رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا تكن لطيفًا أكثر من اللازم

كتاب لا تكن لطيفًا
كتاب لا تكن لطيفًا أكثر من اللازم

إذا كنت مثل معظم الناس قد نشأت لتكون "لطيفًا"، فإنك مع ذلك تجد نفسك تتساءل قائلًا: " إذا كنت لطيفًا جدًّا، فلماذا حياتي ليست أفضل؟" والإجابة عن هذا السؤال تجدها لدى المحاضر الشهير "ديوك روبنسون"؛ حيث يقول: "إن السلوك المنطوي على نية حسنة ضروري للمجتمع المتراحم.  ولكن له جانب سلبي؛ فكون الشخص لطيفًا غالبًا، يعني أن يتحمل الكثير جدًّا، وأحيانًا يكذب ويحاول جاهدًا ودائمًا الاقتراب من الكمال، ويقع ضحية سلوكيات أخرى ضارة بالنفس والسلامة".

 ويستطرد ديوك روبنسون قائلًا:" ليس عيبًا كوننا لطفاء، فهذا يعني أننا حساسون لاحتياجات الأسرة والأصدقاء. ويقول علماء النفس إن الذين يراعون مشاعر الآخرين يكونون في صحة جيدة وسعادة أكبر من الأنانيين. ومن جانب آخر، فإن كوننا لطفاء، يحمينا من النقد والإحراج والرفض، كما يجعل الآخرين يرون أننا رائعون. وعلاوة على ذلك، فإن مراعاة شعور الآخرين ومجاملتهم تمهد الطريق لابتكار مجتمع، أكبر إنسانية وأكثر تحضرًا وحيوية، وهذا هو الجانب الإيجابي لأن تكون لطيفًا".

على الجانب الآخر، فهناك نتائج سلبية، إذا حاولت دومًا أن تكون لطيفًا؛ إذ قد يكلفك ذلك الكثير، فمحاولة أن نكون كاملين ونتحمل ما لا نطيق يؤديان بنا إلى الإنهاك، ويثقلان كاهلنا، حتى نشعر بأننا كالسفن المحملة بأكثر من طاقتها فتميل وتغرق.

وحين لا نقول ما نريد، وأن نكتم غضبنا حتى نظل محبوبين، وأن نتعقل أمام عدم تعقل غيرنا. إن هذه الأخطاء تكلفنا شيئًا كثيرًا من سلامة أنفسنا؛ حيث نفقد الاتصال مع جوانبنا العاطفية، ونفشل في أن نجرِّب الاقتراب الحقيقي من أنفسنا، وممن لهم أهمية بالنسبة لنا.

أيضًا حين نواصل إسداء النصح للغير، وإنقاذ الآخرين من سلوكياتهم المدمرة؛ فإن هذه الأشياء تعمل على إفساد مصلحة من نهتم بمساعدتهم، وغالبًا ما تجعل مشكلاتهم أسوأ مما هي عليه. وهذه السلوكيات لا تخلو من محاولات لاشعورية للتحكم في الآخرين، بينما نبدو طيبين بشكل عام.

إن الانهماك في هذه السلوكيات يشعرنا بالبهجة من أنفسنا، ولكننا لا ندرك توابعها الفظيعة في بعض الأحيان؛ فقد يدفعنا بعض منها إلى الجنون. ومع ذلك، ففي أعماقنا يوجد خوف، من أننا إذا توقفنا عن التصرف بهذه الطرق، فقد لانصبح أناسًا محبوبين.

نحن لا نطلب منك عدم التصرف بلطف، ولكن ندعوك إلى الموازنة بين صفة اللطف والمصداقية. ولكي نقوم بهذه التغييرات، يجب علينا أن نتعلم هذه المهارات:

  1. أن ننظر إلى أنفسنا بوجهة نظر جديدة.
  2. التعامل مع مشاعرنا بطريقة مباشرة وحساسة.
  3. معاونة الآخرين بطريقة، تحترم حريتهم، ونقدم الحاجة الحقيقية التي يتطلبونها.

وإذا استطعنا تعلم المهارات السابقة، فسوف نتمكن مما يلي:

  • أن نحرر أنفسنا من الالتزام بما يتوقعه الآخرون منا.
  • أن نقول "لا" عند الضرورة، وأن نقي أنفسنا من تحمل ما لا نطيق.
  • أن نخبر الآخرين بما نريده منهم، وأن نتلقاه فعلًا.
  • أن نعبر عن غضبنا بطريقة، تداوي ونصون علاقتنا.
  • أن نستجيب بصورة فعالة، حين يهاجمنا الناس أو ينتقدوننا بلا تعقل.
  • أن نخبر أصدقاءنا بالحقيقة حينما يخذلوننا.
  • أن نهتم بالآخرين، دون تحمل عبء محاولة إدارة حياتهم.
  • أن نساعد أصدقاءنا وأحباءنا، الذين يميلون لتدمير أنفسهم، على أن يستعيدوا صحتهم النفسية.
  • أن نشعر بأهليتنا ونفعنا، عند مواجهة الألم والحزن.

