رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حفرة صاحب نوبل للسلام!

.. وبعد يوم من إعلانه حالة الطوارئ، تعهّد أبى أحمد، رئيس الوزراء الإثيوبى، أمس الأول الأربعاء، بدفن خصومه. وقال، فى كلمة ألقاها، بمناسبة مرور سنة على بدء عدوانه على إقليم تيجراى، إن الحفرة التى أعدها لدفنهم «عميقة جدًا». وعليه، نتمنى ألا يقع جيفرى فيلتمان، المبعوث الأمريكى للقرن الإفريقى، الذى وصل أمس الخميس إلى أديس أبابا، فى تلك الحفرة، بعد أن أوقع «أبى أحمد» مَن منحوه جائزة نوبل لـ«السلام» فى حفرة أعمق منها.

سيناريو ١٩٩١ يتكرر، تقريبًا، ومهما اختلفت التفاصيل، فإن نهاية السيناريو الجارى، ستكون متطابقة: الإطاحة بالحكومة الإثيوبية، أو بالمجموعة العميلة الحاكمة، التى يتزعمها الحاصل على تلك الجائزة، التى كان الهدف منها هو تكريم مَن يسهمون فى إرساء السلام والاستقرار فى أوطانهم، أو حول العالم، ثم ذهبت إلى إرهابيين وسفاحين من عينة مناحم بيجين، رئيس الوزراء الإسرائيلى، الذى قام سنة ١٩٨٢ بغزو لبنان، والرئيس الأمريكى باراك أوباما، الذى ضربت قوات بلاده، خلال السنة الأخيرة فقط من فترتى حكمه، سبع دول بـ٢٦ ألف قنبلة، أى بمعدل ثلاث قنابل فى الساعة، و... و... ولأسباب يمكنك استنتاجها، ذهبت الجائزة نفسها إلى أمثال شيمون بيريز، إسحاق رابين، ميخائيل جورباتشوف، محمد البرادعى وتوكل كرمان.

حصل سفاح إثيوبيا على الجائزة، التى صارت سيئة السمعة، عن جهوده المزعومة «لحسم النزاع الحدودى مع إريتريا المجاورة»، ثم اتضح أنه لم يتفق مع الرئيس الإريترى أسياس أفورقى على دفن الجثث الإثيوبية القديمة، إلا ليتشاركا فى قتل غيرها. إذ لم ينتج عن توقيع اتفاق السلام والمصالحة وتطبيع العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الطرفين، لا البلدين، بعد قطيعة استمرت عشرين عامًا، إلا تحالفهما فى العدوان على إقليم تيجراى، الذى أودى بحياة الآلاف، وشرّد الملايين وعرّض نحو ٤٠٠ ألف شخص لخطر المجاعة. وصولًا إلى انقلاب السحر على الساحر، واقتراب الحافر من الوقوع فى الحفرة، التى قال المثل إن مَن حفرها لأخيه وقع فيها.

تحرير إثيوبيا، بات وشيكًا، ومن المتوقع أن تنضم مجموعات وقوى أخرى إلى التحالف، الذى يضم الآن «الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى» و«جيش تحرير أورومو»، قبل ساعة الحسم، التى تقترب وتترقبها الولايات المتحدة، وجعلتها تسحب موظفيها، غير الأساسيين، من سفارتها فى أديس أبابا، أمس الخميس، بعد أن حذّرت مواطنيها، مساء الثلاثاء، من السفر إلى إثيوبيا، ودعت رعاياها هناك إلى الاستعداد للمغادرة فى ظل ما وصفته بتدهور الوضع الأمنى.

الولايات المتحدة حذّرت، فى بيانات خارجيتها، وبلسان مبعوثها للقرن الإفريقى، «الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى» من التقدم نحو أديس أبابا أو محاصرتها، وجددت دعوة «كافة الأطراف المشاركة فى الصراع»، إلى وقف العمليات العسكرية، وبدء حوار من أجل وقف إطلاق النار، تحت رعايتها. لكن ليس بعيدًا، أو مستبعدًا، أن تكون قد عملت، بشكل أو بآخر، على إشعال الاضطرابات فى الداخل الإثيوبى، حتى تعرقل التمدد الصينى، الذى ربما كان سببه، أو أحد أسبابه، محاولة الطبقة الإثيوبية الحاكمة تحصين نفسها من مخطط أمريكى محتمل للإطاحة بها. 

التاريخ يقول إن الولايات المتحدة كانت تعلن، أيضًا، عن معارضتها لاجتياح العاصمة الإثيوبية، سنة ١٩٩١، وكانت ترعى مفاوضات الساعات الأخيرة، التى انتهت بتحرير إثيوبيا، دون مقاومة، وفرار سفاحها الأسبق منجستو هايلى مريام، إلى زيمبابوى، ليظل حتى وفاته أواخر ٢٠١٤، يتجرع الذل والمهانة، بدلًا من الزجاجات المملوءة بالدماء، التى كان يتلذذ بتعبئتها، أو شربها، كتلك التى قام بتكسيرها، فى خطاب له سنة ١٩٧٩، على اسمى مصر والسعودية.

.. وتبقى الإشارة إلى أن أول من جعل «الحمامة» رمزًا للسلام، كان الرئيس الأمريكى الثامن والعشرين، وودرو ويلسون، الحاصل على جائزة نوبل، سنة ١٩١٩، وبعدها بـ٣٠ سنة تقريبًا، كتب يوسف جوهر فيلم «حمامة السلام»، الذى أخرجه حلمى رفلة وتقاسم بطولته كمال الشناوى وشادية، والذى نتمنى أن تسمح «الحكومة الإثيوبية الجديدة» لأبى أحمد ووزرائه بمشاهدته فى سجنهم حال عدم تمكنهم من الفرار أو الخروج من الحفرة العميقة.. العميقة جدًا!.