رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هذا ما فعله العواجيز الانتهازيون بنادى القصة!

في حواره مع صحيفة «الأهرام»، ملحق الجمعة عدد ٥ نوفمبر الحالي، وصف 
الناقد الكبير د. محمد حسن عبدالله المسئولين عن نوادي القصة بأنهم مجموعة من الانتهازيين..!
وساق مثلا بنادي القصة الأم.. أعني هذا الذي أسسه في مطلع الخمسينيات العظماء إحسان عبدالقدوس.. يوسف السباعي.. طه حسين.. توفيق الحكيم.. محمود تيمور.. نجيب محفوظ.. وغيرهم.
وقال نصًا: "عندما عدت إلى مصر- يقصد من الكويت- زرت نادي القصة، فوجدت النادي في حالة يرثى لها، يقوم على شئونه ٤ كتّاب من الدرجة الثالثة أو الرابعة، حصل بعضهم على جائزة الدولة التقديرية".

أستاذنا د. محمد حسن عبدالله أشار في حديثه إلى أنه شعر بالغيرة على النادي، فعرض على رئيسه الكاتب الكبير ثروت أباظة أن يترك له أمر رئاسته.. لكنه رفض!!
هذا الذي يقوله أستاذنا د. محمد حسن عبدالله يثير العديد من التساؤلات الموجعة عن أحوالنا الثقافية.. منها:
- كيف يبند كتّاب حصلوا على إحدى أهم جوائز الدولة في خانة الدرجة الثالثة أو الرابعة؟!
إن كانت كتاباتهم النقدية والإبداعية بهذا التدني.. فهذا يعني أن ثمة خللا هائلا في منظومة  الجوائز الأهم التي تمنحها الدولة المصرية للمبدعين والمفكرين.. حيث يقتنص تلك الجوائز من لا يستحقونها.. وتُمنح لأسباب ليس بينها محك الجودة!

- وطالما هذا حال منظومة جوائز الدولة، أن مقتنصيها ليسوا جديرين بها.. ففي هذه الحالة ينبغي على الكبار أن ينأوا بأنفسهم عنها.. ولا يسعون لجوائز سيئة السمعة.. يقينا لهثهم للحصول عليها انتقاص من مكانتهم كمبدعين ومفكرين!
وعلى قدر علمي سبق وأن  تقدم د. محمد حسن عبدالله للتقديرية.. وأراه جديرا بها إن كانت تمنح طبقا لمحك الجودة.. لكن هناك من مترس الطريق بينه وبينها..!
وهذا أحد أوجه العوار التي يعاني منها المشهد المصري..
فإن كان ثمة اختلالات.. كما هو الحال في منظومة جوائز رفيعة يراها د. محمد حسن عبدالله  تُمنح لكتّاب درجة ثالثة ورابعة!.. فلماذا لا يتصدى كبار مثقفينا لهذا العوار؟.. لا يحدث هذا.. إنما نراهم للأسف ينزلقون في مستنقعاته.. ويكابدون لاقتناص ما يمكن اقتناصه..
كما حدث من أحدهم حين أشاع منذ عدة أعوام أنه يعاني من ورم خبيث.. وعلى طريقة "لا تلحقوا يا متلحقوش".. كل هذا ليحصل على  كبرى جوائز الدولة.. ونجحت خطته..!!

