رحلتى.. مع جبران

مقولة دقيقة تمامًا أن الحياة تبدأ بعد الستين.. وقد تستمر بسعادة وصحة إلى قرب التسعين.. إلا أن تلك الحياة قد تبدأ في الأفول عند البعض بمجرد الوصول لسن التقاعد.

تنحسر علاقاتك ويقل الاهتمام بك ممن حولك وتقل شهيتك للكثير من مباهج الحياة..
بالطبع ستكون في هذه المرحلة السنية قد تخلصت من مشاكل العمل وتدبير المال اللازم لضروريات الحياة.. لكنك لم تتخلص بعد من مشاكل أكثر صعوبة.. صحية ونفسية واجتماعية. 

والإنسان العاقل هو من يعرف كيف يتعامل بذكاء مع تلك المرحلة السنية بمشاكلها المتعددة.. فيتجاهل التجاهل المتعمد من الغير ويهتم بنفسه وصحته أولًا ويتناسي مشاكل الأقربين ويحصر هواياته في القراءة والرحلات ومتابعة الأخبار السياسية والرياضية.  

لن أطيل عليك عزيزي القارئ في تحليل تلك المرحلة من العمر التي قد ترى أن الحديث عنها مبكر.. تذكرت أن في مكتبتي المتواضعه كتاب «النبي» لجبران.. وهو الكتاب الذي ألجأ إليه دوما فيعيد حيوتي ونشاطي وتفاؤلي.

جبران خليل جبران توفي ولم يتجاوز الـ48 عاما من العمر (6 يناير 1883- 10 أبريل 1931 م)  لكنه قال حكمة قصيرة موجزة تلخص تلك الحياة. 

جبران لمن لا يعرفه عاني كثيرا من أمراض تليف الكبد والنقرس ثم السل، وعاني من شظف العيش بعد أن اضطر للنزوح مع عائلته من لبنان إلى بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، 
إلا أن المعاناة خلقت فيه روح التحدي فجمع بين الكثير من المواهب العبقرية.. فهو شاعر لبناني وكاتب وفيلسوف وعالم روحانيات ورسام وفنان تشكيلي ونحات عُثماني ومن أدباء وشعراء المهجر. 

وكتاب «النبي» من أشهر مؤلفاته.. الذي ترجم إلى 50 لغة، وهو كتاب رائع في التفاؤل والأمل كما ذكرت.

هو يعتبر بحق رائعة جبران العالمية، مضمونه اجتماعي، مثالي وتأملي فلسفي، وهو يحوي خلاصة الآراء الجبرانية في الحب والزواج والأولاد والبيوت والثياب والبيع والشراء والحرية والقانون والرحمة والعقاب والدين والأخلاق والحياة والموت واللذة والجمال والكرم والشرائع وغيرها، وقد وردت على لسان نبي سمي "المصطفى"، ورسالة النبي رسالة المتصوف المؤمن بوحدة الوجود، وبأن الروح تتعطش للعودة إلى مصدرها، وبأن الحب جوهر الحياة.. وفي كتاب «النبي» يعبّر جبران عن آرائه في الحياة عن طريق معالجته العلاقات الإنسانية التي تربط الإنسان بالإنسان.

قال جبران إن الإنسان لا يموت دفعة واحدة وإنما يموت بطريقة الأجزاء.. فكلما رحل صديق مات جزء، وكلما غادرنا حبيب مات جزء، وكلما قُتل حلم من أحلامنا مات جزء، فيأتي الموت الأكبر ليجد كل الأجزاء ميتة فيحملها ويرحل.

أطال الله أعماركم ومتّعكم بالصحة وبجمال الصحبة.