رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

على جمعة: الله أمرنا بالذكر كما أمرنا بالفكر

الدكتور على جمعة
الدكتور على جمعة

قال الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق، إن العلماء الذين قاموا يحمون مرتبة الإحسان،,‏ حتى تصل إلى درجة أن تعبد الله كأنك تراه‏، قيدوا هذا الطريق أولا بالذكر والفكر‏،‏ والذكر أخذوه من القرآن الكريم، وقال تعالى‏: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ)‏ ، وقال تعالى‏: (وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ) ، وقال تعالى‏:‏ (وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ، وقال تعالى‏: (أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ) [الرعد‏:28]، إذًا الذكر هو الطريق‏,‏ وكذلك الفكر والتدبر والتأمل في خلق السماوات والأرض‏,‏ في عالم النبات والحيوان‏,‏ فيما ينفع الناس‏:‏ (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).‏
إذن‏,‏ هناك فكر سطحي‏,‏ صاحبه ينظر بلا تأمل وتراه يجمع المعلومات‏, وهناك فكر عميق‏,‏ صاحبه يدخل في حقائق الأشياء‏,‏ وهناك فكر مستنير‏,‏ وهو أن يربط هذا بالإيمان بالله‏,‏ فيقول‏: (سُبْحَانَكَ‏),‏ فكلمة‏ (سُبْحَانَكَ‏) إنما تأتي في قمة التفكير في بديع صنع الله‏,‏ الدال عليه سبحانه وتعالى‏, وهذه هي حقيقة الإحسان‏.


وتابع "جمعة" عبر صفحته الرسمية قائلا إذن‏ فالذين لا يريدون أن يتفكروا‏ والذين لا يريدون أن يذكروا‏ بعيدون عن منهج الله‏ والله سبحانه أمرنا بالذكر‏، كما أمرنا بالفكر‏: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)‏ ، (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا) ، (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) يعني‏:‏ يتأمل في الكون‏,‏ ثم يقول بعد ذلك‏: (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالقَلَمِ) يعني‏:‏ الوحي‏,‏ فيتدبر في كتاب الله المنظور‏,‏ وهو الكون من حولنا‏,‏ ويتدبر في كتاب الله المسطور‏,‏ وهو الوحي‏:‏ القرآن والسنة الصحيحة‏,‏ ويتدبر –أيضا- في حال نفسه‏:‏ كتاب الله المقدور‏,‏ وهو الإنسان‏,‏ يتأمل في قوله تعالي‏: (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ القُرْآَنَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ البَيَانَ)‏. 
إذن‏،‏ فهناك ثلاثية‏: (القرآن‏ ،‏ والإنسان‏ ، والأكوان‏)، يجب أن نتأمل ونتدبر فيها‏، بذلك نكون من المفكرين في طريقنا إلى الله سبحانه وتعالى طريق الذكر‏، والفكر‏.
ومنهج النبي ﷺ في الذكر‏:‏ السعة‏ فإذا جاء شخص يريد التقيد بما ورد‏ فهو أحد رجلين‏,‏ الأول‏:‏ أنه أحب ما ورد في السنة ووجد قلبه فيه‏,‏ وهذا أمر محمود،,‏ بل هو غاية المراد‏، لأنه قد عاش كلام النبي ﷺ الوارد عنه في الأحاديث من دعاء ومن ذكر في مختلف المواطن‏,‏ وفهم معناه ووجد قلبه عنده‏,‏ فالأساس‏:‏ أن تجد قلبك‏.
والآخر‏:‏ يتقيد بما ورد‏,‏ ولكنه يؤديه إثبات حالة‏,‏ يريد أن يقنع نفسه أو يقنع الناس بأنه يتمسك بالمنهج النبوي‏,‏ فينكر على من خرج عن هذه الأذكار‏,‏ وهو بهذا الإنكار يخالف المنهج النبوي‏;‏ فالمنهج النبوي كان على السعة‏,‏ تعال ننظر في السنة المشرفة‏:‏ رجل يذكر الله في الصلاة بما لم يسمعه من رسول الله ﷺ فإذا برسول الله ﷺ يقول بعد الصلاة‏:‏ من المتكلم في الصلاة؟‏,‏ فلم يتكلم أحد -يسكت الرجل ويظن أنه قد أتى بخطأ- ثم قالها الثانية‏:‏ من المتكلم في الصلاة؟ فلم يتكلم أحد‏,‏ ثم قالها الثالثة‏:‏ من المتكلم في الصلاة؟ فقال رفاعة بن رافع بن عفراء‏:‏ أنا يا رسول الله‏,‏ قال‏:‏ كيف قلت؟‏,‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا طاهرا مباركا فيه‏...‏ إلى آخر الحديث‏,‏ فقال رسول الله ﷺ ‏:‏ لقد ابتدرها بضعة وثلاثون ملكا أيهم يصعد بها ‏(الترمذي والنسائي‏) وذلك قبل أن يقره النبي ﷺ ‏;‏ فالنبي ﷺ علمنا أن نذكر الله على السعة‏.
ومما يدل على أن الأصل في الذكر السعة ما ورد في التلبية‏,‏ ففي حديث جابر‏:‏ وأهل الناس بهذا الذي يهلون به‏,‏ فلم يرد رسول الله ﷺ عليهم شيئا منه ولزم رسول الله ﷺ تلبيته‏ (مسلم‏),‏ وكانت تلبية رسول الله ﷺ ‏:‏ لبيك اللهم لبيك‏,‏ لبيك لا شريك لك لبيك‏,‏ إن الحمد والنعمة لك والملك‏,‏ لا شريك لك في حين أن إنسانا يلبي‏,‏ فيقول‏:‏ لبيك حقا حقا‏,‏ لبيك تعبدا ورقا. ‏(مسند البزار‏),‏ وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يلبي‏,‏ فيقول‏:‏ لبيك لبيك وسعديك‏,‏ والخير بيديك لبيك‏,‏ والرغباء إليك والعمل.‏ (مسلم‏),‏ فيتركهم‏.‏


وأوضح : فأقر رسول الله ﷺ هاتين الصيغتين اللتين لبى بهما أنس وعبد الله بن عمر وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم‏,‏ وفي هذا دليل على أن الأصل في الذكر السعة‏;‏ فقد ذكروا الله تعالى بما يعلمهم رسول الله ﷺ ابتداء‏.، فالأصل في الذكر السعة‏,‏ والمقصود أن نجد قلبنا عنده‏;‏ ولذلك رأينا العلماء والصالحين عبر القرون يذكرون الأذكار مع أنها ليست واردة في السنة‏,‏ بل ويزيدون أيضا‏,‏ فمثلا يقولون‏:‏ ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار فيزيدون‏:‏ وأدخلنا الجنة مع الأبرار‏,‏ يا عفو يا غفار‏,‏ دعاء وذكر بأسماء الله الحسنى‏,‏ وهو شيء حسن جميل‏,‏ قال تعالى‏:‏ (وَللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) [الأعراف‏:180]، إذن‏, هذا النمط‏,‏ وهذا المنهج‏,‏ كان هو أساس طريق التصوف‏,‏ الذي هو مقيد بالذكر والفكر‏,‏ مقيد بالتخلي والتحلي‏;‏ من أجل التجلي‏,‏ مقيد بقواعد‏,‏ منها‏: (أن ملتفتا لا يصل‏),‏ وكل ذلك وارد بالتفصيل في الكتاب والسنة‏,‏ ومن أراد أن يحمل الناس أطرى على مذهبه‏,‏ وأن ينكر على منهج الكتاب والسنة فهو مخطئ.‏