رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

باحث: مصر تلاحق التطورات العالمية بشبكة القطارات السريعة

القطارات السريعة
القطارات السريعة

وقعت الحكومة المصرية في الأول من سبتمبر الجاري، عقدا مع عدد من الكيانات الوطنية والأجنبية، لتصميم وتوريد وتنفيذ وصيانة الخط الأول من مشروع تشييد الشبكة القومية للقطارات السريعة.

 

في هذا السياق، أوضح مصطفى عبداللاه، الباحث بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن ذلك المشروع الذي يُتوقع أن يطال كافة أنحاء مصر فور انتهائه، ومن المخطط أن تبلغ كافة خطوطه فور اكتمالها ثلاثة خطوط، أولها سيمتد من “العين السخنة” شرقاً حتى “العلمين الجديدة” شمالاً, فيما سيمتد الخط الثاني من مدينة السادس من أكتوبر شمالاً حتى أسوان جنوباً، أما الخط الثالث فسيمتد من قنا غرباً حتى يصل إلى الغردقة شرقاً ومنها إلى ميناء سفاجا.

 

وأضاف في دراسة أجراها عبر «المرصد المصري»، التابع للمركز، أنه يتوقع أن يساهم المشروع في إحداث قدر كبير من التنمية بالمواقع التي سيمر فيها، والتي توصف حتى الآن بأنها صحراوية وغير مستغلة، كما سيساهم أيضا في تخفيف الضغط عن خطوط مرفق السكك الحديد الحالية, والتي أصبحت تعاني من التكدس بفعل تزايد أعداد الركاب المستخدمين، كما سيساهم المشروع في تخفيف الضغط عن الشبكة القومية للطرق والتي تعتبر الآن أهم المرافق المستخدمة في حركة تنقل المواطنين والبضائع, لتدخل مصر بذلك عهدا جديدا من تشييد وتشغيل وسائل النقل طويل المدى, والتي تستخدم في عملية إدارتها مصادر الطاقة النظيفة.   

 

واستعرض الباحث في دراسته البدايات التاريخية للقطارات السريعة:

حيث يعود أول استخدام للقطارات السريعة إلى بداية القرن الماضي، حينما تشاركت مجموعة من المؤسسات الألمانية في تشييد خط حديدي صغير بطول 70 كيلومترا بين مدينتي “مارين فيلد” و “زوسين” الألمانيتين.

واستطاعت القطارات الألمانية المستخدمة على هذا الخط من تحقيق سرعات اختبارية فاقت 200 كم/ساعة، لكن التوسع في استخدام القطارات الكهربائية، واجه العديد من المعوقات والتي من بينها ارتفاع تكاليف البنية التحتية الخاصة بهذا النوع من القطارات مثل مد خطوط الكهرباء وتركيب أنواع خاصة القضبان، كما كانت الحوادث الخطيرة التي وقعت بفعل مسير القطارات الكهربائية المتميزة بسرعتها الغير مألوفة، سبباً مضافا في ضعف احتمالية استخدام الجر الكهربي كبديل عن قوة البخار البطيئة والقليلة في الحوادث.

بجانب مجهودات تطوير القطارات الكهربائية السريعة، التي لم تقف عند ألمانيا والمسرح الأوروبي، فالولايات المتحدة الأمريكية شاركت هي الأخرى في تطوير هذا النوع المستحدث أوائل القرن العشرين، حينما أكملت الخط الكهربي الرابط بين شيكاغو ونيويورك في عام 1906، والذي بلغت سرعته التصميمية 160 كم في الساعة، لتنتشر من ذلك الحين العديد من الخطوط الكهربائية القصيرة التي تجول بداخل المدن، أو التي تربط المدن القريبة ببعضها البعض.

 

وأشار الباحث إلى تجارب دولية ناجحة، حيث أدى تصاعد التطور التكنولوجي في كافة وسائل النقل خلال النصف الأول من القرن العشرين، إلى إحداث حالة من التسارع بكافة مناحي الحياة، وهو ما أدى بدوره إلى طلب مزيد من وسائل النقل السريعة لتلبية رغبات الركاب في توفير المزيد من الوقت أثناء التنقل، لذلك بدأت العديد من الدول المتقدمة في إطلاق مشروعات متطورة لتشييد خطوط السكك الحديدية السريعة.

