رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النصيحة

أسامة ريان
أسامة ريان

 يجلس على مقعده فى منتصف الطرقة المؤدية إلى الحمام، أشعة شمس غاربة تميل للاحمرار تتسلل عبر زجاج شرفة غرفته لتغمر كتبه فى المكتبة التى تكسو الجدران، مررتُ به أحمل جهاز الكمبيوتر النقال وشاشته مفتوحة مضيئة، تبادلنا النظرات، هممتُ بالحديث معه عن آخر ما كتبتُ، قاطعنى بنبرة صوت غريبة آتية من بعيد، ونظرة صارمة ولهجة قاطعة: «إطبعها على ورق، لن أقرأ على شاشات هذه الأجهزة».. توقفتُ برهة، أكملَ بصوته الغريب يملأ المكان: «مقالتك الأسبوع الماضى ناقصة، غير موثقة، ممكن واحد من القراء يسألك عن دليلك على نقل تراث مصرى إلى كتب من تأليف أرسطو، وطبعًا المقالة الجديدة على جهازك هى استكمال لرؤيتك لكيفية انتقال التراث المصرى بنعومة عبر تاريخ البحر المتوسط كما ورد فى أبحاث المؤرخين، قدامى ومحدثين، فى كتب مثل أثينا السوداء والتراث المسروق».

غمغمتُ: «لكن يلزم فى البداية إثارة دهشة القارئ واهتمامه بالقضية، ويأتى بعد ذلك التوثيق، فربما يبحث القارئ بنفسه عن أدلة».

ذهب صوته وتابعتُ طريقى إلى غرفتى، أضع الجهاز على المائدة، نظرتُ إلى الطابعة المعطلة مستقرة فى مكانها.. أفكر فيما قاله، مندهشًا، كيف يعرف ما كتبته ولم أطلع أحدًا عليه بعد؟!.

استيقظتُ بينما أدبر موعدًا لإصلاح الطابعة لأجله، هببتُ جالسًا، تلفتُ حولى، أملتُ رأسى لأطل عبر باب غرفتى.. مقعده شاغر، لا أحد يجلس هناك- أخبرنى الفيسبوك صباح أمس بمرور خمس سنوات على رحيله، وتصر أمى على الاحتفاظ بهذا المقعد فى مكانه، تقول: «كان يجلس عليه المرحوم.. يؤنسنى فى شغل البيت».