رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى ذكرى الإعلان العالمى لحقوق الإنسان

احتفل العالم يوم 10 ديسمبر بمرور 73 عاما على صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومن المؤسف أنه على الرغم من مرور كل هذه السنوات على صدور هذا الميثاق الدولي الراقي إلا أن حقوق الإنسان لا تزال منتهكة في بقاع كثيرة من العالم، فما أكثر المظلومين والمضطهدين في كوكبنا.
لقد خلق الله الإنسان- ذكراً وأنثى- في أجمل صورة، لذا فإن قيمة الإنسان غالية جداً لأنها مستمدة من الله مباشرة، كذلك فإن الإنسان وحده دون سائر الخلائق هو الذي يتمتع بإمكانية حضور الله في كيانه، لذلك فإن قيمة الإنسان لا ترتبط أبداً بحالته المادية أو بقدراته العقلية أو بجنسه أو بجنسيته أو بلونه أو عقيدته، فقيمته في الأساس تنبع من كونه مخلوقاً في أجمل صورة، وعلى الرغم من أهمية الكرامة الإنسانية التي حبا الله بها الإنسان، إلا أن الكرامة الإنسانية مهدرة بقوة على كوكبنا.

ولولا الإحساس بالظلم والآلام والأوجاع والبؤس والحرمان والعذاب والأمراض لما كانت هناك في العالم  أفكار عن حقوق الإنسان، والبداية لحقوق الإنسان كانت عند محطة الديمقراطية الأثينية، ثم في القرن الـ١٢ ظهرت الشرعة الأولى عام ١٢١٥ م «المجنا كارتا أو الشرعة العظمى»، وقد أصدرها الملك جون ابن الملك هنرى الثانى ملك إنجلترا، وعرفت بالعهد الأعظم، وهذا العهد هو رمز سيادة الدستور على الملك، وقد جاء فيها: "لن يقبض على رجل حر أو يسجن أو يشرد أو ينفى أو يقتل أو يحطم بأي وسيلة إلا بعد محاكمة قانونية من نظرائه أو طبقاً لقوانين البلاد، وكذلك لن نبيع رجلا أو ننكر وجوده أو نغمطه حقاً أو نظلمه"، وتحتوى المجنا كارتا على ٦٣ مادة، منها ما يتعلق بحريات دينية، ومنها ما ينص على حقوق وحريات سياسية ومدنية مختلفة للشعب الإنجليزي، خاصة ضمانات الحرية الشخصية دون تمييز بين الطبقات الاجتماعية وتأمين العدالة بواسطة قضاء مستقل ونزيه، ولإعطاء الفاعلية لهذه الوثيقة قررت المادة ٢٥ منها إنشاء هيئة مؤلفة من ٢٥ نبيلا عهد إليها مراقبة تنفيذ بنودها. 

ثم ظهرت مذكرة الإيباس كوريس، أي «إليك جسدك»، وصدرت في عام ١٦٧٩ في إنجلترا لتأكيد حماية الحرية الشخصية من تعسف الإدارة، وتتعلق الوثيقة أساساً بحقوق المتهـم وعدم اعتقاله بصورة تعسفية، وتضمنت أيضاً قواعد وأصول المحاكمة العادلة ومعاملة الموقوفين والسجناء خاصة ما يتعلق بالتوقيف الاحتياطي وقصر مدته إلى أدنى حد ممكن، كما أكدت المذكرة عقوبات شديدة بحق كل قاضٍ أو أي مسئول آخر يخالف أحكامه في إصدار أو تنفيذ أمر إحضار السجين، كما تضمنت المذكرة إلزام المخالف بتعويض لمصلحة السجين، ثم ظهر الإعلان الأمريكي للاستقلال عام ١٧٧٦ م، وقد صدر عقب استقلال المستعمرات الأمريكية الثلاثة عشر عن بريطانيا، وأكد الإعلان الحقوق الطبيعية والأساسية للإنسان ونص على أن "يولد جميع الناس أحرارا وقد وهبوا حقوقاً لا يعقل أن يتخلوا عنها، ومن بين هذه الحقوق الحق فى الحياة والحرية والبحث عن السعادة، ويجب على الحكومات القائمة أن تعمل على ضمان هذه الحقوق وأن تمد سلطانها العادل من رضا المحكومين، ومن حق الشعب إذا ما أخلّت الحكومة بهدف من هذه الأهداف أن يغيرها أو يلغيها ثم يقيم بدلا منها حكومة يضع أسسها على مبادئ وينظم سلطانها بالصيغة التي تحقق له الأمن والسعادة". 

وبعد ذلك قامت الثورة الفرنسية عام ١٧٨٩ م، وقد صدر عنها إعلان حقوق الإنسان والمواطن، وكان أهـم المبادئ التي تضمنها هذا الإعلان: «يولد الناس أحراراً ويظلون أحراراً متساويين في الحقوق، وحرية الرأي والتعبير، وحق المواطنين في إدارة بلادهـم، والتوازن بين حقوق الأفراد من جهة والمصلحة العامة من جهة أخرى»، ثم أُنشئت منظمة عصبة الأمم في عام ١٩١٧ م، وقد أنشئت هذه المنظمة بغرض الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وفي القرن التاسع عشر أخذت دساتير الدول تتضمن بشكل متزايد تصريحات عن الحقوق الأساسية، ولكن في حقيقة الأمر كانت النقلة الفعلية لتلك القواعد على الصعيد الدولي مع صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وويلاتها وما أصاب الإنسان في العالم كله من قتل وتشريد، وبعد خلاص العالم من الحركات النازية والفاشية وما ارتبط بها من اضطهاد وتعذيب وإهدار لآدمية الإنسان وتمزيق لوحدة الأسرة البشرية، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العاشر من ديسمبر سنة ١٩٤٨ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأعلنته، ودعت جميع الدول الأعضاء إلى نشر هذا الإعلان وتعميق معانيه ومفاهيمه في مختلف أوجه الأنشطة الإنسانية، وهذا الإعلان يعتبر هو البداية الحقيقية للشرعة الدولية بمفهومها الحديث.

والإعلان العالمي لحقوق الإنسان يعتبر وثيقة إنسانية رائعة لأنه في مجمله يدعو إلى قيم المساواة والحرية والرحمة والحب، كذلك فإننا نجد الإعلان العالمي يرفض كل أشكال التمييز بين البشر، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو الدين أو اللغة، كما أعطى الإعلان لكل فرد الحق في الحياة وحرية الفكر والضمير والإبداع والاعتقاد وسلامة شخصه دون أية تفرقة مطلقا بين الرجال والنساء, وعلى الرغم من أن كرامة الإنسان مهدرة بقوة ووضوح لا تخطئه العين في منطقتنا العربية إلا إننا نثور ونغضب عند ازدراء الأديان ولا يتحرك لنا ساكن عند ازدراء  الإنسان!!