- وفي الحقيقة كبرى الجوائز في مصر ليست جائزة النيل، بل القارئ.. كثير من كتّاب العالم شيدوا مكانتهم ليس بجائزة نوبل أو غيرها من الجوائز، بل بترقب عشرات الملايين من القراء لخطوط إنتاجهم.. تولستوي .. ألبرتو مورافيا.. باولو كويلو.. ديستويفسكي.. كثر شيدت لهم التماثيل في الوجدان الجمعي العالمي.. ليس لأنهم حصلوا على نوبل، بل على سيدة الجوائز.. القارئ.
تلك الجائزة اختفت في مصر.. مع تحول وزارة التعليم من وزارة للمعارف إلى وزارة للتلقين.. منظومة تعليمية اختزلت أبناءنا في مجرد ذاكرة تحشر بالمعلومات التي يتقيأها الطالب في ورقة الإجابة في امتحانات آخر العام.. لتتصحر ملكة التذوق بداخله.. لتهمد شهوة المعرفة تحت فروة الرأس.. فكف عن الدهشة.. عن طرح الأسئلة.. عن اللهث بين الكتب وغير الكتب للتنقيب عن إجابة لها..
وتتفاقم المحنة مع هبوب أعاصير سلفية البترودولار من شرق البحر الأحمر.. وشعارها: سمعا وطاعة..!!
فويله من يسأل ويناقش..
ومنذ عدة شهور ضبطني جاري- شيخ زاوية قريبة من بيتي- أقرأ كتابا لبرنارد لويس "أزمة الإسلام".. فحذرني ألا أقرأ سوى القرآن.. جاري هذا كان داعيا في دولة خليجية سافر إلى العديد من دول العالم للدعوة إلى الإسلام "الصحيح"!

محنة كفيلة بمترسة الطريق أمام أي أمة نحو تقدمها.. ازدهارها.. تلك المحنة- انقراض القارئ- إن غابت أخطارها عن عموم الشعب.. حتى عن سياسييه، لاينبغي أن تغيب عن مثقفيه..
ألا يردد مثقفونا أن المثقف ضمير أمته؟!
نعم .. هذا ما يرددونه فوق المنصات.. وفي كتاباتهم.. 
ودوما أضيف: ورأس حكمتها..
والآن أزيد: ومجهرها الذي لا يغيب عنه أي خلل في جينومها..

والعزوف عن القراءة ليس مجرد زكام أو حكة جلدية أو زائدة دودية أصابت المصريين.. بل بلا أدنى مبالغة.. هي ورم خبيث قاتل..
وكان على مثقفينا أن ينتبهوا.. ويناضلوا كي تستعر شهوة المعرفة تحت جلد كل مصري.. كي تستعيد ملكة التذوق رهافتها..
لكنهم- الكثير من مثقفينا.. ضمير الأمة ومجهرها ورأس حكمتها- تجاهلوا كل العوار.. بل ويتهافتون على "لحسة" من تقيحاته.. جائزة.. رئاسة مؤتمر.. منصب.. سفرية.. نشر كتاب لن يجد من يترقبه أمام منافذ البيع بضعة عشرات.. إلا إذا كان مؤلفه أستاذ جامعة فيختلق وسائل تجبر طلابه على شرائه!!
"بالطبع لا أعني أستاذي د. محمد حسن عبدالله بحديثي هذا.. بل فقط ما نشره في الأهرام هو الذي ساقني إلى بعض من أوجه العوار في مشهدنا الثقافي.. والتي كان ينبغي على كبار مثقفينا التصدي لمعالجتها".

- وعودة إلى حديثه عن انهيار نادي القصة.. ألأن القائمين على شأنه كتّاب درجة ثالثة ورابعة كما يرى أستاذنا الكبير، فهل هذا سبب انهيار النادي؟!! وهل القيادة الناجحة لأي منتدى ثقافي في حاجة إلى كاتب درجة أولى لتحقيق النجاح لهذا المنتدى؟!
كان توفيق الحكيم رئيسا لدار الكتب.. فهل كان عهده أزهى عهود الدار؟!
وكما نرى.. نقيب الممثلين هو د. أشرف زكي.. وليس عادل إمام.. فهل تعاني النقابة من الفشل تحت قيادته؟!
وما كان محمد عبدالوهاب أو أم كلثوم أو عبدالحليم حافظ نقيبا للمهن الموسيقية.. بل آخرين.. ربما درجة خامسة.. فهل سقطت النقابة في مستنقع الفشل؟!

