رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عيادات تخدع المرضى بوهم العلاج بالخلايا الجذعية.. ومختصون: ما زال تحت التجريب

التبرع بالخلايا الجذعية
التبرع بالخلايا الجذعية

"وفروا_خلايا_جذعية_لرغد#"، وسم "هاشتاج" انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي منذ عدة أيام، بعد استغاثة أحد الأمهات لإنقاذ ابنتها الوحيدة التي تعاني من مرض داء البلعمة والمهددة بالموت مثل شقيقتها "وعد" التي توفت نتيجة زرع نخاع من متبرع نصف مطابق، حيث كان هذا الذرع هو الأمل الأخير الذي لا يتعدى نسبة نجاحه 25 % كما قال الطبيب للأم لعلاج وعد، وبالفعل كان ذلك الأمل ضعيفًا على إثره توفت" وعد" بعد إجراء العملية بأيام.

- التبرع بالخلايا الجذعية وهم أم علاج فعال؟

هذه الواقعة كانت السبب الرئيس وراء فتح "الدستور" ملف التبرع بالخلايا الجذعية وجدوى العلاج بها، وكذلك عيادات الوهم التي تدعي العلاج بها وتطلب من المرضى تكاليف باهظة نظير ذلك، وهذا دون اعتراف حقيقي بجدوى العلاج بهذه الخلايا الجذعية من منظمة الصحة العالمية والمؤسسات  البحثية العالمية جميعها.

ويعرف الخلايا الجذعية بأنها المواد الخام بالجسم، فهي الخلايا التي تتولد منها جميع الخلايا الأخرى ذات الوظائف المتخصصة،  وفي ظل الظروف المُناسبة في الجسم أو المختبر، تنقسم الخلايا الجذعية لتكوّن مزيدًا من الخلايا تسمى الخلايا الوليدة، وهذه الخلايا الوليدة إما أن تصبح خلايا جذعية جديدة (ذاتية التجديد)،  أو خلايا متخصصة (متمايزة) ذات وظيفة متخصصة أخرى مثل خلايا الدم أو خلايا الدماغ أو خلايا عضلة القلب أو الخلايا العظمية. لا توجد خلايا أخرى في الجسم لها هذه القدرة الطبيعية على توليد أنواع خلايا جديدة.

- ما هي الخلايا الجذعية؟

والخلايا الجذعية تستطيع الانقسام  لتعطي أنواعًا مختلفة من الخلايا المتخصصة (Specialized cells)، كخلايا العضلات والكبد والخلايا العصبية والجلدية وغيرها، ويتوقع العلماء أن يشهد منتصف القرن الحالي تقدمًا مذهلًا للعلاج بالخلايا الجذعية لكثير من الأمراض التي ليس لها شفاء أو علاج ناجح، إلا أن هناك اتفاقًا أيضًا بين العلماء على أن هناك حاجةً إلى العديد من التجارب والأبحاث في هذا الإطار.

 

كما تتلخص الفكرة من العلاج بالخلايا الجذعية في أنها قد تتحول إلى أيٍّ من خلايا الجسم بأنواعها المختلفة، وهي قد تعمل ببساطة عن طريق حَقنها مثلًا في عضوٍ ما من أعضاء الجسم بدأت خلاياه بالموت، لتقوم هي بالنمو والحلول محلها، وهو ما ينطبق على العضلات، والدم، والعظام، ونظريًّا فهي تقوم بأعمال الترميم والتعويض عن القديم والمفقود بنموها من جديد. 

وبمقدور تلك الخلايا التكاثر والتطور إلى أشكال مختلفة من الخلايا، ويأمل الخبراء تسخيرها لعلاج الأمراض والاعتلالات، بما فيها السرطان والسكري والعقم، وهو الأمر الذي يجعل كثيرًا من المرضى يروون في مجرد السماع عن العلاج بالخلايا الجذعية أملهم الوحيد في العلاج "والقشاية" التي يتعلقون بها.

- سيل من الإعلانات على الانترنت يدعي توفير علاج بالخلايا الجذعية

لذا يمكن لأي متابع أن يرصد سيلًا من الإعلانات التي انتشرت على شبكة الإنترنت، للترويج للعلاج بالخلايا الجذعية، باعتباره معجزة يمكن أن تقضي على جميع الأمراض تقريبًا، بدءًا من السكري إلى التهاب المفاصل وأمراض العيون وحتى مرض الزهايمر، ولم يعلم الكثيرين أن ذلك هو الأمر الذي حذر منه العالِم الحاصل على جائزة نوبل للطب، الياباني "شينيا ياماناكا" مسميًا إياه "وهم وسائل العلاج بالخلايا الجذعية".

