رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طارق فهمي: مخطط «الفوضى الخلاقة» يهدف لإيجاد أنظمة عميلة لأمريكا وإسرائيل (حوار)

الدكتور طارق فهمى،
الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

قال الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن بعض الأعمال الدرامية المصرية المعروضة ضمن الموسم الرمضانى حملت رسائل سياسية واضحة، تستهدف إعلام الرأى العام والأجيال الصاعدة بحقيقة ما تعرضت له مصر والمنطقة على مدار السنوات الماضية، مشيرًا إلى أن المنطقة تعرضت لمخططات شيطانية، تحت مسمى «الفوضى الخلاقة»، بهدف تقسيمها وإيجاد أنظمة عميلة تعمل لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.

وأوضح «فهمى»، خلال حديثه مع «الدستور»، أن مصر كانت الدولة الوحيدة، من بين الدول التى استهدفها المخطط، التى نجت من مخطط الفوضى، بعدما نجحت فى إعادة بناء مؤسساتها والحفاظ على تماسكها وإجراء إصلاحات قوية بها، لافتًا إلى أن العديد من الدول العربية، ومن بينها ليبيا وتونس والسودان، تسعى لاستلهام التجربة المصرية والاستفادة منها قدر الإمكان، رغم صعوبة أوضاعها وتعقيدها.

 

■ بداية.. كيف ترى تناول بعض الأعمال الدرامية المصرية للأحداث التى مرت بها مصر والمنطقة على مدار السنوات الماضية؟

- فى تقديرى، هناك رسائل سياسية واضحة فى هذه الأعمال الفنية يجب النظر إليها قبل أى رسائل أخرى فنية، فالأحداث فى مسلسلات مثل «هجمة مرتدة» و«القاهرة كابول» «والاختيار ٢»، مرتبطة بالمناخ العام، والأبعاد السياسية والمخططات التى استهدفت دول المنطقة بما فيها مصر.

ويلاحظ أن هناك حرصًا واضحًا من قبل صناع هذه الأعمال الفنية على إعلام الرأى العام فى مصر وتعريف الأجيال الصاعدة بحقيقة ما جرى خلال السنوات الماضية، وتصحيح المفاهيم ونقل الصورة الحقيقية عن استهداف مصر والإقليم، خاصة أن جزءًا من أحداث الفوضى فى مصر والمنطقة العربية مرتبط بمخططات شيطانية، لكن نجحت أجهزة المعلومات ومؤسسات الدولة المصرية فى أداء دورها وحماية الوطن مما كان مخططًا له.

وما تقدمه الدراما المصرية هو تعريف بجزء بسيط مما حدث، وما كان مخططًا له، ولاعتبارات متعلقة بالأمن القومى لم تعرض الأعمال الفنية كثيرًا من الأحداث ولا حقيقة كل ما جرى، لأن ما قامت به أجهزة المعلومات من جهود لإحباط مثل هذه المخططات هو أكبر من ذلك، لذا اكتفت هذه الأعمال بنقل جزء من الصورة، لإعلام الأجيال الصاعدة بما بذلته مؤسسات الدولة فى مواجهة المخططات التى كانت تستهدفها، ومحاولة اختراق الدولة وإسقاطها.

■ يرجع كثيرون ما حدث فى المنطقة إلى السياسة التى اصطلح على تسميتها بـ«الفوضى الخلاقة».. فمن يقف وراء ذلك؟

- الشائع أن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس هى من أطلقت مصطلح «الفوضى الخلاقة»، لكن هذا المصطلح ظهر قبل ذلك ضمن مخططات تقسيم منطقة الشرق الأوسط، وكان هناك كتاب وأكاديميون أمريكيون وإسرائيليون روجوا لها، من بينهم السياسى والكاتب برنارد لويس، وهو مفكر صهيونى كبير وصاحب فكرة تقسيم المنطقة وإحداث الفوضى بالمجتمعات العربية وإعادة تفكيكها وتقسيمها لصالح الدولة العبرية.

وهناك أيضًا الكاتب جين شارب، الذى ادعى بعد أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١ فى مصر أنه هو من قام بالثورة فى ميدان التحرير لا الشباب، دلالة على تأثير ما كتبه بهذا الخصوص، بعد ترجمة مؤلفاته التى تحدث فيها عن كيفية إنهاك مؤسسات الدولة، ووضع مخططات إحداث عمليات الفوضى بشكل مؤسسى وهيكلى.

■ لماذا ارتبطت فكرة «الفوضى الخلاقة» باسم كونداليزا رايس بالتحديد؟

- لأن كونداليزا رايس، باعتبارها وزيرة الخارجية الأمريكية وأستاذة علاقات دولية، طرحت الفكرة، ونال مصطلح «الفوضى الخلاقة» هذه الشهرة الكبيرة بسببها، لكن هناك أكاديميين فى جامعات كبرى مثل «هارفارد»، وخبراء فى الانقلابات العسكرية، روجوا لفكرة إحداث انقلابات فى الدول المعادية، التى تمثل خطرًا من وجهة نظرهم.

لكن يجب أن نوضح أنه لا توجد فوضى خلاقة وأخرى غير خلاقة، لأن الهدف هو استخدام بعض الأدوات والأذرع لإيجاد أنظمة عميلة وتابعة تعمل لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، وتحقق مصالحهما.

■ كيف بدأ العمل على خلق الفوضى فى المنطقة العربية؟ 

- لتحقيق هذا الأمر تم تدريب وتجنيد شباب من داخل الدول المستهدفة وبناء أكاديميات فى عدد من الدول الأوروبية والعربية، وبعض دول الجوار الداعمة لمثل هذا الأمر، لصناعة البدائل السياسية التى ضمت شبابًا ونساء لا دخل لهم بالسياسية، وتم طرحهم كوجوه سياسية جديدة، سواء ليبرالية أو يسارية أو غيرهما من التيارات، بهدف إسقاط الأنظمة.

