رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحرب الأمريكية على الإعلام الصينى!

هل يمكن إنكار الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في تحريك العالم سواء بالإيجاب أم بالسلب؟

ربما بات العالم الآن يعيش تحت تأثير ما تبثه وسائل الإعلام، حتى إنها أصبحت قادرة على تحريك دول وتصعيدها، أو هدمها والقضاء عليها تماما، بل وإشعال الحرائق والحروب هنا وهناك، وتشويه إمبراطوريات بالكامل، أي أن العالم أصبح، بالفعل، خاضعا تماما لتأثير الميديا العالمية التي تُحركه كيفما شاءت كعرائس الماريونيت!

إن هذا التأثير الخطير الذي تلعبه وسائل الإعلام يؤكد أن الوسيط الجديد في إشعال أي بقعة من العالم، أو تدميرها بات من الخطورة التي لا بد من الانتباه إليها، والعمل على محاولة تحجيمه؛ ما يجعل الجميع يتكاتفون من أجل إيقاف تدميره الذي يبدو لنا، الآن، أكثر فتكا من تهديد انتشار الأسلحة النووية؛ فالحروب لم تعد قاصرة على حروب الأسلحة بقدر ما باتت حربا إعلامية خطيرة قادرة على تدمير الكثير من الدول، سواء على المستوى الاجتماعي، أو على مستوى اقتصاديات الدول!

هذا الدور الخطير الذي يلعبه الإعلام في تحريك العالم هو ما دفع الولايات المُتحدة الأمريكية إلى شن حرب إعلامية شرسة ضد الصين مُنذ بدايات العام الماضي، 2020م، بدعوى تشديد بكين قبضتها على وسائل الإعلام بصورة مُتزايدة مُنذ تولي الرئيس شي جينبينج منصبه في 2013م، كما ادعى مسئولون في وزراة الخارجية الأمريكية مُضيفين: ليس هناك خلاف على أن جميع هذه الوسائل الإعلامية هي جزء من جهاز الدعاية التابع للحزب الشيوعي الحاكم- في الصين- وأنها تتلقى أوامرها مُباشرة من رأس الهرم في بكين!

كانت واشنطن في بداية العام الماضي قد شنت حربا إعلامية شرسة ضد وسائل الإعلام الصينية التي تعمل على الأراضي الأمريكية، وأعلنت أنها ستُعامل هذه الوسائل الإعلامية كبعثات دبلوماسية أجنبية؛ مما يتيح لها تشديد قواعد عملها، كما اتهمت وسائل الإعلام الصينية بمُمارسة الدعاية للصين! 

هذا الاتهام من واشنطن دفعتها إلى اعتبار خمس وسائل إعلام صينية حكومية مُجرد بعثا أجنبية، في مُقدمتها وكالة الصين الجديدة "شينخوا"، وشبكة التليفزيون العالمية الصينية "سي جي تي إن"، وإذاعة الصين الدولية، وجريدتا "صحيفة الشعب"، وتشاينا دايلي"، وهي صحيفة تصدر باللغة الإنجليزية، وينشرها الحزب الشيوعي الصيني. 

إن اعتبار هذه الوسائل الإعلامية كبعثات أجنبية يؤدي، بالضرورة، إلى موافقة مُسبقة من وزارة الخارجية الأمريكية لشراء أي عقار في الولايات المُتحدة، كما باتت مُلزمة بتقديم قوائم بجميع الموظفين العاملين لديها بمن فيهم المواطنون الأمريكيون! أي أن الأمر بات تضييقا على الحريات الشخصية، وليس تضييقا على حرية الإعلام الصيني على الأراضي الأمريكية فقط، ورغم ذلك صرحت وزارة الخارجية الأمريكية بشكل مُتناقض بأن هذه الإجراءات لن تُقيد بتاتا مُمارسة هذه الوسائل لعملها الإعلامي في الولايات المُتحدة!

كما صرح اثنان من كبار المسئولين في الخارجية الأمريكية بأن هذا القرار اتُخذ لأن الرئيس الصيني، شي جينبينج قد استخدم وسائل الإعلام المذكورة بشكل أكثر عدوانية لنشر الدعاية المُؤيدة لبكين!

