رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المقاهي المسرحية في باريس: قعدة رصيف وفرجة مجانية

المقاهي المسرحية
المقاهي المسرحية في باريس

في بداية القرن العشرين، كانت نجاحات المسرح الفرنسي تتركز في الفرق المسرحية الخاصة، أما اليوم فقد تغيرت المعادلة، إذ انتقلت معظم الفرق والمسرحيين الكبار إلى مسارح قطاع الدولة أو ما تسمي الآن بالمسارح الوطنية، بسبب الأزمات الاقتصادية التي عصفت بالفرق المسرحية الخاصة من جهة، وتضاؤل الجمهور المسرحي الذي انصرف غالبا إلي السينما والتليفزيون.

تستطرد الباحثة السورية هدي الزين٬ في كتابها "المقاهي الأدبية في باريس حكايات وتاريخ": وعلي الرغم من كل ذلك تبقي الفرق المسرحية الخاصة٬ وخاصة المقاهي المسرحية "كافيه تياتر" أكثر قدرة علي ديناميكية التعبير الجديد عن الحياة الفنية في فرنسا٬ ولا تزال تحافظ علي مكانتها٬ وكتابها ومواضيعها٬ فالمسارح الخاصة بصورة عامة أثبتت إبداعاتها وكشوفاتها منذ أكثر من نصف قرن.

وتكون عادة المقاهي المسرحية بسيطة ومتواضعة إذ تتواجد في المقاهي والأبنية القديمة٬ والجراجات ولا يحتاج الجمهور إلي قطع التذاكر٬ وأجرة المقاهي المسرحية تكون عادة رخيصة الثمن بالمقارنة بالمسارح الكبري. ومن المعروف أن المقاهي المسرحية لا تغلق أبوابها في الصيف وإنما تقدم باستمرار عروضها المسرحية٬ وفي باريس وحدها يبلغ عدد مشاهدي المقاهي المسرحية حوالي 600000 ألف مشاهد في العام الواحد٬ إذ يرتادون 20 قاعة٬ وقد لاقت عروض المقاهي المسرحية نجاحا شعبيا كبيرا٬ وخصصت لها المهرجانات العالمية منها مهرجان في "سيد رين" وآفينيون.

ويعتبر "رومان بوتي" من مؤسسي المقاهي المسرحية٬ وكثيرا ما تتعرض المقاهي المسرحية إلي مناقشة المشكلات اليومية للمشاهدين٬ وذلك من خلال تقديم الأغنيات والأسكتشات والحوارات المباشرة. وتعتمد المقاهي المسرحية في تقديم عروضها المسرحية من نصوص الكتاب العظماء أمثال: فيكتور هوجو٬ بروست٬ جارسيا لوركا٬ رامبو٬ أبولونيز. وفي مهرجان "المقاهي المسرحية" الذي يقام في منطقة "سيفجر" في الضواحي الغربية لباريس٬ حيث تشارك في هذا المهرجان فرق كثيرة بحضور ممثلين ومخرجين من كل أنحاء فرنسا٬ بالإضافة إلي مسرحيين من بلجيكا وسويسرا والكيبك٬ ويتكون معظم ممثلي هذه الفرق من العمال والموظفين٬ والعاطلين والمعلمين.

ويعتبر هذا المهرجان تظاهرة مسرحية غير رسمية تتبادل فيها الفرق المختلفة التجارب والخبرات عبر اللقاءات والحوارات وأمسيات النقد٬ وتكاد الحدود الفاصلة بين هذه الفرق تنعدم نوعا ما في مهرجان كهذا. ومن العروض المميزة عرض "العجائز والبحر" وهي نصوص للشاعر اليوناني المعروف "يانيس ريتسوس"٬ قدمته فرقة جماعة "تارب". ومن أهم المسرحيات التي قدمت "ماذا تفعل حين لا تمتلك أفكارا؟"٬ "كوني راضية عن نفسك يا ماري"٬ زورق المشعوذين"٬ "نظر وتأمل"٬ "السيرك العاطل"٬ "لا تنتلك ثيابا حين تنجح الثورة".

وكانت مواضيع الفرق المسرحية تدور حول الحياة اليومية٬ وقد تنوعت هذه المسرحيات فنجد المسرحيات الكوميدية تارة٬ والعمالية تارة٬ والصوفية تارة أخري٬ ولا بد من الإشارة إلي أن هناك فرقا مسرحية أخري مشابهة رغبت في المشاركة في هذا المهرجان٬ إلا أن المهرجان لم يكن قادرا علي استيعاب هذا العدد الهائل من الفرق. إذ يوجد في فرنسا حوالي 3500 فرقة مسرحية للهواة مما لا ريب فيه إزاء الأزمة الاقتصادية انخفضت مساعدة الدولة لهذا المهرجان بنسبة 60% ومن المعروف أن هذه الفرق تعاني عقبات كثيرة في التعبير عن آرائها وأفكارها أمام الفرق الرسمية الهائلة الإمكانيات.

ولا بد من ذكر مقهي "روك" الذي يقع في شارع "سانت هونوريه" عند الدائرة الأولي٬ وتحمل هذه المنطقة روحا فنية نظرا لوجود أحد أقدم مسارح باريس فيها وهو المسرح الذي اشتهر بالمسرحيات الكوميدية الساخرة. ومازال شارع "سانت هونوريه" يحمل طابعا قديما نظرا لوقوع القصر الملكي الذي كان يقطنه ملوك فرنسا خلال وجودهم في باريس٬ بعيدا عن قصر فرساي.