رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مجهولو النسب..

من دفترهم.. «الدستور» تتبع أبناء الزواج العرفي بعد أن صاروا شبابًا

أبناء الزواج العرفي
أبناء الزواج العرفي

منذ 20 عامًا كان ميلاد "عادل.ت"، لا يتذكر وقتها أي شيء، سوى أنه نشأ في أسرة مستقرة، أب وأم وفتاة تكبره بعشر سنوات وأخ صغير ثلاثة أعوام، علم أن ذلك اسمه وظل في هذا المنزل لمدة 16 عامًا معتقدًا أن هؤلاء أهله، حتى بلغت شقيقته عامها السادس والعشرون.

في تلك الآونة، تقدم شاب لخطبتها، وتم تحديد موعد للزفاف والإتفاق على كل شيء، إلا أن عمرو فوجئ في يوم بفسخ الخطوبة قبل عقدها، وشقيقته تتهمه بأنه السبب في تدمير حياتها، بعدما علم خطيبها أن شقيقها عمرو ليس ابنًا شرعيًا لتلك العائلة.

كانت الصدمة شديدة أن يعلم عادل أن هؤلاء ليسوا أهله، وأن أبيه وأمه وجدوه ملقى في أحد صناديق القمامة قديمًا فأخذوه بعدما تكهن أهل المنطقة أنه ناتج عن علاقة غير شرعية، وأعطاه الأب اسمه وكفل تعليمه وإطعامه بالمنزل.

لكن أهل الشاب الذي تقدم لخطبة أخته، حين علّموا من الأب أنه ليس ابنهم وأنه نتاج علاقة غير شرعية رفضوا إتمام الزيجة: "لم أستوعب وقتها ما قيل ليّ، وكيف أصدق أنه بعد 16 عامًا إنني ناتج عن علاقة غير شرعية وأن هؤلاء ليسوا أهلي كما إنني كنت سبب في فشل خطبة شقيقتي أو التي كنت أظنها ذلك".

عادل ليس حالة فردية، فهو نتاج علاقة غير شرعية ضمن 250 ألف علاقة أخرى تتم سنويًا في مصر بحسب نقيب المأذونين، ينتج عنها أطفال مجهولي الهوية ودون نسب، يتلاطمون في الحياة ويصبحون شباب تضمهم أسر حاضنة أو مؤسسات رعاية اجتماعية، وتختلف حكاياتهم في التفاصيل لكن نفس المعاناة.

يقول عادل: "شقيقتي غضبت ورفضت بقائي في المنزل رغم إنها تعلم من البداية إنني لست بشقيقها"، موضحًا أنها عرضت الاختيار على والديها أما بقائها أو بقاؤه في المنزل، وبالطبع رضح الأب والأم لرغبة الفتاه، وقاموا بإرساله إلى منزل عمه (شقيق الأب).

رفض عادل الذي يبلغ الآن 20 عامًا ذلك الأمر وشكر من كان يظنه والده بإنه أعطاه اسمه ويحمل الآن بطاقة وشهادة جامعية، مقررًا الاعتماد على نفسه من الآن: "الحياة كانت أصعب بدون أهلي، تركت التعليم وبدأت العمل من وظيفة لآخرى لكن المستقبل أصبح مظلم فلا أطمح في زواج أو غيره".

وتحذر وزارة التضامن الاجتماعي من أن الزواج غير الرسمي أو غير الموثق "العرفي"، يزج بالفتاة في مشكلات تؤثر على نسب الأطفال، وعلى إثبات حقها فى حقوق الزواج، وتؤثر على الأجيال الناتجة من ذلك الزواج غير الرسمي، إذ يبرم في مصر قرابة 150 ألف عقد زواج عرفي سنويًا بحسب القومي للمرأة.

وتعرف التضامن الأطفال المجهولو النسب هم الأطفال الذين تم العثور عليهم دون أب أو أم بيولوجيين. ولذلك تُطلق عليهم تسمية مجهولي النسب، ويتم إيداعهم دور رعاية تحت إشراف وزارة التضامن الاجتماعي أو لأسر بديلة.

ويتضح عمق الأزمة في إحصاء أصدرته محاكم الأسرة خلال 2020، يؤكد أن هناك 15 ألف قضية نسب لأطفال مجهولي النسب، بينما تؤكد بيانات وزارة التضامن أن الأاطفال في مراكز الإيواء التابعة لها ولدى الأسر البديلة بلغوا 12.336 ألف طفل، إلى جانب 2 مليون طفل في الشوارع بلا نسب.

