رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإصلاح الدينى

توقفت أمام جملة قالها الرئيس السيسى خلال حضوره فعاليات إطلاق «الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان»، السبت ١١ سبتمبر ٢٠٢١، حين أكد أن «جماعة الإخوان تنخر فى جسد وعقل ووعى الإنسان فى مصر منذ ٩٠ عامًا، وأنها لم تتوقف، وشكلت ما يشبه ثقافة التشكيك وعدم الثقة».

الـ٩٠ عامًا التى ذكرها الرئيس هى عمر تأسيس التنظيم على يد حسن البنا فى نهاية عشرينيات القرن الماضى، والتى شرعت من وقتها فى توظيف مفهومها الخاص للدين للتأثير فى الوعى العام للمسلمين وتشكيكهم فى دينهم الذى تربوا عليه، واستحداث تفسيرات وأدبيات تحرض على العنف والقتل والتدمير والتفجير، وكله باسم الدين، فكانوا هم البذرة العفنة التى نبتت منها كل التنظيمات الإرهابية فى العالم أجمع من الجماعة الإسلامية لحركة الجهاد للقاعدة لداعش، وأصبح مُنظرهم الراحل «سيد قطب» هو مؤسس قواعد التكفير للحاكم والمجتمع وتشريع حمل السلاح للتغيير بالقوة بغية الوصول للحكم واستعادة وهم ما يسمى الخلافة الإسلامية.

يتعجب البعض من إصرار السيسى وشجاعته كحاكم مصرى وعربى ومسلم كانت ولا تزال لديه الجرأة على طرح مثل هذه القضايا المعنية بالخطاب والفكر الدينى المغلوط وخطورته على حاضرنا ومستقبلنا، فالرجل لا يريد سوى الإصلاح والصلاح وإظهار الدين الإسلامى فى صورته السمحة الحضارية، وهو هنا لا يتحدث عن المساس بثوابت الدين والعقيدة كما تحاول التنظيمات المتطرفة والمنصات المعادية تسويقه، هو يريد أن يتوقف التدليس على ملايين الشباب المصرى والعربى والمسلم بتفسيرات مغايرة للقرآن والسنة وتصطدم بالفطرة الإنسانية. هو يأمل وجميعنا معه، أن تتم تنقية التراث الدينى من الأحكام والفتاوى التى لم تعد تصلح لحياة المسلمين فى عالمنا المعاصر، وأن يقوم علماء المسلمين بتجديد فقه المعاملات ليسهلوا على الناس حياتهم وتسهم فى حل أزماتهم ومشاكلهم المجتمعية، فالفتوى والاجتهاد أصل فى الإسلام، وإيماننا أن الإسلام يصلح لكل مكان وزمان، معناه أن الاجتهاد مفتوح ومباح لإعادة فهم وتفسير القرآن والسنة وفقًا للتطور الذى نعيشه ومعطيات القرن الحادى والعشرين.

لم ييأس الرئيس السيسى فى إعادة طرح رؤيته الإصلاحية للقضايا والإشكاليات المجتمعية، وحث المؤسسات الدينية على ضرورة الاشتباك والتفاعل معها والاجتهاد فى تقديم أحكام وأطر فقهية تسهل حياة الناس، كقضية الطلاق «الشفوى»، والذى دعا فيها منذ طرحه لها للمرة الأولى فى يناير ٢٠١٧، إلى ضرورة توثيقه لدى مأذون وحظر الطلاق الشفوى، وإعطاء الناس فرصة لمراجعة نفسها بدلًا من أن يتم الطلاق بكلمة يقولها الزوج هكذا فى أى لحظة. وهو هنا مدفوع بمخاوف حول تماسك الأسرة، فوفقًا لآخر إحصائية للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وصلت نسبة الطلاق على سبيل المثال فى ٢٠٢٠ إلى ٢١٨ ألف حالة، وهى نسبة كبيرة وتعطى مؤشرات خطيرة وجرس إنذار بضرورة التكاتف والنقاش العام لمواجهة أسباب ارتفاع هذه النسبة والظاهرة، والتى فى مقدمتها بالتأكيد ربط مستقبل أسرة بأكملها بكلمة يقولها الزوج شفويًا فى لحظة غضب أو نتيجة ضغوطات معيشية واجتماعية.

أعتقد أن هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف تحتاج أن تقدر المشاغل المجتمعية حول هذه القضية الحيوية بشكل خاص ومسألة الإصلاح الدينى بشكل عام، وأن تعيد دراسة مسألة «توثيق الطلاق»، فقولها فى فبراير ٢٠١٧ أن «الطلاق الشفوى» هو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبى، يقفل باب الاجتهاد والتجديد، وبالمقارنة مثلًا مع عملية الزواج وبالمنطق والعقل أيضًا: هل نستطيع القول إن «توثيق الزواج» حاليًا هو ما استقر عليه المسلمون منذ عهد النبى؟، أم أن الأصل كان عدم التوثيق والاكتفاء بالإشهار، ثم مع تطور المجتمعات كانت هناك ضرورة لتوثيقه بجانب توثيق ميلاد البشر وإصدار هويات تعريفية وحتى رقمية لهم؟، فلماذا لا نطبق نفس الشىء على عملية الطلاق لتكون موثقة لدى مأذون؟. 

سأختم بجملة قالها الرئيس السيسى فى يناير ٢٠٢٠، خلال كلمة له فى مؤتمر الأزهر العالمى، والتى ألقاها بالنيابة عنه رئيس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولى: «نحن متفقون على أن كثيرًا من أحكام هذا الفقه تغيرت من جيل إلى جيل على مدى عشرة قرون على الأقل، فلماذا يحرم جيلنا من هذه الأحكام التى تيسر الحياة، وجيلنا أحق الأجيال بالتجديد لما يواجهه من تحديات تتغير كل يوم بل كل لحظة؟».