رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر نادت.. فلبى الشعب النداء


ولا نعلم ما معنى زيارة مستشار الرئيس للبابا لمناقشة الخطة السياسية بعد الاستفتاء، هذا لعب بالنار وسيتم استغلاله بعيداً عن صالح الوطن وما هو الموقع السياسى للبابا لكى يناقش هذه الخطة، هذا يا سادة تراث طائفى بغيض ابعدوا عنه وإلا أين الثورة وأين التغيير؟ وهنا نقول بلا شك فهذا الاستفتاء بهذا الخروج أكد أن المصريين مع التغيير وضد العنف


بالرغم من التهديدات وعمليات التخويف والترهيب لكل من سينزل للاستفتاء فى ظل دعوتهم للمقاطعة ظن الكثير من المحللين أن هذه العمليات ستحد من إقبال الجماهير على النزول للإدلاء بأصواتهم على مشروع دستور 25 يناير ـ 30 يونيو، وهم لا يعلمون ولا يدرون طبيعة المصريين القابعة فى ضميرهم الجمعى تلك التى تظهر عند اللزوم فى الوقت الذى يتصور ويتوقع الجميع صعوبة وخطورة هذا الظهور فهذا هو المصرى وهذه هى مصر فجر التاريخ وصانعة الحضارة التى دائماً تأتى بما هو غير متوقع وتصنع ما هو غير ممكن، خرج المصريون فى يومى 14 و15 يناير ليس للموافقة على مشروع الدستور وحسب ولكن للإعلان بأن المصريين هم صناع الحياة وهم من يعشقون الحياة وهم من يصنعون البهجة بالرغم من كل الصعاب وتحدياً لكل العقبات.

وافق المصريون على الدستور بنسب فاقت كل التوقعات مع أن كلمة «نعم» ليس هى الأهم فى ظل مقاطعة البعض ولكن الأهم هو نسبة عدد المصوتين بالنسبة لعدد من لهم حق التصويت فكانت أكبر من من صوتوا لدستور 2012 وهذا هو الفيصل وتلك هى المقارنة بالرغم من المقاطعة. فكان تصويتاً بإعادة إعلان إرادة الشعب فى التغيير للأحسن أياً كان من كان ومن سيكون فى الحكم وكعادة الشعب المصرى صانع المفاجآت كان هناك أكثر من ظاهرة لابد من رصدها وتحليلها جيداً حتى يمكن الاستفادة من ذلك فى قابل الأيام وذاك هو المنهج السياسى العلمى الذى يجب أن نسلكه. أولى هذه الظواهر هى خروج المرأة المصرية بشكل رائع ومبهر وغير مسبوق يعلن أن المرأة المصرية كم تعانى من جحود وظلم ذكورى كاذب منتفخ مغرور وهى فى الواقع الأقوى والأهم والقادرة على تحمل الكثير والكثير الذى لا يتحمله الرجل فى كثير من الأوقات، ولذا فقد صنع الدستور خيراً عندما ساوى بين الرجل والمرأة فى الحقوق والواجبات بما لا يخل بثواتب المادة الثانية فهذه هى المرأة المصرية التى حكمت وعملت وأبدعت ولعل هذا أن يكون درساً لكل من يتشدقون بمفاهيم واجتهادات لا علاقة لها بالدين بقدر ما لها من علاقة بالمتاجرة بالدين. ثانى هذه الظواهر هى ضعف المشاركة فى كثير من عواصم الصعيد وذلك نتيجة لتجذر كثير من العادات والتقاليد القديمة التى جعلت الثقافة السياسية العملية فى المشاركة لا تدفع الصعيدى للسعى نحو المشاركة السياسية الشىء الذى يؤكد خطأ فكرة سيطرت الحزب الوطنى على الصعيد ويؤكد أيضاً غياب تلك الأحزاب الورقية بنخبها عن الصعيد وفشلها فى القيام بأى دور سياسى وجماهيرى حقيقى فى الشارع الشىء الذى جعل الساحة جاهزة للعب بالعاطفة الدينية واستثمارها لصالح القوى التى تستغل الدين والتى تعتمد على حالة التدين المرتفعة فى الصعيد والتى تداخلت مع العادات والتقاليد فى كثير من الأحيان.