مصطفى.خ، والذي يبلغ الآن 25 عامًا، هو شاب آخر والذي لا يعرف أصل نسبه أو قصته، إذا قضى 10 سنوات داخل أحد دور الرعاية في منطقة المطرية، ثم تخرج منها ولم يرد استمراره فيها، وعاش طوال تلك الفترة لا يعرف له أب أو أم ولا يملك أوراق هوية وكان يعتني به أهل المنطقة إلى أن أصبح شاب.

يقص ما حدث من البداية قائلًا: "اتولدت في الشارع، مش عارف إمتى تحديدًا، معرفش ليا أب ولا أم ولا ورق، كل اللي عرفته لما كبرت من سكان المنطقة أنهم صحيوا لاقوني في وسطهم، أبويا وأمي رموني نتيجة غلطة بينهم وفضلت في الدار لحد 10 سنين وخرجت وبقى كل الناس أهلي".

ظل عادل في الشارع حتى سن الخامسة عشر، حين أعادته الدار مرة آخرى، وسلمته عقب ذلك إلى أسرة بديلة ظل معهم 5 سنوات، حتى بلغ سن العشرين عام، وبدأ في الاعتماد على نفسه والالتحاق بعدة وظائف تتغير كل فترة.

ولم تقف الدولة مكتوفة الأيدي أمام أزمة الأطفال مجهولي النسب فقد سبق وأصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي، قرارًا جمهوريًا يقضي بمعاملة الطفل مجهول النسب كالطفل اليتيم، وتضمن القرار رقم 15 لسنة 2015، تعريف اليتيم: "كل من توفى والداه أو توفى أبوه ولو تزوجت أمه، أو مجهول الأب أو الأبوين".

كما أصدر الرئيس السيسي، قرارًا بقانون بتعديل بعض أحكام قانون الطفل الصادر بالقانون رقم 12 لسنة 1996، والخاص بتسليم الطفل مجهول النسب لأسرة بديلة، إذ كان القانون ينص على أن يُسلم الطفل في عمر سنتين، وجاء التعديل لتقل المدة إلى 3 أشهر.

فيما تنص المادة ٤ من قانون الطفل والتي تحاول حماية حقوقه، على أن للطفل الحق في نسبه إلى والديه الشرعيين والتمتع برعايتهما، وله الحق في إثبات نسبه الشرعى إليهما بكافة وسائل الإثبات بما فيها الوسائل العلمية المشروعة.

في أغسطس العام 2018، شهدت مصر أكبر قضية لأطفال مجهولي النسب، حين فزع أهالي منطقة المريوطية صباح ذلك اليوم بالعثور على جثث ثلاث أطفال مجهولي الهوية، ملقون على الطريق داخل أكياس قمامة سوداء.

التكهنات الأولى قالت إنهم ضحايا لتجارة الأعضاء، لكن التحقيقات أثبتت شيئًا أكثر رعبًا، إذ أنهم الثلاثة
إخوة من الأم فقط بعد زواج أمهم عرفيًا من ثلاثة أشخاص، وتحقيقات النيابة العامة توصلت في الوقت ذاته، إلى أنها رغبت في التخلص منهم بمعاونة صديقتها وزوجها، عن طريقً قتلهم خنقًا وإلقاء جثثهم أسفل كوبري المريوطية لإخفاء معالم جريمة زواجها العرفي.

ويؤكد الدكتور محمد مهدي، استشاري الطب النفسي، أن الأطفال مجهولي النسب لا تكن حياتهم سوية خاصة في مرحلة الشباب، والتي يتعرضون فيها إلى انتكاسة منتصف الطريق والتي يعرفون فيها أنهم أطفال نتاج علاقات غير شرعية أو مجهولي النسب.

ويوضح أن الحل الأمثل هو إخبار الطفل مبكرًا من الأسرة البديلة أو الدار التي يقطن فيها أنهم ليسوا أبويه ويتم الأمر تدريجيًا إلى أن يشب ويفهم حقيقة الأمور، موضحًا أن الأزمة تكمن في رفض الأطفال حين يصلون إلى مرحلة الشباب فكرة الاستمرار في ذلك المجتمع. 

وفي دراسة أجراها مركز الجبهة للدراسات الاقتصادية والاجتماعية بالقاهرة (غير حكومي)، خلصت إلى أن مصر تشهد سنويًا أكثر من 100 ألف حالة زواج عرفي يتم توثيقها، 70% منها بين طلاب الجامعات، وقدرت الدراسة حجم بيزنس الزواج العرفي بإجمالي ما يتم إنفاقه في شكل مصاريف وسمسرة بنحو 45 مليون جنيه.