وعندما تنجح في التغلب على المعاملات الاجتماعية، التي كانت تؤدي لانهزاميتك، عندها ستشعر بتقدير ذاتك؛ بوصفك شخصًا ذا كفاءة، وستشعر أكثر بالقرب ممن تهتم بهم، وستجد أن معونتك للآخرين فاعلة حقًّا، وستظل شخصًا لطيفًا.

الرغبة في الكمال .. أمر محال!

النزعة إلى الكمال تعني الرغبة دائمًا في القيام بالمهام المختلفة، على أكمل وجه. ويشير الكاتب "ديوك روبنسون" إلى أن القوة الاجتماعية، التي تقود نزعاتنا إلى الكمال هي حاجتنا العميقة؛ لنكون مقبولين من الآخرين، فنفعل كل شيء، يجعلهم يحبوننا ولا يفرطوا فينا. وهذه النزعة ليست عيبًا في حد ذاته، ولكنها تصبح خطأ، عندما تدفعك لمعايير غير واقعية لنفسك، أو تكبدك مجهودًا أو وقتًا أو مالًا، أو عندما تصبح هاجسًا، لدرجة تعرقل أداءك في العمل.

لماذا تعد النزعة للكمال خطأً؟

  • إنها محاولة حمقاء، وعقيمة لفعل المستحيل.
  • ينتج عنها قلق مفرط، وتحول توترنا إلى محنة.
  • تجعلنا نشعر كأننا سنموت عند ارتكابنا لخطأ ما.
  • تجعلنا نضيع وقتنا ومجهودنا بشكل كبير.
  • تعوق تقدم علاقات الصداقة الحميمة.
  • تجعلنا نستاء من أولئك، الذين نحاول جاهدين إرضاءهم.
  • قد تؤدي إلى عدد من الأمراض، التي تهدد حياتنا.
  • تجعلنا نشعر بالغباء، ونصبح لائمين لأنفسنا بطريقة مستبدة.
  • تسمح للآخرين بإدارة شئوننا، وهذا فيه ظلم لهم ولنا.

ولكن كيف تستطيع أن تتحرر من سيطرة النزعة للكمال ؟ ومن أين نبدأ؟

الخطوة الأولى: قرِّر أن النزعة الدائمة نحو تحقيق الكمال تعتبر خطأ.

الخطوة الثانية: قرِّر أن تتوقف عن هذا الخطأ.

إذا عزمت التخلي عن محاولة الوصول للكمال، فيجب عليك أن تجد طريقة مختلفة لإدارة حياتك، من خلال ما يلي:

  1. سيكولوجية الاعتماد المتبادل، ويقصد بها أن تتعلم كيف تتبادل الاعتماد مع الآخرين، فيجب عليك تقدير ذاتك، كفرد راشد يعتمد على نفسه، ويتحمل مسئولية معيشته. وفي الوقت نفسه، تدرك مدى ما يستطيع الآخرون المساهمة به من أجلك.
  2. المبدأ الأخلاقي للمصلحة العامة، إذا حاولت إرضاء الجميع، فإنك تجعل نفسك أسيرًا. ولكن إذا حاولت أن تخدم مصالح الجميع، بما فيهم نفسك، فإنك في الحقيقة تحرر نفسك.
  3. قانون الحب، الحب يعني القبول، فأولئك الذين يحبونك يتقبلونك كما أنت، ثم يتوقعون منك أن تدرك قبولهم لك، رغم نقائصك وأخطائك.
  • يوضح الكاتب "ديوك روبنسون" في كتابه "لا تكن لطيفًا أكثر من اللازم":" إن الحب يتطلب منا أن نتوقف عن السعي لإرضاء الجميع على الدوام؛ لكي نحوز قبولهم، وأن نتقبل ببساطة حقيقة أننا مقبولون بالفعل. وبعبارة أخرى، يشجعنا الحب على أن نتقبل أنفسنا والآخرين، كما أن الثقة في الحب غير المشروط، هي التي تمكننا من أن نصبح أفرادًا راشدين ذوي أدوار، وأن ننشىء علاقات ذات فائدة.
  • المحبون الحقيقيون لا يرفضون الآخرين، ولا يسمحون لهم بالاستخفاف بمشاعرهم، و هم كذلك يهتمون بالآخرين وبأنفسهم. إن قبول الآخرين يمكن الناس أن يكونوا إيجابيين، وأن يحبوا أنفسهم والآخرين. ولن يتغير الجميع في الحال، ولكن الحب ينتقل دائمًا من شخص إلى آخر كالعدوى، وبطريقة غامضة، ولكنها متوقعة. إن الحب ينتشر ذاتيًّا، ويغير الناس جذريًّا، فيظهر أفضل ما فيهم، ويوجههم نحو علاقات صحية وسلام نفسي.
  • إن ممارسة الحب غير المشروط، إلى جانب الالتزام بالاعتماد المتبادل مع الآخرين، والمصلحة العامة، ستجلب عليك البهجة، وهي أسمى إحساس بالسعادة الإنسانية. وعندما تعرف أنك محبوب، فإن البهجة تنبع من داخلك، وتصل إلى ذروة لا تستطيع التعبير عنها. والتعبير عن الحب يؤدي إلى الثراء الداخلي، الذي طالما سعيت من أجله، ولكنك لن تجده أبدًا، من خلال جهودك اللامتناهية لإرضاء الآخرين.