رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خبير اقتصادي: رومانيا الأكثر استفادة من الدعم الأوروبي

جريدة الدستور

أثنى خبير اقتصادي بارز، بالنمو اللافت للأنظار الذي حققه الاقتصاد الروماني خلال عام أزمة جائحة كورونا الماضي مدعوما بالانتعاش غير المتوقع للقطاع الزراعي، وازدياد الاستهلاك الخاص، وارتفاع مستويات الإنفاق الاستثماري المستدامة.

 وتوقع أن تصبح رومانيا من أكثر الدول المستفيدة من الدعم الأوروبي، غير أنه حذر متخذي القرار في البلاد من أن مسيرة النمو تشرع حالياً في الانحسار نسبيًا، مطالبًا بضرورة توفير محفزات جديدة تقود عملية النمو في قطاعات مختلفة، خصوصًا مع قرب دخول البلاد ذروة الموجة الرابعة لجائحة كورونا.
وقال كبير الخبراء الاقتصاديين في "أكاديمية دراسة الاقتصاد في بوخارست" ING، فالينتين تاتارو، إن وتيرة التعافي السريعة التي حققها الاقتصاد الروماني هدأت مع اقتراب نهاية العام ودخول البلاد ذروة الموجة الرابعة لوباء "كوفيد-19"، مبيناً أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي المقدر مع نهاية العام الجاري البالغة 5ر7 في المائة يتوقع تباطؤها لتصل إلى 5 في المائة في العام المقبل 2022.
وأشارت وكالة أنباء "البلطيق" في تقرير لها، إلى أنه رغم توقعات تاتارو بتحسن عدد من المؤشرات الكلية كالتضخم الذي يقدر انخفاضه من 5.5 في المائة العام الحالي إلى 3.3 في المائة في العام المقبل 2022، واستقرار العملة المحلية الليو (الرون) أمام اليورو، الذي يستقر سعر صرفه عند 4.95 ليو روماني خلال العامين الحالي والمقبل، فضلاً عن توقع انخفاض عجز الموازنة من 6.5 في المائة إلى 5.3 في العام المقبل، فإنه يبدي تخوفه من مخاطر حدوث ارتفاعات مفاجئة في التضخم وتأثيراتها على قيمة العملة المحلية، إلى جانب مخاوف الضعف النسبي في أداء القطاع الصناعي جراء تراجع الطلبات وارتفاع حجم المخزونات.
وتطرق خبير الاقتصاد تاتارو إلى نقاط القوة التي ميزت أداء الاقتصاد الروماني خلال العام الجاري والتي هيأته لتحقيق معدلات نمو فاقت كل التصورات، مرتفعاً بنسبة 6.6 في المائة في النصف الأول من العام الجاري 2021 وهو ما زاد على مستويات ما قبل جائحة كورونا، وعزى ذلك إلى الحافز التقليدي الذي يساند الاقتصاد بقوة متمثلاً في الاستهلاك الخاص الذي تقدم بنسبة 6 في المائة في النصف الأول من العام الجاري، مدعوما بقوة دفع أخرى كان لها أثر فعال في زيادة النمو متمثلة في أنشطة الاستثمار الثابتة، التي حافظت على نمو مؤلف من خانتين إذ قفز بنسبة 12 في المائة في النصف الأول من العام الجاري، وهو ما أرجعه إلى الدعم القوي من الاستثمار العام.
وأفادت "وكالة أنباء البلطيق"، المتخصصة في شؤون وسط آسيا وشرق أوروبا، بأن تاتارو شدد في تقييمه لأداء الاقتصاد الروماني على أن الاستثمار سيبقى محرك النمو المحوري خلال السنوات المقبل، كما أن رومانيا ستصبح من أكثر البلدان المستفيدة من تمويلات الاتحاد الأوروبي عبر برنامج "الجيل التالي للاتحاد الأوروبي" و"إطار العمل المالي المتعدد السنوات" الكلاسيكي المعروف، والذي تصل تمويلاتهما معاً إلى ما يقرب من 78 مليار يورو، ولفت إلى أنه في حال بلغ معدل الانتفاع منها مستويات مرضية، فإن الاقتصاد سيتمكن من التقدم نسبياً بأعلى من المقدر له في العامين المقبلين، متوقعا أن يصل النمو ما بين 4.5 و5 في المائة.
ويتحدث الخبير الاقتصادي الروماني المخضرم تاتارو عن أهم المخاطر التي تهدد سيناريوهات النمو السابقة والتي تتمثل في أوضاع وباء كوفيد- 19 في البلاد، محذراً من حقيقة تسجيل رومانيا لثاني أقل معدل تطعيم بلقاحات كورونا على مستوى الاتحاد الأوروبي بمستوى حوالي 30 في المائة من أعداد المواطنين الرومانيين، معتبراً أن ذلك يجعلها عرضة لموجة جديدة من الإصابات، ولاسيما في ضوء توقعات السلطات الرومانية أن تدخل البلاد في ذروة الموجة الرابعة للوباء في منتصف أكتوبر الجاري.