- ولا أدري.. هل يتابع أستاذي د. محمد حسن عبدالله أحوال نادي القصة؟
محنة هائلة ألمّت بالنادي منذ عامين.. أنيميا حادة في الموارد.. تهديد من قبل مُلاك مقره التاريخي بإلقاء النادي في الشارع..
وقد حصل بالفعل المُلاك على حكم بإخلاء النادي في ١١ يناير الماضي..
أحد المثقفين- عبر تعليق له على «فيسبوك»- أرجع أسباب المحنة إلى أن مجلس إدارة النادي يضم مجموعة من الفشلة..
ومنذ عدة سنوات قال ناقد كبير في مقال له إن أصغر عضو في مجلس إدارة نادي القصة  يتجاوز الخامسة والستين من عمره..!!
هؤلاء الكتاب.. العواجيز..الفشلة.. الذين تم تبنيدهم من قبل كاتبنا الكبير د. محمد حسن عبدالله في خانة الدرجة الرابعة.. تمكنوا من انتشال النادي من محنته.. طرقوا كل الأبواب.. ومن بين كبار المسئولين ممن طرقوا أبوابهم من يعون جيدا ماذا يعني نادي القصة في المشهد الثقافي المصري والعربي.. فمدوا أيديهم لانتشال النادي من محنته.. 
ولا يمكن في هذا الشأن إغفال دور مثقفين يدركون معنى أن يكون المرء مثقفا.. المثقف الدور محمد سلماوي الذي تبرع أكثر من مرة لانتشال النادي من محنته المادية.. مثله الكاتب الصحفي محمد الباز.. مثلهما الروائي كمال رحيم.. مثلهم الكاتبة سمية زكريا المقيمة في أمريكا.. أيضا الروائية وعضوة مجلس النواب ضحى عاصي.. هؤلاء كانوا وراء ليس فقط 
تمكين النادي من التنفس في غرفة الإنعاش، إنما في الهواء الطلق.. في فضاءات مصر الثقافية..
وبفضل هذا التعاون يسعى النادي الآن إلى استعادة عنفوان حضوره في المشهد الثقافي..

ولا يمكن أن تبرح الذاكرة تفاصيل تلك الليلة التي تم خلالها نقل أثاث النادي من مقره العريق بشارع قصر العيني، إلى مقره الجديد بشارع فيصل.. كان من بين عواجيز مجلس الإدارة من شاركوا العمال في عملية النقل الشاقة.. تلك المهمة التي استمرت من الساعة الحادية عشرة مساء وحتى الرابعة والنصف فجرا..تصدى لها عواجيز النادي بعزم.. حيث كان وجودهم حتميا للحفاظ على مقتنيات النادي الأثرية من التعرض لأي ضرر.

وقبل عملية النقل هذه.. أمضى هؤلاء العواجيز أكثر من ثلاثة أشهر يلهثون بين أحياء القاهرة بحثا عن مقر بديل ملائم.. ويتناسب إيجاره مع إمكانيات النادي..

- نعم.. ثمة أخطاء اعترت مسيرة النادي خلال العقدين الأخيرين.. وهى تقوقع النادي في مقره.. وانزواؤه بعيدا عن فضاءات المشهد الثقافي.. 
الآن أدرك عواجيز النادي خطأهم.. ويسعون إلى الخروج بنشاط النادي إلى كل مكان..
الجامعات.. مراكز الشباب..
المنتديات الثقافية..
هذا لا يعني تشبثهم بموقعهم..
ثمة عملية توفيق أوضاع للنادي الآن طبقا لتعليمات وزارة التضامن ..
عملية توفيق الأوضاع هذه ستنتهي بانتخابات لاختيار مجلس إدارة جديد..
وليتهم.. شباب الحكي، مبدعين ونقادا، يخوضون تلك المعركة.. وأن يكون هدفهم من خلال وجودهم في مجلس الإدارة الارتقاء بالنادي.. وضخ فكر جديد..
ولا يزنزن أي منهم غايته في مجرد اقتناص كرسي بقاعة مجلس إدارة النادي العريق.. إضافة يظنها مهمة للسي في.. فقط.. لتكون دبوسًا ذهبيًا في ربطة عنقه!!!!