- "جروب" يخدع المرضى بعلاج آلام المفاصل و التهاب الكبد الوبائي

رصدت "الدستور" بعضًا من تلك الإعلانات التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، فكان أحد "الجروبات" التي حملت اسم العلاج بالخلايا الجذعية قد أعلن مسئوليها عن إمكانية علاج  آلام المفاصل وخشونة الركبة، وكذلك التهاب الكبد الوبائي باستخدام الخلايا الجذعية، موهمين المرضى بأن تلك الخلايا تصلح الكبد بنسبة تصل إلى 80% باعتبارها أفضل بديل لعمليات زراعة الكبد.

وهناك أيضًا بعض "الجروبات " الأخرى التي ادعت قدرة الخلايا الجذعية في علاج حالات العقم والذكورة.

 - أستاذ باثولوجي: فوضى في العلاج بالخلايا الجذعية وعيادات تضع المريض في دائرة الخطر

 

قالت الدكتورة وفاء السيد عبد العال، أستاذ الباثولوجي ومدير وحدة التجارب الإكلينيكية بالمركز القومي للبحوث، و عضو مجلس أخلاقيات البحث العلمي بأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، أن هناك فوضى في العلاج بالخلايا لالجذعية وذلك نتيجة ضغوطًات كبيرة من جمهور المرضى والكيانات التجارية للانتقال بسرعة إلى تطبيقات العلاج بتلك الخلايا، وهو الأمر الذي أدى إلى ظهور ما يُطلَق عليه "عيادات الخلايا الجذعية"، التي تقدم علاجات غير مثبتة علميًّا، ما يضع المرضى في دائرة الخطر.

- العلاج بالخلايا الجذعية ما زال تحت التجريب

كما أضافت أن العلاج بالخلايا الجذعية يُعَد مجالًا بحثيًّا واعدًا، وهو ما زال تحـت التجريب، ويجب قصره على المراكز البحثية والمستشفيات الجامعية والحكومية، كما أنه لا يجوز الإعلان عنه كطريقة فعالة للعلاج، بل يجب أن تخضع مختبرات بحوث الخلايا الجذعية بمصر لعدد من المعايير العامة التي تضمن جودة هذه التقنية الجديدة ونجاحها.

كما أكدت أنه لضمان التنمية الفعالة للأبحاث الجادة التي تُجرى في هذا المجال، ومنع المشاركين في التجارب الإكلينيكية في المستقبل من أن يتعرضوا للخطر فيجب نشر جميع النتائج الإيجابية منها والسلبية، وكذلك الآثار الجانبية، لتعزيز مستوى الشفافية في الأبحاث السريرية للخلايا الجذعية.

- لا يمكن الحكم بأنه علاج فعال

و اتفق معها الدكتور حامد الجوهري، استشاري عظام، والذي قال لـ"الدستور" موضحًا أن العلاج بالخلايا الجذعية أمر لا يزال تحت التجريب في جميع دول العالم، ولا يمكن الحكم بأنه علاج فعال إلا بعد المزيد من التجارب وتعميم نجاحها بقدر كبير، أما إلى الآن فمازال الوضع شائكًا مشيرًا إلى أنه يحتاج إلى مزيد من التقنيات العالية والمختبرات المجهزة على أعلى مستوى لإجراء التجارب عليه، وهو  الأمر الذي مازالت مصر تحتاج المزيد من التطور به.  

- مخاطر زرع الخلايا الجذعية ونقلها

كما أشار "الجوهري" إلى أنه على عكس ما يعتقد البعض فهناك عددًا من المخاطر جراء زرع الخلايا الجذعية ونقلها، ويأتي أولها في عدم استجابة الجسم المنقول إليه تلك الخلايا لما يعتبره جسمًا غريبا وبالتالي يبدأ في مواجهته ورفضه تمامًا مما قد يؤدذي في النهاية إلى موت المريض، وتابع أن هناك بعض من المرضى الذين دفعوا الكثير من الأموال نتيجة إجراء عمليات ذرع الخلايا الجذعية ولكن دون جدوى. 

- الجمعية المصرية لأمراض الذكورة تحذر من النصب بالخلايا الجذعية

من جهته ذكر هاني سليم، رئيس لجنة أخلاقيات البحث العلمي بالمعهد القومي لأبحاث الأمراض المتوطنة والكبد بالقاهرة، في تصريح له، أن الجمعية المصرية لأمراض الذكورة، أصدرت تحذيرًا للأشخاص ممن يدَّعون أن الخلايا الجذعية يمكن أن تعالج العقم وتحقق حلم الإنجاب، كما أكد أن هناك عيادات في مصر لا يُعرف عددها تدَّعي أنها تعالج أمراضًا متعددة باستخدام الخلايا الجذعية، مثل أمراض الكبد والأعصاب والخلايا الجذعية والأوعية الدموية، مستندةً إلى نتائج أبحاث علمية أُجريت في الغرب، لكنها تمت على فئران التجارب ولم تُجرَ على الإنسان.

 

كما أوضح أنه في حال لم يتوافر الأمان الحيوي في عملية نقل هذه  الخلايا الجذعية فإن تلك الخلايا يمكن أن تصاب بالبكتيريا وتنتقل إلى المريض، ومؤخرًا هناك 30 أمريكيًّا أصيبوا بالتلوث البكتيري الذي استلزم علاجًا استمر 3 أشهر كاملة؛ لأن الخلايا الجذعية كانت ملوثةً بالبكتيريا.

