رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاهتمام بسفاسف الأمور!

سفاسف الأمور هي الأمور التافهة الحقيرة التي لا يصح أن يضيّع فيها عاقل وقته، مقبلا عليها ومنشغلا بها، ناسيا أن الحياة هكذا تتجاوزه إلى غيره، ممن لا يبالون بمثلها ولا يقيمون لها من الأصل وزنًا، وهذا هو الوضع المستقيم..
قد يظن موهوم أن الحياة تغيرت للأسوأ وحسب، وصارت ملكا للتافهين والحقراء وحدهم، ومن ثم فالاهتمام بهم، وبتفاهتهم وحقارتهم، يجعل صاحبه في أول الصفوف؛ لأنه يكون قرأ واقعه قراءة صحيحة هكذا، وصار ابن زمانه بالمضبوط، ولن يعيبه على ما فعله أحد؛ لأن الناس أبناء أزمانهم أيضا، ولا ريب في أنهم سيسيرون مع الرائجة كما سار..
وقد تغيرت الحياة حقا، لكنها تغيرت للأسوأ وتغيرت للأحسن، والمعنى أنها تقدمت وتطورت؛ فأصابها ما أصابها من القبح وأصابها ما أصابها من الجمال بالمثل، غير أنها لم تصر ملكا لأحد بعينه، إنما صارت في قبضة كل صادق مجتهد، ولو كان صدقه في شأن تافه حقير واجتهاده في نطاق شأنه، وهو ما يشجع النبلاء على الصدق والاجتهاد في نطاق مضاد، نطاق ذي قيمة فعلية كبيرة، ليس دنيئا لا أهمية له (كأنه التفاهة) وليس ذليلا ولا مهانا (كما لو كان تعبيرا عن الحقارة)!
المتفرغ للأخبار الفاضحة التي ليس من ورائها إلا إثارة الناس وقتل ثقتهم في الآخرين أيا كانوا، أو الأخبار الكاذبة التي لا تصمد أمام منطق الحقيقة لدقائق معدودة؛ ذلك واحد من المهتمين بسفاسف الأمور، لا تراه يقرأ صحيفة معتبرة ولا يطلع على موقع إلكتروني محترم، ولا يستقي الأخبار من مصدر بشري له وقاره وحيثيته، ولكنه في الأغلب ابن هواه الذي يشبه انحيازاته.. يشبه صحيفته الصفراء وموقعه البائس ومصادره المشكوك في جدارتها بمهمة الإمداد الخبري التي يجب أن تتسم بالشرف والنزاهة..
تصبح المصيبة أكبر إذا كان مثله من العاملين بالإعلام؛ لأنه بموجب عمله سيكون مؤثرا في شريحة عريضة من الناس بصورة مباشرة، وكما أنه مهتم بالتفاهة والحقارة؛ فسيخلق جمهورا من المهتمين بهما، سيفتح بابا واسعا لولوج سفاسف الأمور، ويغلق أبوابا في أوجه الجدية والإحكام والرفعة!
إن تنقية الأجواء من أمثال ذلك المجرم، مهما تكن مهنته، أمر لا بد منه وبسرعة،
وقد حددت الملامح، ولا أعتقد أن تحديد مثله صعب ولو تخفَّى، ولقد وصفته بالإجرام، بلا ندم، لأن وجوده فتنة، ولأن وراءه دماء وخلفه دماء، أعني يتسبب اهتمامه العجيب المريب في إهدار أسباب الحياة؛ فالحياة السليمة نقيضة التفاهة والحقارة في الصميم، وهما لعبته المفضلة!
علينا الاعتراف بانتشار النماذج السلبية في مجتمعنا، ومنها المهتمون بسفاسف الأمور، ولو أجلنا اعترافنا فسيزدهر انتشارها الكارثي، وأظننا نحس، بمرور الوقت، أن كثيرين من بين الأجيال الجديدة مقطوعون عن الصواب؛ لأن هذه النماذج المؤسفة تقودهم!