 

وكانت أبرز الدول في هذا الصدد كالتالي:

– جمهورية ألمانيا الاتحادية

في عام 1933، أطلقت ألمانيا الخط الحديدي الرابط بين برلين العاصمة ومدينة هامبورج بطول 286كم، ولقد بلغت سرعة القطارات على هذا الخط 160كم في الساعة، كما كانت ألمانيا تخطط لتشييد شبكة من القطارات السريعة في عموم البلاد، الا أن هذه الخطط توقفت بفعل اندلاع لحرب العالمية الثانية وما تلاها من هزيمة.

لكن ألمانيا بدأت في إعادة المشروع في أوائل السبعينيات من القرن الماضي حينما بدأت في تشييد خط هانوفر – فورتسبورج بطول 327 كم، ليلحقه بعد ذلك بثلاثة أعوام بداية تشييد خط مانهايم- شتوتغارت بطول 99 كم، كما استكملت ألمانيا الاتحادية خلال الثمانينيات والتسعينات عددا اخر من الخطوط بإجمالي أطوال فاقت 1,170 كم. لتتكون بذلك شبكة خطوط القطارات الألمانية السريعة حتى الان من 9 خطوط، فيما ينتظر بحلول 2025 أن يضاف إليهم خطين جديدين.

– الولايات المتحدة الأمريكية

لم تتخل الولايات المتحدة يوما عن مكانتها المتقدمة في تطوير القطارات فائقة السرعة، لذلك أطلقت فيما بين العامين 1934 و1940، أربعة خطوط فائقة السرعة بمتوسط 160 كم في الساعة، لكن تكرار حوادث القطارات السريعة فيما بين العامين 1940 و1947، دفع بالسلطات الأمريكية إلى تخفيض السرعات المقررة لقطارات الركاب لتصل إلى 95 كم/ ساعة وقطارات البضائع إلى 79 كم / ساعة، وهو ما أدى إلى حدوث حالة من الركود في ملف تطوير القطارات السريعة.

لذلك قررت الحكومة الأمريكية عام 1965، إعادة دراسة التشريعات الخاصة بالسرعات المقررة للقطارات، وهو ما كان سبباً في عودة أعمال القطارات السريعة، بالإضافة إلى السماح بإنشاء خطوط جديدة كخط Metro liner الرابط بين العاصمة “واشنطن” ومدينة “نيويورك” رأس المال والأعمال في عالمنا المعاصر، ومنذ ذلك الحين اخذ عدد الخطوط في التزايد حتى وصل في وقتنا الحالي إلى 9 خطوط تمر بقرابة 20 ولاية أمريكية.

– جمهورية الصين الشعبية

تعتبر الصين من أحدث الدول التي دخلت في مجال تطوير القطارات السريعة على مستوى العالم، لكن بقدراتها العلمية والتصنيعية الهائلة استطاعت أن تصبح الدولة الأولى في هذا المجال، في العامين 2003 و2018، وصلت اجمالي أطوال الخطوط الصينية السريعة إلى قرابة 29,000 كم طول، وهو ما يساوي نصف خطوط القطارات السريعة على مستوى العالم، كما أصبحت شبكة الخطوط السريعة في الصين الأكثر انشغالا في العالم، حيث يستخدمها سنوياً قرابة 1.7 مليار راكب.

 

وتابع: «هنا نشير إلى أن الصين، أسرعت في عملية تشييد وتشغيل الخطوط الحديدية السريعة، بعد الأزمة الاقتصادية العالمية التي وقعت عام 2008,حيث كانت الخطوط الحديدية السريعة جزءا من خطة الدولة لتحفيز حركة الاقتصاد القومي والتي بلغت اجمالي استثماراتها في هذا الحين 586 مليار دولار أمريكيا، ولقد كان لتلك الخطة إثر في رفع النمو الاقتصادي للدولة خلال عام 2009 بما نسبته 10%، وفق تقارير البنك الدولي».

