن النهاية يجب أن تكون سعيدة، هى نهاية يدعو إليها المجتمع.

وفى المشهد، الذى يحاول شريف إقناع أم عزيزة ببيع ممتلكات الأسرة، وتستجيب للضغط، نجد فرقة من الشباب تصور ذلك بكاميرا الموبايل، بعد ذلك تظهر على الشاشة صورة بها «موتيڤة» للعين متكررة باستمرار، لتعبر عن التجسس وتلصص أفراد المجتمع على مصائب الآخرين، خصوصًا فى زمن السوشيال ميديا. 

الملابس من تصميم أمانى حسنى، وقد ارتدت الفنانة سماح أنور «بدلًا» كعادتها فى الأفلام، وارتدت الممثلة سميحة عبدالهادى رداءً يشبه رداء الليدى ماكبث، يتناسب مع المشهد الذى تحرض فيه على قتل الأب، أما شادى فلم يغير ملابسه طوال المسرحية، حيث ارتدى الروب المنزلى والزعبوط، فظهر كشخصية نمطية لم تتطور، وجسدت ملابسه عدم خروجه من انعزاله.

مسرحية «فى انتظار بابا» مثل لوحة من الفسيفساء، اندمجت فيها «عقدة إلكترا» مع مسرحية مكبث، وأعمال أخرى، تمت معالجتها بطريقة معاصرة تناقش التفكك الأسرى، والتعصب للرأى ودور المثقف الفعال فى إصلاح المجتمع.