رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عمر الخيام.. قصة الشاعر الفيلسوف الذي خرج من الحياة كأنه لم يدخلها

عمر الخيام
عمر الخيام

شهرته طافت الآفاق من خلال رباعياته، والتي ترجمها إلى اللغة العربية لأول مرة شاعر الشباب أحمد رامي، وقدمتها كوكب الشرق أم كلثوم، عام 1950، من تلحين رياض السنباطي، إلا أن "عمر الخيام" أو غياث الدين أبو الفتوح عمر بن إبراهيم الخيام نیسابوري، والذي ولد في مثل هذا اليوم من العام 1048، في مدينة نيسابور.

 كان الخيام عالما في الفلك والفلسفة والفقه، فارسي اللغة، أجاد اللغة العربية ونظم بها بعض أشعاره، وكان السلطان السلجوقي "ملك شاه" يتخذه نديما في مجالس الأنس والطرب والشراب، ولا يجد هو في ذلك غضاضة ولا يراه بعيدا عن مذهبه في طلب اللذة والسكر بها يأسا من طلب الحقيقة واستجلاء أنوارها.

وفي كتابه "الغناء المصري.. مطربون ومستمعون"، يشير مؤلفه المؤرخ الفني كمال النجمي، إلى أن "عمر الخيام نواسي المذهب في الكأس ــ إن صح اجتماع اثنين تفصل بينهما ثلاثمائة عام علي مذهب واحد في الكأس ــ ولكن الثاب أن الخيام قد عاني كأبي نواس يأسا عقليا وروحيا مغلقا من جميع جوانبه٬ وأدار عينيه في الآفاق علويها وسفليها صارخا بأعلي صوت:أين المفر؟. الإنسان العظيم العاقل البارع يشبه في دنياه المصمتة نملة محبوسة في علبة من حديد٬ كيف يطلق نفسه من هذا الأسار الماحق؟ يقول عمر الخيام في رباعياته: لم أشرب الخمر ابتغاء الطرب.. ولا دعتني قلة في الأدب.. لكن إحساسي نزاعا إلي .. اطلاق نفسي كان كل السبب".

ويلفت كمال النجمي إلى أنه "وبمقارنة كلا من أبي نواس وعمر الخيام نجد أنه كان بينهما اختلاف ولكن الغاية الفكرية أو الفلسفية التي انتهي إليها عمر الخيام تجعله وأبا نواس ضائعين بطريقة واحدة. فبعد معاقرة اللذات جميعا٬ بزغت شمس الحقيقة لكل منهما٬ فحاول كلاهما أن يشيح عنها بوجهه٬ ولكن ضوء الحقيقة لا يغمر ناحية واحدة٬ بل يتلألأ في الأفق كله٬ وتمثلت حقيقة الدنيا المخوفة لكل منهما في صورة الموت٬ يضع حدا للحياة بخيرها وشرها٬ ويخت كل انتصار أو نجاح بالخيبة التي لا حيلة فيها٬ ويذيب عظام الأمير وعظام الفقير في التراب٬ كأنه يذيبها في إناء مليئ بالأحماض: أفنيت عمري في أكتناه القضاء .. وكشف ما يحجبه في الخفاء.. فلم أجد أسراره وانقضي .. عمري وأحسست دبيب الفناء".        

وواصل "ولم يكن ممكنا أن تتمثل لهما الحقيقة إلا كذلك، وهما في أعماقهما ــ برغم كل العواصف الفكرية ــ مسلمان مؤمنان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وإن قال عنهما بعض معاصريهما إنهما دهريان أو زنديقان  أو منحرفان عن سواء السبيل".

واستطرد “وبعد انتهاء الحياة في اللذات المريرة أو الصبوات الأليمة، لحظة بعد لحظة، ويوما إثر يوم، لم يبق من عمل تقدر هذه الحياة المنهكة المسحوقة علي أدائه إلا أن تنتهي٬ ولم يبق إلا أن تتحول الصداقة الوطيدة بين النواسي وبين الحياة، أو بينها وبين عمر الخيام٬ إلي عداوة طاحنة لا يقدران علي الصمود في هولها”.

وتابع "لما تمثلت له نهاية الحياة وحقيقة الحياة لأبي نواس، ذرفت عيناه يأسا واستسلاما وقال: ألا كل حي هالك وابن هالك.. وذو نسب في الهالكين عريق.. فقل لقريب الدار إنك نازح.. إلي منزل نائي المحل سحيق".
 

وانتهى "ثم توفي مجهولا لا يعرف أحد متي توفي، ولا أين، ولا كيف أنسدل عليه الستار الأخير. أما عمر الخيام فإن الحقيقة تمثلت له في نهاية الحياة٬ فتوضأ وصام عن الطعام والشراب٬ ثم سجد لله مستغفرا وخرج من الحياة كأنه لم يدخلها".