وأشاد بأداء قطاع مبيعات التجزئة في الاقتصاد الروماني الذي اعتبره من أكثر القطاعات مرونة وقدرة على التكيف والنمو في ظل الجائحة، ولاسيما أنه شكَّل ما يقرب من نصف الناتج المحلي الإجمالي خلال النصف الأول من العام الجاري، مدعوماً بالاستهلاك الخاص. وقال إن المجموعات الفرعية لمبيعات التجزئة حققت تقدما ملحوظا خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، إذ قفزت المبيعات غير الغذائية بنسبة 6ر18 في المائة عن مستواها في الفترة المماثلة من العام الماضي، وتلاها مجموعة الوقود التي ارتفعت بنسبة 6ر11 في المائة، ومجموعة السلع الغذائية الأقل قابلية للتلف بنسبة 5ر3 في المائة.
وانتقل الخبير تاتارو بتقييمه للأداء الاقتصادي لبلاده إلى الميزان التجاري مبرزا أن عجزه لا يزال يشهد اتساعاً بأكثر من 28 في المائة خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري 2021 مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، مسجلاً رقما كبيراً 9ر12 مليار يورو، بما يقرب من 5ر5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعد أعلى عجز تجاري سنوي خلال سبعة أشهر تسجله البلاد منذ عام 2008. وأبدى تفهمه للأسباب التي دفعت إلى مثل هذا الاتساع في عجز الميزان التجاري، مرحباً بمساعي الدولة لوقف التدهور والاختلالات التي أصابت الأغذية والوقود أثناء جائحة كورونا.
وعلى الجانب الآخر فقد انكمش فائض قطاع السيارات إلى 354 مليون يورو خلال الفترة من يناير إلى يوليو 2021، وهو أقل فائض يحققه قطاع السيارات الروماني خلال السنوات العشر الأخيرة، معرباً عن انزعاجه الشديد من تلك النتيجة، إذ أن تلك الشريحة من السلع كانت تتمتع بتأثير إيجابي ومستمر على الميزان التجاري.
وعلى صعيد الوضع التمويلي للبلاد، أشار الخبير الاقتصادي إلى أنه بعد قرار مؤسسة "ستاندرد أند بورز" في أبريل 2021 لتحسين آفاق الوضع الائتماني لرومانيا من سلبي إلى مستقر، فإن فرص الحفاظ على معدلات تقييم استثمارية صلبة خلال المستقبل المنظور. ورغم أن السياق السياسي قد يعقد من المشهد، على حد قوله، ولاسيما في ضوء انهيار الائتلاف الحاكم في البلاد، إثر انسحاب حزب الوسط التقدمي الروماني "يو إس آر – بلاس". لكنه يستدرك بأن الائتلاف الحاكم سيتم الحفاظ عليه، ولن يتضرر تقييم البلاد، ورغم ذلك أكد أن مخاطر إطالة أمد الأزمة السياسية في البلاد لا يمكن تجاهلها.
ولفت إلى أن مثل تلك المخاطر قد تضر بعملية التعزيز المالي التي انطلقت بصعوبة بعد أن طال انتظارها، مشيراً إلى أنها عملية تخضع لـ"تدبير العجز الزائد" التابع للاتحاد الأوروبي EDP، الذي يفرض على رومانيا تطبيق معايير مالية لخفض عجز الموازنة إلى أقل من 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات المقبلة. وعلى الرغم من أن هذا التدبير لم يصمم لهذا الغرض، بيد أن المستثمرين ووكالات التقييم الدولية تنظر إليه باعتباره سياسة محورية مهمة.
أما بالنسبة للتضخم، فيرى الاقتصادي الروماني أنه مع اقتراب معدلات التضخم من مستوى 6 في المائة، فإن مصرفين مركزيين في المنطقة على الأقل يعملان وفق سياسات متشددة (جمهورية التشيك المجر)، لذا فإن البنك المركزي الروماني سيعاني فترة عصيبة في التعامل مع تلك المعطيات. وتوقع تاتارو أن يلجأ البنك المركزي الروماني زيادة معدل الفائدة الرئيسية (المحددة حالياً بـ25ر1 في المائة) في وقت لاحق العام الجاري، لتصل إلى 2 في المائة مع نهاية الربع الأول من العام المقبل 2022. ومن وجهة نظره فإن توقيت رفع معدلات رفع أسعار الفائدة سيتأثر بقوة بسلوك بقية البنوك المركزية الإقليمية، خصوصاً البنك المركزي البولندي.
ويشير إلى أنه حتى وقتنا الراهن فإن قفزات التضخم تكون مدفوعة بصفة رئيسية بعوامل يحكمها جانب العرض من معادلة السوق، وهو أمر خارج عن نطاق سيطرة البنك المركزي الروماني (مثل أسعار الطاقة، على سبيل المثال)، ولكن مع مواصلة الاقتصاد تعزيز أدائه والتقدم بقوة، فإن التضخم المدفوع بجانب الطلب من المعادلة السوقية سيشرع في التأثير بقوة، قائلاً "لذا فإن توقعاتنا الراهنة 5ر5 في المائة مع نهاية العام يعلوها مسحة أكثر تفاؤلاً، مع الاعتراف بأن المخاطر قابلة لأن تميل بها إلى الارتفاع".