رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كوب شاى بدون سكر!

بهاء الدين حسن
بهاء الدين حسن

أخرج الروزنامة المهترئة من صُرة ملابسه، ونزع آخر ورقـة فى العام! جلس على قالب طـوب، كان قـد أحضـره من جـدار منزله المنهار، يلتقط أنفاسه.. حدّث نفسه قائلًا: 

- كم تمر الأيام سريعة!

فى مثل هذا اليـوم من كل عام، كان يعـج منزله بالأهل والأصدقاء، وهم يضيئون الشموع، ويحتفلون باستقبال العـام الجديد.

تساءل وهو ينظر إلى المدى، يتأمل الحطام:

- أين الأهـل.. أين الأصدقـاء.. أين المنـزل؟!

توقف بصره عند شواهد القبور المنتشرة فى أرجاء المكان، تحامل على نفسـه وأحضر قطعـة خشب، من بقايـا المنزل، وأشعـل فيهـا النــار، ثـم راح يسـوّى لـه كوب شـاى.

تذكر أن كمية السكر قد نفدت، وأن قافلة الإغاثة لم تحضر منذ فترة، فلم يجـد مفـرًا من أن يشـرب الشـاى بدون سكر، قال بحسـرة وأسى، وهـو يرشف رشفة من كوب الشاى:

- كل شىء أصبح مُرًا!

راح يتأمـل الحطـام من حولــه، من آثــار المـدافـع والصـواريـخ وإغـارة الطائـرات على البلـدة.. هتف وهو يلقى بحجر فى النار:

- تبًا للقتلة.. تبًا للضمائر الميتة! 

وبينما هــو فى غمـرة آلامه، تذكر أنـه نسى عكّازه بجوار النــار، فأفاق على رائحة احتراقه.

أمسكت النــار فى طرف جلبابه، وهو يحـاول أن ينقـذ العكــاز، حـاول أن يبتعـد، لم يسعفه العكاز المحترق فخارت قواه، وسقط على الأرض.. صرخ:

- أغيثونى.

كان صــوت الجرافــة عاليًـا، لـم يلتفت إليه أحــد، من الرجــال المنشغلين بوضع حجــر الأساس، لبنــاء المستوطنــة الجديــدة، بينمـا الرجل لا يزال يصرخ: 

- أغيثـونى.

باب الريح 

عندما لمحهـم يقفـون فى مكان التجمـع المتفق عليـــه، فى انتظار أتوبيس الشركـة، الذى سيقلّهم إلى مقـر عملهم، توجه نحـوهم وفى يـده الصحيفـة فردهـا أمامهم بحماس وقال: 

- هذا ما كتبته عن ظلـم مجلس إدارة الشركة، وطالبت فيه بحقوقكم. 

ألقــوا نظرة خاطفة على الصحيفة، ثم انصرفوا عن تكملة قراءة المكتوب، متعللين بوصول الأتوبيس.

كان كلما اقترب من أحدهم بالصحيفة، يشيح عنـه بوجهه، وكأنـه وبـاء يبتعد عنـه!

صرخ فيهم: 

- لماذا تبتعدون عنى، أليس ما كتبته هذا من أجلكم؟

همس أحدهم فى أذنه:

- عندنا أفواه تريد أن تأكل. 

عندمــا جلس فى مكتبــه بالشركــة، تنــاول ورقـــة، وراح يخط بقلمــــه 

سأله أحد الزملاء:

- هل ستكتب شيئًا جديدًا؟

- نعم.

كان رئيس مجلس الإدارة يتفقـد المكاتب، ويتابـع سير العمــل فى الشركة بصحبـة الحاشية، عندمــا وقعت عيناه عليـــه، وهـــو يجلس منكبًا على الأوراق، منهمكًا فى الكتابة، رمقه بنظرة حادة وقال بسخرية:

- هذه الأوراق تحضـرها الشركة من أجل أغراضها، أما أغراضك فأحضر لهـا أوراقك.

عندما تنبـه الزملاء لرئيس مجلس الإدارة يقف على باب المكتب، تسللـوا واحـدًا تلو الآخر، وفـروا من حوله كما يفرون من خطر يحدق بهم، بينما عيونهم تختلس النظـر لمـا يخطّه قلمه على الورق، وكان الخط واضحًــا للناظرين... «مثلما خلق الله لك فمًا، خلق لغيرك أفواهًا، فلا تفتح عليك بابًا تدخل منه الريح، من أجل أفواه لا تنفتح إلا من أجـل الأكل»!.