 

وأكد «عبداللاه»، أنه سعت الدولة المصرية منذ عام 2014 إلى إحداث نقلة بملف النقل البري في عموم البلاد، لذلك أطلقت خطة شاملة لتطوير وتحديث الشبكة القومية للطرق، حيث كان مستهدفا انشاء وتطوير 75 طريقا بأطوال 7000كم وذلك حتى عام 2024, ولقد تم بالفعل الانتهاء من 50 مشروعا منها، فيما ينتظر أن يتم الانتهاء من باقي المشروعات خلال السنوات الثلاث القادمة.

 

مؤكدا أن الدولة بذلت مجهودات غير مسبوقة في عملية تطوير مرفق السكك الحديدية القديم، والذي تمتد شبكته حول وادي النيل ودلتاه، حيث خصصت الدولة مبلغ 13 مليار جنيه لتطوير أسطول الجر والعربات، سواء المخصصة منها للركاب او للبضائع، بالإضافة إلى العمل على تطوير المحطات وصيانة القضبان ورفع كفاءة ورش الصيانة والتخزين.

 

 

إلى جانب ذلك، أكد الباحث بالمركز المصري للفكر، أنه وضعت الدولة خطة لتشييد شبكة جديدة من السكك الحديدية السريعة، والتي ستبلغ عند الانتهاء من تشييدها ما اجماليه 1825كم من السكك، وتستهدف الدولة المصرية من تنفيذ هذا المشروع الطموح عدد من الفوائد، فالخط الأول والذي سيمتد من ميناء السخنة إلى العلمين الجديدة سيمثل محور ربط بين البحرين الأحمر والمتوسط، وهو ما سيعزز من فاعلية حركة التجارة العالمية المارة بقناة السويس، وسيمثل ايضاً داعما لها وقت الأزمات، كما سيساهم القطار السريع في تخفيض زمن الرحلة بين السخنة والعلمين من خمسة ساعات بالسيارة إلى حوالي الساعة ونصف فقط, فضلاً عن دوره في غير المباشر في تنمية العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العالمين الجديدة.

 

ولفت إلي أن الخط الثاني من مشروع القطار السريع والذي سيمتد بين مدينة السادس من أكتوبر شمالاً الي أسوان جنوباً بطول 925 كم، سيساعد في خلق محور نقل جديد غرب النيل مار بأغلب المدن الجديدة بصعيد مصر، وهو ما سيساهم في زيادة اتصالها بمحافظتها الام من جهة وبالعاصمة المصرية من جهة أخرى، مما سيساعد علي زيادة تعميرها، والي جانب كل هذا سيساعد الخط الثاني من شبكة القطارات السريعة على دعم حركة السياحة الثقافية في مصر، وذلك عن تسهيل التواصل بين المواقع السياحية المختلفة على امتداد محافظات وادي النيل.

 

ومن المقرر أن يساعد الخط الثالث وهو اخر مراحل شبكة القطارات السريعة حتى الآن، في تسهيل التواصل بين منطقة غرب النيل عند الأقصر مرورا بمدينة قنا وصولا إلى الغردقة عاصمة السياحة بالبحر الأحمر وهو ما سيسهل على المواطنين في تلك المناطق السفر بشكل آمن، بعيدا عن استخدام الطرق الجبلية الوعرة التي أدت لوقوع المئات من الحوادث الدامية.

وسيساهم هذا الخط في تعزيز حركة التجارة والصناعة بجنوب البلاد حيث سيسهل القطار السريع حركة الاستيراد والتصدير بين موانئ البحر الأحمر من جهة ومحافظات الصعيد من جهة أخرى، فيما سيؤدي انشاء الخط الثالث إلى إحداث حالة من التكامل بين نمطي السياحة الشاطئية والثقافية عن طريق ربط الأقصر واسوان بمدن محافظات البحر الأحمر المختلفة.

 

مؤكدا في ختام دراسته، أنه يمكننا القول إن القطارات السريعة لن تكون مجرد وسيلة لنقل المواطنين والبضائع بين وجهة وأخرى ، بل ستكون بمثابة شرايين تنموية جديدة في جسد الدولة المصرية، حيث من المنتظر أن تؤدي خطوط شبكة القطارات السريعة إلى تحقيق حالة من الازدهار بكافة المناطق المحيطة على المديات المتوسطة والطويلة، وهوما سينعكس بشكل مباشر على حركة الاقتصاد الوطني.