رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد زكى 86.. حين تخلق الظروف المحيطة نجمها

أحمد زكي 86
أحمد زكي 86

مرة أخرى يثبت أن الأرشيف أداة لا نتيجة لصنع منتج مختلف، وأن المادة الصحفية وسيلة لا غاية، ويجيب عن السؤال الذي يشغل كل من يتعامل مع الأرشيف الصحفي: كيف تأخذ "المادة" وتخلق منها فكرتك أنت وعالمك وتخرج بمنتج نهائي يخصك وحدك ويختلف تماما عما سبق.. هو الكاتب الصحفي الشاب "محمد توفيق" ولا تستغرب إن قلت (الشاب) فهو لم يبدأ بعد عامه الأربعين رغم تأليفه أربعة عشر كتابا، آخرها كتابه الصادر حديثا عن دار ريشة للنشر والتوزيع تحت عنوان "أحمد زكي 86".

فلماذا أحمد زكي؟ ولماذا 86؟

بداية يجاوب المؤلف على السؤال الأهم الذي يجب أن يسأله كل كاتب لنفسه قبل البدء في الكتابة وهو: لماذا هذا المشروع بالذات وبدوره يسأل توفيق نفسه: لماذا أحمد زكي؟ ولماذا 86؟

ويعدد إجابته عن السؤال الأول في مقدمة كتابه رغم أنه- على حد تعبيره- لا يملك جوابا قاطعا فيجيب مرة "لأنه يسكن في مساحة في القلب لم يذهب إليها فنان سواه" ويجيب مرة أخرى "لأني أشعر أننا مدينون له باعتذار أننا لم نضعه في المكانة التي يستحقها وهو بيننا" وفي مرة أخرى أكثر إيجازا يجيب "لأنه الأصدق" لكن ثمة إجابة لم يذكرها توفيق وهي أن "أحمد زكي" مكمل ومتمم لمشروع محمد توفيق نفسه، فالمشروع الذي ضم (صلاح جاهين، أحمد رجب، الأبنودي، تحية كاريوكا، علي وصفية) لابد أن يستوعب مصري أخر شديد المصرية والانتماء لتراب الأرض والوطن مثل أحمد زكي.

أما عن إجابة السؤال الثاني فقد أختار توفيق عام 86 لأنه واحد من أهم الأعوام في تاريخ أحمد زكي إن لم يكن أهمها، كذلك هو واحد من أغرب الأعوام في تاريخ مصر إذ وقعت فيه أحداث الأمن المركزي وارتفع فيه سقف حرية التعبير خصوصا في السينما والصحافة ولأنه عام فيلم "البرئ" واحد من أبرز أفلام أحمد زكي على الإطلاق، ومن أسباب اختيار هذا العام أيضا وهو ما أشار إليه توفيق بشكل عابر ولم يذكره صريحا أو يتوقف أمامه أنه عام نجيب محفوظ في السينما، وهي إشارة لم يلتفت إليها حتى من كتبوا عن محفوظ، فنجيب لم يكن كاتب الستينات أوالسبعينات فقط كما يظن البعض، فلا تستغرب إن عرفت أنه عرض لمحفوظ في عام 86 ستة أفلام وهم: (الجوع، الحب فوق هضبة الهرم، الحرافيش، التوت والنبوت، وصمة عار، عصر الحب، سعد اليتيم) والطريف أن أحمد زكي شارك في اثنين منها وهم: الحب فوق هضبة الهرم، وسعد اليتيم.

