رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إكسبو دبى 2020 «1-5»

 

لدىّ مشاريع سفر كثيرة، بلاد تمنيت زيارتها: فرنسا، إيطاليا، اليونان، العراق، السعودية «لأداء مناسك الحج»، وبلاد لم تكن فى حسبانى، ولكنى زرتها لظروف العمل مثل «سلطنة عمان» حيث سجلت فيها عدة حلقات من برنامج «نسمات عربية» الذى كان يذاع على القناة العالمية لشبكة راديو وتليفزيون العرب عام ٢٠٠٦، وبلاد زرتها لوجودها ضمن برنامج الرحلات الصيفية لمدرسة ابنتى مثل: هولندا وسويسرا، وما زالت هناك بلاد عديدة أتمنى أن يسعفنى الوقت والجهد لزيارتها. 

وأنا الآن فى دبى.. أكتب من فندق «كورال الديرة»، على بعد كيلومترات قليلة من مطار دبى، أقضى أسبوعًا فى مدينة لم تكن يومًا جزءًا من وجدانى، ولم يكن لدىّ أى مبرر ذهنى لزيارتها، وكان هذا الرأى محل استنكار أصدقائى من الكتّاب والإعلاميين، فدبى هى القِبلة وهى البوصلة الآن فى العالم العربى والشرق الأوسط، وهى مدينة الأرقام القياسية والإنجازات فائقة السرعة: أطول برج فى العالم، أطول واجهة مضاءة فى العالم، أطول برج لولبى فى العالم، أضخم وأغلى فندق فى العالم، أكبر عجلة دوارة فى العالم، أكبر نافورة مياه فى العالم، أعمق حوض للغطس فى العالم. 

لكننى سيدة لا تستهوينى الأرقام القياسية، وأشعر بحجاب بينى وبين الأشياء المتكلفة، تحجب ضخامة الأشياء عنى تفاصيلها الصغيرة، لا أستطيع التقاط رائحة وأنفاس ولمسات البشر فى خضم الأسرع والأكبر والأضخم.. تُجسِّد لى هذه التجارب معاناة آخرين، بشر جاءوا من كل بقاع الأرض، دفعهم الفقر فى بلادهم لهجر أوطانهم، والقدوم للمدينة العالمية بحثًا عن لقمة العيش، يبذلون طاقتهم البدنية مقابل دراهم أو دولارات، فيبنون فنادق وجسورًا وجزرًا صناعية وناطحات سحاب، ومبانى لم ولن يستطيعوا أن يقطنوها، ويختزنون طاقتهم الروحية لبيوت صغيرة يريدون بناءها هناك فى أوطانهم، ويطلبون من الآباء والأمهات أن يوقدوا لهم شمعة فى ضريح أو معبد كى يعودوا سالمين.. هى مهمة.. مهام تنجز، ينجزها جسد بشرى أو إنسان آلى، أو ذكاء اصطناعى، أو.. أو.. لا يهم، المهم السرعة والضخامة، لا خصوصية، ولا حميمية، ولا دفء أصابع تلمس الحجارة بمحبة وشغف فيتفجر منها الماء. 

صفاء أنت تبالغين.. وماذا عن الحضارة الفرعونية التى تفخرين بها؟ ماذا عن معابد الكرنك، أبوسمبل، الأقصر؟ ماذا عن سور الصين العظيم؟ البانثيون؟ المعابد اليونانية؟ هذه المعابد العظيمة بنتها أيادٍ تقربًا لآلهة يقدسونها، ففيها مزيج من التقوى والإيمان والرهبة والخشية، بنتها أرواح تتعلق بالسماء، تؤكد لهم أن هناك إلهًا موجودًا وعادلًا وحكيمًا.. هذا اليقين الذى يخفف عن المقهورين والمظلومين كدر الحياة وقسوة الأيام، يشيدونها حجرًا فوق حجر، ويرتفعون فى بنائها للارتقاء لإله يثقون أنه سينصفهم حين يلتقون به فى العالم الآخر، وسيقتص لهم ممن ظلمهم فى الحياة الدنيا. 

لم تبهرنى الأرقام القياسية، ولم يحرك شغفى كل ما أقرأ عن حداثة المدينة.. شىء واحد جذبنى، إعلان شاهدته منذ عام ونصف العام بالصدفة على «يوتيوب» عن معرض إكسبو ٢٠٢٠، كنت أشاهد تقريرًا أمريكيًا عن أفضل الأفلام فى تاريخ السينما من حيث التصوير والمؤثرات البصرية، وفجأة قطع الفيديو إعلان بدا كأنه امتداد لهذا العالم الساحر من حركات الكاميرا وتنوع أحجام اللقطات والمؤثرات البصرية، مع التنوع والثراء اللونى، امتزاج الموسيقى مع الحركات والأضواء.. دخلت عالم الخيال، العالم المتأرجح بين الحقيقة والأسطورة، الإيقاعات المتوهجة بالمغامرة، الألوان التى تمتص أنفاسك المتصاعدة وتعيدها مضمخة بالبهجة والفرح.. أعدت مشاهدة الإعلان وأنا أبتسم، وانحفرت فى تلافيف عقلى عبارة «سأزور هذا المعرض».. وبعدها أدركت أن علىّ تكملة العبارة، فكانت: «سأزور معرض إكسبو دبى ٢٠٢٠»، وبرقت دبى للمرة الأولى فى خاطرى، وقد كان، وها أنا أكتب لكم من وعن دبى وإكسبو ٢٠٢٠.

ما زالت الرحلة فى بدايتها وللحديث بقية.