رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل كان للفنان محمد ناجي يد في حرمان «نحميا سعد» من التعيين؟

 محمد ناجي
محمد ناجي

في كتابه الصادر عن مؤسسة الجزويت للنشر والإعلام٬ "هاملت الجرافيك المصري.. نحميا سعد"٬ يكشف مؤلفه المؤرخ الفني د. ياسر منجي٬ عن المراسلات بين الفنان التشكيلي المصري "نحميا سعد" وأستاذه برنارد رايس.

 

و"نحميا سعد" العبقريُّ الشاب والذي رحل في رونَق الشباب، عن ثلاثةٍ وثلاثين عامًا، كان قد أقام – في سنواتٍ معدوداتٍ فقط - دعائم اتجاهٍ مصريٍ صميم في مجال الطباعة الفنية، فكانت حياته القصيرة الشقية بذلك نموذجًا فريدًا، يثبت أن الأستاذية في الإبداع ليست مشروطةً بالسِن، ولا بالظروف، ولا بِكَمّ الإنتاج، بل مشروطةٌ بأن يكون للفنان روحٌ وشخصيةٌ يُمَيِّزانِه عن غيرِه. نال بموجبه لمصر ميدالية معرض باريس الذهبية ودبلوم الشرف.

 

وفي خطاب أرسله برنارد رايس بتاريخ 8 مارس 1937 وهو نفس عام اشتراك نحميا سعد بصالون باريس٬ أما المرسل إليه فهو نحميا سعد نفسه٬ الذي خاطبه "رايس" بالعبارات التالية: "عزيز نحميا٬ أخبرني "إينوشينتي" صباح اليوم أنه و"ريمون" رشحاك مدرسا للتصوير في مدرسة الفنون التطبيقية بالجيزة. إنهما يتمنيان أن توافق٬ ويعتقدان إنك أفضل شخص لشغل هذه الوظيفة. "إينوشينتي" آسف جدا لعدم استطاعته ضمك لمدرستنا. لقد أتي "محمود سعيد" المصور السكندري٬ إلي منزلي بالأمس٬ وقد أطلعته علي أعمالك المنفذة بالحفر الحمضي٬ وقال إنه يعتقد أنك فنان جيد جدا.

 

أخبرني "إينوشينتي" كذلك أنه رأى بعض اسكتشات كان "ناجي" قد نفذها لمعرض باريس٬ وهو يعتقد أنه لا بد أن يكون قد رأي اسكتشاتك٬ نظرا لأنها تماثلها للغاية. فهل أطلعت أحدا عليها؟ أتاني شخص صباح اليوم في منزلي بالمعادي٬ وسألني إذا ما كنت أعرف فنانا "مصريا" يستطيع تنفيذ مناظر طبيعية كبيرة٬ لتزيين دار المفوضية المصرية في استوكهولم بالسويد. وقد رشحتك لذلك٬ لكني للأسف لم يكن لدي شئ٬ لعرضه عليه٬ باستثناء أعمالك المحفورة والمنظر الطبيعي الموجود في غرفة الاستقبال. أتمني لك الحظ. برنارد رايس.  

 

ويعقب د. ياسر منجي علي الخطاب لافتا إلي أن: حفل الخطاب بمعلومات ودلالات بالغة الأهمية٬ من شأنها أن تعيد ترتيب شذرات تلك المأساة الأسيفة٬ تتمثل أولي تلك المعلومات فيما أشار إليه "رايس" من رغبة المصور الإيطالي "كاميللو إينوشينتي" (1871 ــ1961) وكان وقتها لا يزال يشغل منصب عميد المدرسة ــ في ضم نحميا إلي طاقم هيئة تدريس مدرسة الفنون الجميلة٬ وفي ذلك دلالة قوية علي براءة ذلك الناظر الإيطالي من جريرة الحؤول دون "نحميا" وحقه في العمل بمدرسته الأم.

 

غير أن هذه الملحوظة في حد ذاتها٬ برغم دلالتها السالفة٬ تزيد إلي غرابة السياق غرابة٬ وذاك حين نلتفت إلى دلالة أن الناظر الإيطالي لم يكن وحده من يرغب في تعيين "نحميا" بل شاركه في ذلك "جورج ريمون" مدير مكتب الفنون الجميلة بوزارة المعارف آنئذ٬ ومع ذلك لم يتمكن المسئولان الكبيران من إنفاذ رغبتهما.  

 

ومما يزيد من غرابة السياق٬ أن الخطاب كان مكتوبا قبل ستة أشهر من تولي "محمد ناجي" منصب نظارة "عمادة" المدرسة٬ في سبتمبر من العام نفسه٬ وهو ما يستوجب طرح سؤال مهم : تري من كان يملك القدرة وقتها علي الوقوف حائلا دون إنفاذ رغبة مدير المدرسة بتعيين "نحميا"؟٬ سؤال قد تساعد في الإجابة عنه مراجعة أسماء من كانوا يتولون المناصب القيادية آنذاك في "إدارة الفنون الجميلة".