وعقدت هذه الأكاديميات مؤتمرات ولقاءات خاصة بهذا الشأن، وتدخلت سفارات دول أجنبية لتحقيقه على أرض الواقع.

■ كيف نجحت مصر فى مواجهة مخطط الفوضى؟

- استطاعت مصر رصد كل ذلك عبر أجهزة الأمن والمعلومات، وهذا يوضح سر استهداف جهاز أمن الدولة فى مصر بعد ٢٠١١، وذلك لأنه كان متابعًا لهذه الأنشطة ورصد عمليات التجسس، التى أعلنت مصر عن بعضها فقط، مع التحفظ على كثير منها لاعتبارات تخص الأمن القومى.

■ ما الدول الأخرى التى نجحت فى تجاوز المخطط رغم استهدافها؟

- الدول الملكية مثل دول الخليج العربى والأردن والمغرب ظلت عصية على مخططات الفوضى، وذلك عبر فكرة التحفيز المالى وتقديم المساعدات، وذلك رغم ما شهده بعضها، مثل الأردن، من حراك اجتماعى وشعبى، حتى أن الشارع طالب بتطبيق نظام ملكى دستورى هناك، كما بدأ الحراك فى المغرب، رغم أن المكون الإخوانى كان ولا يزال موجودًا فى الحكم.

وبشكل عام، واجهت الممالك العربية مطالبات بتعديل أنظمة الحكم، لكن اختلف وضع كل حالة عن الأخرى، إلا أنها ما زالت متماسكة، واستطاعت حتى الآن تجاوز كثيرا من المخططات التى كانت تستهدفها.

■ ماذا عن الدول التى أخفقت؟

- لدينا حالات كثيرة نجحت فيها هذه المخططات مثل ليبيا، والأوضاع فيها ما زالت مستمرة حتى اليوم، فلدينا الآن ليبيا شرقية وأخرى غربية، فى مخطط تقسيم واضح، كما أن لدينا سوريا، التى بذلت فيها مجهودات ضخمة لإسقاط الدولة، إلا أنها ما زالت قائمة، لكن مقابل تكلفة عالية لبقاء الرئيس بشار الأسد فى السلطة، والحدود التى رسمت بالدم فى سوريا ما زالت مستمرة حتى الآن، والنظام السورى لا يسيطر إلا على ما يعرف باسم «سوريا المفيدة»، التى تضم ٤ مدن رئيسية، أما الباقى فيخضع للتقسيم فعليًا، فى ظل تواجد كثير من الدول فى سوريا، مثل إيران وروسيا والولايات المتحدة ودول إقليمية أخرى، بخلاف الجماعات والتنظيمات المسلحة مثل «حزب الله» اللبنانى.

أما الحالة الثالثة فهى اليمن، الذى حدثت فيه فوضى مباشرة مع ظهور جماعات العنف والإرهاب مثل تنظيم «داعش» وغيره، ولدينا العراق وكذلك لبنان اللذان يعيشان فى حالة من الفوضى وانتشار الجماعات المسلحة والإرهابية، مع السعى المستمر لإسقاط أنظمتهما السياسية وإقامة أخرى بديلة تعمل لخدمة مصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.

ولدينا أيضًا تونس، التى لم تستقر منذ ١٠ سنوات حتى الآن لاعتبارات كثيرة، وليس فقط بسبب ما تقوم به حركة «النهضة» فيها.

وإجمالًا، يمكن القول إن الدولة الوحيدة التى استقرت ونجت من المخططات هى مصر، التى نجحت فى إعادة بناء المؤسسات والحفاظ على تماسكها وإجراء إصلاحات قوية بها، لكن باقى الدول التى استهدفتها من قبل مخططات الفوضى تضررت كثيرًا وما زالت.

■ هل يمكن أن تستفيد الدول العربية المتضررة من مخططات الفوضى من التجربة المصرية؟

- الجميع يريد استلهام التجربة المصرية والاستفادة منها قدر الإمكان، لكن هذا الأمر صعب، وكل حالة لها وضعها الخاص والمعقد.

فليبيا مثلًا وضعها صعب ومرتبك، ولولا وجود مصر لساءت الأمور أكثر، لأنها تحاول إعادة بناء الدولة الليبية ومؤسساتها فى مواجهة الجماعات الإرهابية، فى ظل مساعى تقسيم ليبيا إلى دولة فى الشمال هى طرابلس وأخرى فى الشرق هى برقة وثالثة فى الغرب هى فزان.

وكذلك تسعى مصر لدعم إعادة بناء الدولة السورية، ومؤخرًا زار الرئيس التونسى قيس سعيد القاهرة على مدار عدة أيام، وأراد الاستفادة من التجربة المصرية التى أشاد بها بقوة.

وأيضًا السودان يريد الاستفادة من خبرات مصر وتجربتها فى الإصلاح الاقتصادى، وهو أمر صرح به رئيس مجلس السيادة الانتقالى السودانى الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وكذلك رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، خلال زيارتهما إلى مصر وخلال زيارات المسئولين المصريين إلى الخرطوم.

كما أن العراق طلب خبرة مصر فى مواجهة الإرهاب، وتطبيق الإصلاح الاقتصادى والتطوير الإدارى، وهو ما أكد عليه رئيس الوزراء العراقى مصطفى الكاظمى فى لقاءاته مع الرئيس عبدالفتاح السيسى.

لذا، فإن الدول العربية تريد الاستفادة من التجربة المصرية فى العديد من النواحى، لكن كل حسب حالته ووضعه الخاص.