- مسؤولة بوزارة الصحة: الترويج للإنجازات الطبية مكانه الدوريات العلمية فقط

 من جانبها قالت الدكتورة دينا شكري، رئيس اللجنة القومية لأخلاقيات البحث العلمي بوزارة الصحة المصرية، أن التعديل الأخير من اللائحة المنظِّمة لعمل الأطباء رقم 238 لسنة 2003، الصادرة عن وزارة الصحة، تمنع تمامًا أن يروج أي شخص أو جهة للإنجازات الطبية عبر وسائل الإعلام والدعاية والإعلان، موضحة أن هذه الإنجازات مكانها فقط الدوريات العلمية وليس الصحافة أو التلفزيون.

كما أكدت رئيس اللجنة القومية لأخلاقيات البحث العلمي بوزارة الصحة المصرية،  أن هناك عدد من الاختراقات والمخالفات فيما يتعلق بالترويج لعلاجات الخلايا الجذعية في مصر عبر وسائل الإعلام، مؤكدةً أن تنظيم هذه المسألة يحتاج إلى قوانين تحكمها وتجرِّم المخالفين.

- قوانين ولوائح وزارة الصحة تمنع التعامل مع أي مستحدث في مجال الطب كعلاج للبشر

و أوضحت أن قوانين ولوائح وزارة الصحة المصرية تمنع التعامل مع أي مستحدث في مجال الطب كعلاج للبشر، دون أن يمر بمراحل التجارب العلمية المعروفة دوليًّا، والتي تبدأ بالمعامل وحيوانات التجارب مرورًا بالتجارب السريرية على عينة صغيرة ثم عينة كبيرة من المرضى، وهذا ينطبق على العلاج بالخلايا الجذعية، التي لم تحصل حتى الآن على موافقة لاستخدامها كعلاج من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA).

 

 في حين قال محمود صقر، رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، أنه يجب  تنظيم أبحاث الخلايا الجذعية وإنشاء العدد المناسب من البنوك الحيوية، وذلك بالتوازي مع إصدار القوانين والتشريعات اللازمة لذلك.

- المطالبة بإصدار قانون ينظم استخدامات الخلايا الجذعية وتطبيقاتها

و أوصى رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجي، بسرعة إصدار قانون ينظم استخدامات الخلايا الجذعية وتطبيقاتها في البحث العلمي والعلاجات المختلفة وإنشاء البنوك الحيوية بمصر؛ حتى يتم تطوير هذين المجالين، وذلك مع الالتزام بمعايير الجودة ومراعاة البُعد الأخلاقي، بما يحقق الارتقاء بعلاج المرضى في مصر.

- دراسة توصي بإنشاء شبكة قومية لمعاهد أبحاث الخلايا الجذعية والبنوك الحيوية

جديرًا بالذكر أن دراسة أجراها المركز القومي للبحوث عام2017، أوصت بضرورة البدء في إنشاء شبكة قومية لمعاهد ومؤسسات أبحاث الخلايا الجذعية والبنوك الحيوية، لضمان توحيد سياسات الأبحاث وخططها في مصر، بالإضافة إلى تحسين الوعي العام بمشاركة المجتمع المدني والإعلام؛ لبث الثقة في البحث العلمي بمصر والمشاركة المجتمعية في أبحاث الخلايا الجذعية والبنوك الحيوية.

وشددت الدراسة على أن الأولوية الآن لأبحاث الخلايا الجذعية ذاتية المنشأ (خلايا مستمدة من جسم المريض نفسه، مما يحد من خطر الرفض)، أما استخدام الخلايا الجذعية الجنينية للأبحاث على الإنسان فهو مؤجل في مصر حتى استكمال الأبحاث المبدئية.

كما اعتبرت الدراسة أن نقص الخبرة القانونية في قضايا الخلايا الجذعية والبنوك الحيوية من أهم التحديات التي تواجه الإنشاء والاستدامة في هذه التقنيات الحديثة، خاصةً في دولنا العربية، ما يحتِّم ضرورة توفير الخبرات القانونية الطبية المؤهلة للتعامل مع جوانب التطور السريع في المجالات الطبية والدراسات الجينية، والأسس القانونية لتبادل العينات البيولوجية بين الدول.

وطالبت المؤسسات التي تُجرى فيها أبحاث الخلايا الجذعية التجريبية أو تُنشَأ بنوك حيوية بتنفيذ برامج تدريبية دورية للعاملين في هذه التجارب والأبحاث؛ لضمان رفع وعي الباحثين بضوابط الخلايا الجذعية والبنوك الحيوية وأخلاقياتها، ووضع آليات الرقابة على البنوك الحيوية؛ لضمان الامتثال للتشريعات والسياسات والقواعد الأخلاقية والمالية والتنظيمية المحلية والدولية.