رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المرأة ومكافحة الفساد

 

إن ظاهرة الفساد ظاهرة معقدة تشمل الاختلالات التى تمس الجانب الاقتصادى والأخلاقى والاجتماعى لأى دولة وتعوق عملية التنمية. وقد أصدرت الأمم المتحدة اتفاقية لمكافحة الفساد، وتم التوقيع عليها عام ٢٠٠٣ ودخلت حيز التنفيذ منذ ٢٠٠٥، ويحتفل العالم فى التاسع من ديسمبر من كل عام باليوم العالمى لمكافحة الفساد.

ويسلط هذا اليوم الضوء على حقوق الجميع ومسئولياتهم فى التصدى للفساد، بمن فيهم الدول، والمسئولون الحكوميون، والموظفون المدنيون، وموظفو إنفاذ القانون، وممثلو الإعلام، والقطاع الخاص، والمجتمع المدنى، والأوساط الأكاديمية، والجمهور، والشباب، ولكل شخص دور يضطلع به لمنع الفساد ومكافحته لتحقيق النزاهة والشفافية على جميع المستويات.

ولقد بدأت حملة اليوم العالمى لمكافحة الفساد مع بدايات شهر نوفمبر، واستمرت لمدة ٦ أسابيع، وعملت على تسليط الضوء على دور أصحاب المصلحة الرئيسيين والأفراد فى منع الفساد، ومكافحته، تماشيًا مع شعار هذا العام ٢٠٢١ وهو «احفظوا حقوقكم، واضطلعوا بأدواركم، وقولوا لا للفساد».

وتهمنى الإشارة إلى قول رئيس مجموعة الدول المناهضة للفساد فى مجلس أوروبا: «بينما تقابل الحكومات موجات متتالية من جائحة كورونا لا تزال مخاطر الفساد المرتبطة بالوباء قائمة، لاسيما فى قطاع الصحة وفى إجراءات الحكومات، وما زلنا فى حاجة إلى خطط لحماية المبلِّغين عن المخالفات الفعالة والمعروفة».

كما تهمنى الإشارة إلى قول رئيس الوزراء المصرى الدكتور مصطفى مدبولى فى افتتاح الدورة التاسعة للمؤتمر الدولى لمكافحة الفساد: «يشكل الفساد إحدى العقبات أمام تحقيق التنمية المستدامة، باعتباره ظاهرة متعددة الأبعاد تقوِّض النمو، وتعوق تحقيق جودة الحياة، وتؤدى إلى ارتفاع معدلات الفقر، وضعف الثقة فى المؤسسات العامة، وتؤثر سلبيًا على حقوق الإنسان».

ويهمنى أن أشير إلى أنه إذا كانت الدولة المصرية قد أطلقت الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد «٢٠١٤- ٢٠٢٢»، وأطلقت الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان «٢٠٢٢- ٢٠٢٦» فإن تحقيق الهدف المنشود من حقوق الإنسان الاقتصادية والسياسية والديمقراطية والثقافية مرتبط بالقضاء على جميع أشكال الفساد ومحاربته بالتشارك بين كل الأجهزة الرقابية المعنية ومنظمات المجتمع المدنى والمجالس المحلية المنتخبة ومجلسى النواب والشيوخ، ومرتبط بنشر ثقافة مجتمعية ترفض الفساد وترسخ قيم الشفافية والنزاهة.

ولقد شاركت بدعوة كريمة من الدكتورة سامية أبوالنصر، مساعد رئيس تحرير الأهرام، يوم الأربعاء الماضى ١٥ ديسمبر، فى ندوة بعنوان «المرأة ومكافحة الفساد» التى أقامها المنتدى الاستراتيجى للتنمية والسلام الاجتماعى، برئاسة الدكتور علاء رزق، فى مكتبة مصر العامة بالجيزة، وبحضور عدد كبير من الإعلاميين والصحفيين وممثلى منظمات المجتمع المدنى. 

ولقد أجمع المتحدثون من أكاديميين، واقتصاديين، ومستشارين بالهيئات الرقابية، على أهمية البحث عن أسباب انتشار الفساد ومعالجتها والقضاء عليها، حيث إن مصر احتلت فى التقرير السنوى ٢٠٢١ لمؤشر الفساد المركز ١١٧ من ١٨٠ دولة.

وأجمع الحضور على عدة توصيات منها:

مشاركة كل منظمات المجتمع المدنى من أحزاب ومنظمات وجمعيات أهلية ونوادٍ اجتماعية ومنتديات ثقافية مع مؤسسات الدولة المعنية للعمل معًا على مكافحة الفساد.

نشر ثقافة مجتمعية ترفض وتُجرِّم الفساد وتحث على إعادة منظومة القيم والأخلاق.

الاهتمام بزيادة الوعى بمخاطر الفساد وتكلفته وتثقيف الشباب والأطفال بشأن المبادئ الأساسية للنزاهة والمساءلة والمحاسبة.

اختيار الأكفأ والأجدر فى مواقع صنع القرار.

القضاء على التمييز على أساس الجنس أو الدين أو العقيدة أو المستوى الاجتماعى أو الإعاقة أو الحيز الجغرافى وتجريم التمييز وسرعة إنشاء مفوضية عدم التمييز.

مكافحة الفساد عن طريق ترسيخ دولة المساواة بين الجميع فى الحقوق والواجبات «تكافؤ الفرص»، ودولة سيادة القانون.

تنقية وتنقيح كل القوانين واللوائح والسياسات التى تحتوى على ثغرات تكون نتيجتها الفساد والإفساد وإهدار المال العام.

الشفافية وحرية تداول المعلومات أساس للقضاء على الفساد.

تبادل الخبرات بشأن مكافحة الفساد ومنعه من خلال تعزيز التعاون بين الدول، واسترداد الأصول المسروقة وإعادتها.

سرعة مناقشة وإصدار القوانين الخاصة بالمحليات وسرعة إجراء انتخابات المحليات لضمان الرقابة الشعبية، والمساءلة، والمحاسبة للأجهزة المحلية التنفيذية.

وضع تدابير لحماية فعالة للمبلِّغين عن المخالفات وحمايتهم من الانتقام.

تحقيق العدالة الاجتماعية وحد أدنى للأجور يكفى الاحتياجات الضرورية للمواطن ولأسرته للقضاء على انتشار الرشوة.

إن نجاح خطط الدولة فى التطوير والتحديث وتقدم ونهضة البلاد ونجاح التنمية المستدامة لا يمكن أن يتحقق إلا بالقضاء على الفساد السياسى والثقافى والإدارى والبيروقراطى والاقتصادى.

إن للمرأة دورًا كبيرًا فى مكافحة الفساد، عن طريق تربية النشء، بترسيخ قيم المساواة والمواطنة، والصدق والأمانة، وإعلاء قيمة العلم والعمل والشرف والنزاهة. كما إن للإعلام المرئى والمسموع والمقروء، وأيضًا الدراما، دورًا أساسيًا فى نشر ثقافة مكافحة الفساد بجميع أشكاله.

لقد أشارت الإحصاءات الخاصة بالأمم المتحدة إلى أنه كلما كانت المرأة فى مواقع صنع القرار كان المجتمع أقل فسادًا وأكثر تقدمًا ونموًا.