رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«مفيش تصوير النهاردة».. تفاصيل خيانة الزمن لرياض القصبجي

رياض القصبجي
رياض القصبجي

[القاهرة ـ 1962]

«هايل يا أستاذ حليم.. براڤو يا نادية.. اتفضلوا.. ساعة راحة، وبعدها نستعد للمشهد القادم» - كانت هذه تعليمات المخرج الراحل حسن الإمام، لفريق عمل فيلم "الخطايا". الآن يتم تجهيز الاستوديو لمشهد آخر، سيظهر فيه لأول مرة ـ بعد الشفاء من المرض ـ الفنان رياض القصبجي، الشهير بـ"الشاويش عطية". بعد دقائق.. الجميع بدأ يعود إلى مكان التصوير. الديكور يتغير، والإضاءة، والإكسسوار، والصوت، والكاميرات.. فريق العمل كله في حالة ترقب، وانتظار، وفرحة، والسبب هو عودة "الشاويش عطية" للوقوف أمام الكاميرا!

***

[ستوديو مصر ـ بعد 10 دقائق]

دخل الفنان رياض القصبجي، ليجد الجميع واقًفا في انتظاره وعلى الوجوه حالة من السعادة مع تصفيق حاد، وسلامات.. وابتسامات.. وأحضان.. و.. و.. «وحشتني يا عم رياض»!

كلاكيت.. مساعد المخرج بصوته المسموع للجميع يقول صارخاً: «اتفضل.. اتفضل يا عم رياض.. الكاميرا معاك». ثم يُعاود النداء قائلاً: «عم رياض.. يا عم رياض»! - عم رياض ليس هنا - أو بمعنى أدق - لم يعد قادرًا على الوقوف أمام الكاميرا، وهو الذي قدم عشرات المسرحيات والأفلام من أول أفلامه: "سلامة في خير" و"علي بابا والأربعين حرامي" و"ليلى بنت الأغنياء" إلى سلسلة أعماله المتميزة مع الفنان الراحل إسماعيل ياسين. اليوم يقف أمام الكاميرا، لكنه ليس قادرًا على الحركة! الدقائق تمر وهو يحاول.. ويحاول.. والنتيجة يفشل في النهاية. قوته الجسدية لا تساعده، والذاكرة تخونه. ولسانه فاقد القدرة إلا على الكلام العادي. هذه اللحظات انتظرها الجميع مع المخرج حسن الإمام حتى طال الانتظار. والسكوت في (اللوكيشن) أحدث حالة من الصمت الحزين! وفجأة بدأت عيون (القصبجي) تهاجمها الدموع! في أثناء ذلك جال ببصره يتذكر أياماً مضت، عندما كان صوته يهز المكان، في ذلك الزمان البعيد الذي كان فيه يصرخ أمام الفنان إسماعيل ياسين قائلاً: "شغلتك على المدفع بورروم" و"بص قدامك يا عسكري رجب" و"اعدل رقبتك يا عسكرى" و"هو بغباوته"! هذه الكلمات وغيرها التي تُعد علامة بارزة في مشواره، وشاهدة على نجاحه، وتألقه أثناء تأدية دور (الشاويش عطية) في أعماله السينمائية الشهيرة مع الراحل إسماعيل ياسين! الآن يتذكرها بحزن وألم! بعد دقائق ـ في الاستوديو ـ انهار الرجل ولم يعد قادرًا لا على الوقوف أمام الزمن، ولا الوقوف أمام الكاميرا، ولا الوقوف أمام دموعه التي تساقطت بغزارة.

المخرج حسن الإمام وقف متأثراً وهو يغالب دموعه هو الآخر قائلاً: "فركش.. مفيش تصوير النهاردة".. ثم تقدم إليه واحتضنه بحميمية شديدة وهو يقول: "الزمن مبقاش زمانا يا قصبجي ..اجلس هنا وارتاح"! وبالفعل جلس الرجل، لكنه منذ هذه اللحظة لم (يرتاح)!؛ وذلك حسبما ذكر الكاتب الصحفي خيري حسن في كتابه "أبي كما لم يعرفه أحد".