رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«إنت شيوعي وابن كلب».. حكايات الولد الشقي مع الصول شاهين

محمود السعدني
محمود السعدني

[سجن الواحات - 1961]

"يعني قالوا لك 5 دقائق وترجع لبيتكم.." - هكذا يسأل (السجان شاهين) محمود السعدني وهما يجلسان في صحراء «سجن الواحات»، تحت أشعة الشمس الحارقة، في أثناء فترة راحة ما بين وجبتين من وجبات الأعمال الشاقة المؤبدة والتعذيب اليومي للمعتقلين.

رد السعدني: - أيوه يا حضرة الشاويش.. قالوا كده!

- "صول..صول يا سيدي..أُمّال متعلمين إزّاي"؟

- ماشي.. يا حضرة الصول.. المهم بعد ما ذهبت للمباحث تم ترحيلنا في «سيارة لوري» كبيرة إلى «سجن القلعة» الرهيب!

***

[معتقل القلعة - بعد أيام ]

توقفت السيارة في ساحة متوسطة، محاطة بالعساكر والضباط، ثم بدأ نزول المعتقلين في طوابير طويلة - كما يقول السعدني: "كان كل طابور مكون من 50 زميلاً، وتصادف أن الذي كان بجواري هو الكاتب أحمد رشدي صالح".

نظر إليه «الصول شاهين» باندهاش وسأله: - "ورشدي صالح ده بيشتغل إيه"؟

- كاتب..يا عم شاهين..كاتب!

هز رأسه بسخرية وهو يقول:

- "طيب كمل لي بقى حكاية سفرياتك لبلاد الله البعيدة.. أنت مش قلت لي امبارح إنك سافرت الهند والسند وبلاد تركب الأفيال، وسافرت كمان إلى جزيرة في البحر كلها نسوان"!

- حصل!

- "وقلت لي اليوم إللي قبله إنك سافرت استراليا وأمريكا والصين، وكمان اليابان"؟!

- حصل!

- "آه.. بس يا حدق.. مقلتليش حاجه عن سفرك إلى يأجوج ومأجوج"؟

- يأجوج ومأجوج ؟!

هنا استغرب السعدني من هذا السؤال المباغت والغريب فرد بدهشة قائلاً: "إيه يأجوج ومأجوج دي؟"..واستفزه سؤالي -كما يقول السعدني- فسألني في حدة قائلاً: - "متعرفش يأجوج ومأجوج؟"، ثم قال وكأنه يحدث نفسه.. "طبعاً ما أنت شيوعي وابن كلب. يأجوج ومأجوج دي مذكورة في القرآن"!

يقول السعدني: سكت ولم أجد ما أرد به ثم كسر هو الصمت الذي خيم على المكان عندما قال: -"تقدر تقولي مارحتش يأجوج ومأجوج ليه"؟. وقبل أن أرد ظهر من بعيد المهندس فوزي حبشي ومعه رسام الكاريكاتير زهدي قادمين بحثاً عن شربة ماء تطفئ نار العطش التي تلهب حلوقهما. وعندما اقتربا سأل السجان شاهين: "مين دول يا واد يا سعدني"؟ رد: "ده المهندس فوزي حبشي!".

- "مهندس"؟

- نعم.. مهندس كبير في الحكومة كمان!

- "شغال في الحكومة.. والحكومة ذات نفسها تحبسه"؟!

- طيب ما أنا كنت شغال في الحكومة وفي صحيفة «الجمهورية» اللي أسسها الرئيس جمال عبد الناصر ذات نفسه، قبل ما يتم فصلي وأذهب للعمل في مجلة «روز اليوسف»، وبرضه اتحبست وجيت هنا قاعد معاك أهو!

- "اخرس يا وله متجبش سيرة الزعيم على لسانك...ما أنت شيوعي..أكيد كنت شغال شغل بطال ضده"!

- بالعكس..يا عم شاهين أنا بحب البلد وبحب الريّس زيك تمام!

- "إخرس يا وله.. قال بيحب الريس قال؟ دانت شيوعي كافر وهتدخل جهنم حتف".

- يا عم شاهين..أنت برضه مصدق إنى شيوعي؟

- "الحكومة قالت إنك شيوعي تبقى شيوعي.. مش عايز كتر كلام.. هصدقك أنت وأكدب الحكومة؟!. وبعدين قولي بيقبض له كام چنيه في الشهر الچدع إللي اسمه حبشي ده"؟

- مرتبه 150 جنيهًا.

- "فى الشهر.. يا خبر أسود.. طيب ده البيه المأمور ذات نفسه ماهيته 40 چنيه.. وأنا نفسي مرتبي 14 چنيه.. أنت شكلك بتستعبط وفاكرني أهبل وهصدقك...عموماً مش ده موضوعنا.. موضوعنا يا حدق إنك تقولي: ليه مسافرتش إلى يأجوج ومأجوج... اوعى تفتكر إني ناسي.. لا.. أنا مصحصح قوي معاك...انطق، سافرت وإلا ما سافرتش؟ آه.. وقولي كمان مين الچدع إللى ماشي مع الأخ المهندس ده كمان"؟

- ده الفنان زهدي!

- "بيمثل في السيما يعني"؟

- لا..ده رسام كاريكاتير ..صحفي زميلي..اسكت يا حضرة الصول...ده بقى كان له حكاية في «معتقل الفيوم»، وذلك حسبما ذكر الولد الشقي في كتابه "الطريق إلي زمش".