بين السيرة والتأريخ

وبإجابة السؤالين السابقين فيمكنني القول أن كتاب "أحمد زكي 86" يبلور مشروع محمد توفيق كاملا وينصب نفسه بتاج "الملك" وبصنعة "الكتابة"، إذ جمع توفيق في كتابه هذا بين خطين متوازيين كان يسير عليهما في مشواره مع الكتب، الخط الأول هو العمل القائم على الفكرة مثل كتبه الأولى "النحس، مصر بتلعب، الغباء السياسي"، أما الخط الثاني فيبنى على فكرة البطل أو الشخصية المحورية وهي كتب السير الذاتية- وذلك بالرغم من اختلاف الطرق والأدوات التي صاغ بها محمد توفيق سيره- وهي "أيام صلاح جاهين" و"ضحكة مصر.. أحمد رجب" و"الخال.. عبد الرحمن الأبنودي" و"تحية كاريوكا" و"على وصفية"، وبالتالي فقد جمع توفيق بين سيرة أحمد زكي وبين كتاب يحمل في طياته فكرة محورية وهي تأريخ لمصر في عام 86 بكل ما يحمله العام من متغيرات سياسية وإقتصادية وإجتماعية وفنية! 

تكنيك السيناريو وخيال المؤرخ

ويتبع المؤلف في كتابه تكنيك السيناريو، من خلال سرد أحمد زكي لتفاصيل حياته في عام 86 وما أدى إليها عبر النافذة الزجاجية للغرفة رقم "800" بمستشفى "لندن كلينك"، وكأن محمد توفيق يكتب فيلما سينمائيا لا كتابا، أحمد زكي فيه هو نجم الشباك الذي يتصدر الأفيش، والزمن هو عام 1986، والمكان هو الغرفة "800" من مستشفى "لندن كلينك"، والأبطال الرئيسسن هم: "عاطف الطيب، وحيد حامد، صلاح جاهين، هالة فؤاد، نجلاء فتحي، سعاد حسني" وضيوف الشرف هم: "أحمد سبع الليل (البطل الحقيقي لفيلم البرئ)، المشير أبو غزالة، الست وطنية، سناء يونس، وفيق فهمي" وغيرهم الكثيرين.

والحقيقة أن فكرة الخيال حمالة أوجه أو على طريقة توفيق نفسه لها وجهي العملة "الملك والكتابة" فقد يخلق الخيال نصا ممتعا جاذبا للقارئ دون أن يهضم حق القصة الحقيقة وتأريخها الزمني وعلى الطرف الأخر قد يخلق نصا ضعيفا لا تعرف فيه ما الحقيقي وما المتخيل، لذلك ربما يكون الكاتب الصحفي محمد توفيق قد "حجم" أو قلل من مساحة الخيال في كتابه لكي يحافظ على القصة الحقيقة وعلى فكرة التأريخ الدقيق. 

كيف غير أحمد زكي مفهوم النجومية في السينما؟

الكتاب يرصد كل الظروف المحيطة التي جعلت من أحمد زكي نجما سينمائيا لامعا ويؤكد على أن صناعة النجم ليست فقط مجرد دعاية وصور تتصدر الأفيشات في الشوارع أو اللقاءات التليفزيوية كما يظن قليلي الموهبة اليوم، لكن في نموذج زكي فقد خلقت الظروف المحيطة نجمها، بل هي من اختارت زكي عن غيره، فبعد ثماني سنوات من يومي 18 و19 يناير عام 1977، وبعد خمس سنوات من إطلاق الرصاص على السادات، وبعد أن دفعت الطبقة الوسطى تكاليف سياسة الانفتاح التي اتبعها الأخير قبل اغتياله، ثم صارت تدفع بعد ذلك فاتورة أخرى هي فاتورة صندوق النقد الدولي في عصر مبارك، وبعد أن ارتفع سعر لتر البنزين 5 قروش وتذكرة الأتوبيس 15 قرشا ووصل الرغيف الواحد إلى خمسة قروش بدلا من قرشين، بعد كل هذا صار المصريين بحاجة إلى رؤية أحلامهم البسيطة على الشاشة، لا أحلام الشاطر حسن ولا أحلام ساذجة لا تعبر عن واقع متأزم يعيشه المصريين، فالحلم المناسب الآن هو امتلاك شقة غرفتين وصالة، هو الوصول إلى فرخة من الجمعية، هو مياة لا تنقطع أثناء الاستحمام.. ولم تجد هذه الأحلام البسيطة وجها يعبر عنها بكل صدق وواقعية أفضل من وجه الفنان الذي بلغ الأربعين وكأنه بذلك وصل إلى سن "النبوة" الفنية!