ثالث هذه الظواهر هى ضعف إقبال الشباب على التصويت وهذا راجع لانشغال طلاب الجامعات فى امتحانات نصف العام مع الوضع فى الاعتبار أن هذه المرحلة السنية تجعل الشاب دائماً ما يحاول إثبات الذات ويؤكد هذا من خلال المعارضة والاعتراض فى مواجهة التأييد، كما أن الشباب قد تأثر بمقولة الانقضاض على 25 يناير خاصة أن الشباب لم يجد نفسه بالمعنى النفسى والسياسى منذ يناير وحتى الآن نتيجة لما تمر به البلاد من حالة الاستقطاب السياسى فى الوقت الذى تاجر فيه الجميع باسم الشباب عند اللزوم بما كرس لديهم الإحساس بأنهم صانعو يناير ويونيو ولم يجدوا صدى لهذا على أرض الواقع. رابع هذه الظواهر هو التفسير الطائفى الكثير من الممارسات فمنذ استفتاء مارس 2011 والدعوة للاستفتاء من التيار الإسلامى بـ «نعم» و«لا» فى مقابل الجنة والنار. كان من الطبيعى أن يكون مجمل الأقباط مع «لا» لدستور 2011 وألا يختاروا مرسى وأن يتجاوبوا مع تمرد وأن يخرجوا فى يونيو بشكل تجاوز مشاركتهم فى يناير بما لا يقاس وذلك له مبرراته الكثيرة منها ما هو تاريخى إضافة لممارسة الإخوان خلال عام حكمهم وصولاً إلى أحداث 14 و16 أغسطس والتى كانت نقطة تحول سياسى لدى الأقباط، الشىء الذى جعلهم يخرجون عن كثير من ممارساتهم الطائفية فخرج الأقباط لدستور 2013 بشكل غير مسبوق ولكن للأسف فالتفسير الطائفى للأمور جعل الإخوان وتابعيهم يفسرون الأمر لصالحهم الشىء الذى يكرس ويجذر الطائفية وكأن الأقباط مع الدستور والمسلمين، ضد الدستور وهكذا صور الإخوان الأمر.

ولكن حقيقة الأمر هو أن هناك من مع يناير ويونيو وهناك من هو ضد يونيو نتيجة لضياع مصالحهم وفشل طموحاتهم والطبيعى أن نتحدث عن مصريين لا مسلمين ومسيحيين من هو مع ومن هو ضد وعلى الأقباط أن ينتهزوا هذه الفرصة التاريخية للخروج وأن يكون هذا فى الإطار السياسى بعيداً عن المفهوم الطائفى والكنسى ولذا ما كان ينبغى على البابا أن يدعو إلى التصويت بـ «نعم» فهذا ليس حقه وهذه ممارسة سياسية بعيداً عن الدور الوطنى وهذه الدعوة كان من الطبيعى استغلالها واللعب عليها لكسب مزيد من التعاطف من المسلم غير المنتمى للجماعة وعلى النظام الحالى والقادم أن يعى جيداً معايير التعامل مع الكنيسة بعيداً عن الدور السياسى. فهل للجماعة وأتباعها أن يقرأوا المشهد جيداً بعين فاحصة وأن يعلموا أن مصر لن تكون لغير كل المصريين والمشاركة حق للجميع ولكن على الأرضية الوطنية المصرية تلك الأرضية التى جمعت واحتوت الجميع على مر التاريخ وعلى النظام الحالى والقادم أن يعلم أن النجاح الحقيقى لتحقيق الثورة هو النجاح فى إعادة اللحمة المصرية لكل المصريين الذين يحبون مصر وينتمون إليها بعيداً عن أهل «طظ».

■ كاتب وبرلمانى سابق