رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لن تعطش مصر

جملة آمنت بها وقلتها كثيرًا عن قناعه وإصرار، تعمد أعداء مصر منذ أكثر من عام تأليب الرأي العام المصري ضد الحكومة والرئيس من خلال تهويل قضية سد النهضة، فرأينا قنواتهم المغرضة تلبس ثياب الذئب الحريص على مصلحة الغنم وتتباكى على مصر وشعبها اللذين سيموتان عطشًا، وتشيع كذبًا أن الحاكم باع نهر النيل لإثيوبيا عن عمد بتوقيعه على مذكرة التفاهم مع إثيوبيا والسودان.. وحرصًا منها على مصالح المصريين جاءت بمئات المحللين وخبراء الري- الفشنك- ليخبرونا بأنها الفرصة الأخيرة لضرب ونسف سد النهضة قبل الملء الثاني، بل بمنتهى البجاحة وضعت على شاشاتها عدادًا تناقصيًا يقوم بالعد التنازلي لموعد الملء الثاني للسد والذي ينتهي أول شهر يوليو الماضي، وكلها أمل أن تقوم القيادة المصرية بإعطاء الأمر للجيش لتدمير السد دون النظر لكل العواقب الدولية المترتبة على هذا القرار المتهور.

مضى أول يوليو وأول أغسطس وأول سبتمبر ولم يحدث شىء، ولم يقل منسوب المياه في نهر النيل سنتيمترًا واحدًا، ولم تعطش مصر، ولم تجف الجداول والترع، ولم تبور الأراضي الزراعية مثلما هددونا على مدار أعوام كاملة، بل زاد الفيضان الأخير من منسوب المياه في كل فروع النيل العظيم.

المفاجأة كانت في تصريح السيد وزير الري السوداني، بالأمس، بأن منسوب النيل الأزرق فاق حد فيضان العام الماضي، وأن النيل الأبيض وارد المياه هذا العام يعادل كل الوارد منه خلال 100 عام.

التصريح يثير المخاوف بلا شك على أراضي السودان الشقيق من التلف غرقًا، لكنها مخاوف لا ترقى للرعب الذي من الممكن أن يحدث لو انهار سد النهضة فجأة كما هو متوقع من تقارير صادرة من جهات علمية محايدة، ومن مراكز بحثية عالمية لها وزنها تجزم بانخفاض معامل الأمان factor of safety في السد بمعدل ضخم سيؤدي حتمًا لغرق الخرطوم وعدة ولايات سودانية أخرى بمجرد انهيار السد.

درسنا في مادة الري بكلية الهندسة أن مصر لا ولن تعاني إطلاقًا من مشاكل في الري، فحجم المياة القادمة من إثيوبيا ضخم للغاية وأبدي مهما تم بناء السدود على طول مجراه، المشكلة موجودة في الصرف وليس الري، فهناك كميات بمئات المليارات من الأمتار المكعبة من نهر النيل تهدر سنويًا في البحر المتوسط عبر فرعي دمياط ورشيد، ولا تستغل في ري الأراضي الصحراوية العطشي، والتي تمثل أكثر من 80% من مساحة مصر.

لذلك قامت الحكومات المصرية المتعاقبة بمشاريعها الضخمة والمستمرة لتقليل كمية المياه المهدرة في البحر المتوسط، بدءًا ببحيرة ناصر خلف السد العالي ومرورًا بمفيض توشكى ثم مشروع ترعة السلام المخطط لها أن تروي ما يزيد على 650 ألف فدان في سيناء الحبيبة، وجارٍ تنفيذ مشروع المليون ونصف المليون فدان «الذي تم تنفيذ 50%‏ منه»، بالإضافة لمشروع مستقبل مصر لزراعة 500 ألف فدان، ومشروع الدلتا الجديدة لزراعة مليون فدان مرحلة أولى، والمستهدف 2 ونصف مليون فدان.

ومن المتوقع أن تمتلئ بحيرة ناصر ومفيض توشكى وبحيرة السد الإضافية خلال الأعوام القليلة القادمة تمهيدًا لاستكمال مشاريع مصر الزراعية الواعدة، وقد يساعد انهيار سد النهضة في سرعة تفعيل تلك المشاريع.

ولندع الجهلاء والأعداء يحلمون بتعطيش مصر، ولنترك لخيالهم الخصب تدبير كذبة أخرى لاختراق الجبهة الداخلية وبث الوقيعة بين الشعب وقادته وجيشه.

«ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين».. صدق الله العظيم.