لكن، هل وقفت الصين، هنا، موقف المُتفرج إزاء ما تقوم به الحكومة الأمريكية من حرب عدوانية على وسائل إعلامها؟

ردت وزارة الخارجية الصينية على القرار الأمريكي بمُطالبة أربع هيئات إعلامية أمريكية بتقديم تفاصيل بشأن عملها في الصين، أي أنها تعاملت مع القرار الأمريكي بالمثل، وأوضحت الخارجية الصينية بأن كل من وكالتي "أسوشيتد برس" AP، و"يونايتد برس إنترناشيونال" UPI، وشبكة "سي بي إس"، والإذاعة الوطنية العامة، مُطالبة بتقديم بيانات بشأن أطقم العاملين فيها، وعملياتها المالية، وعقاراتها في الصين، كما قال تشاو لي جيان- المُتحدث باسم الخارجية الصينية: نُطالب الولايات المُتحدة بالإسراع لتغيير المسار وإصلاح خطأها، والتوقف عن مُمارسة القمع السياسي، وفرض قيود غير معقولة على وسائل الإعلام الصينية! كما طردت الصين 12 مُراسلا صحفيا أمريكيا يعملون مع "نيويورك تايمز"، و"نيوز كورب"، و"وول ستريت جورنال"، و"واشنطن بوست".

إذن، ما السبب في اشتعال هذه الحرب الإعلامية التي أدت إلى أزمة كبيرة بين القوتين العظميين؟

كانت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية قد نشرت مقالا تحت عنوان "الصين مريض آسيوي حقيقي"، وهو المقال الذي غطت فيه الصحيفة مُكافحة الصين لكورونا؛ الأمر الذي دفع الصين إلى مُطالبة هيئة التحرير في الجريدة بالاعتذار العلني ومُعاقبة المُذنبين، لكن الجريدة لم تُلب هذا الطلب، وهو ما جعل الصين تقوم بإلغاء اعتماد ثلاثة من مُراسلي "وول ستريت جورنال" في بكين.

أي أن الإعلام الأمريكي هو من بدأ الأزمة، وكان حريصا على تشويه جهود الحكومة الصينية، والشعب الصيني في مُكافحة الوباء، كما لا يفوتنا أن الجريدة قد أعطت مقالها عنوانا شديد العنصرية؛ الأمر الذي تسبب في غضب جامح من جانب الصين.

هذا القرار الصيني بطرد الصحفيين العاملين بالجريدة أدى إلى اتهام وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو لبكين بتقييد حرية التعبير، وهو اتهام مُثير للدهشة؛ لأن الجريدة الأمريكية قامت بالفعل بتشويه الدولة الصينية بشكل عنصري لا يمت لحرية التعبير بأي علاقة، وهو الأمر الذي دفع المُتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، جينج شوانج، للتصريح بقوله: هذه ليست مسألة حرية التعبير كما يقول بومبيو، لقد نشرت الصحيفة مقالا يشوه صورة الصين بعنوان تمييزي وعنصري يعكس افتقار الحقائق الأساسية والأخلاق المهنية، وهو ما أثار سخطا وإدانة كبيرين من جانب الصين والمُجتمع الدولي. 

إن مُتابعة صيرورة الأمور تؤكد لنا أن الولايات المُتحدة الأمريكية حريصة على تقييد الإعلام الصيني، لا سيما أن الصين، الآن، قد باتت قوة عظمى تنافس الولايات المُتحدة مُنافسة شرسة؛ الأمر الذي يجعل أمريكا ترى في الصين عدوا لا بد لها من مُحاربته أو العمل على تحجيم قواه، وهو الأمر الذي دفع أمريكا إلى مثل هذه الإجراءات، كما لا يفوتنا أن الإعلام الأمريكي كان حريصا مُنذ بداية الأزمة على تشويه الصين كدولة لها سيادتها، وبالتالي فمن حق الصين الرد على ما كُتب بشأنها في الإعلام الأمريكي، فضلا عن رغبة أمريكا في التدخل في الشئون الداخلية الصينية وسياستها تجاه هونج كونج، وهو أمر غير مقبول في السياسات الخارجية.

إن الحروب الإعلامية بين الدول تتميز بالشراسة الجامحة التي يزداد خطرها عن السلاح النووي، وهو ما يجعل الإعلام في صدارة تفكير الدول واهتمامها؛ نظرا لأنه لديه من المقدرة ما يجعله ناجحا في تدمير العديد من الدول، أو تشويهها، أو توجيه الرأي العام معها أو ضدها؛ لذا رأينا أمريكا في موقف المُهاجم للصين بغير وجه حق؛ لمحاولة النيل منها، وتحجيمها بعد التطور الصيني الكبير في المجالات الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية؛ الأمر الذي يجعلنا ننتبه لدور الإعلام في تحريك العالم، وخطر الدور الذي يلعبه عامدا في تشويه الحقائق!