رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أبريل والسفر إلى أمى «نوال» لاحتضانها تحت التراب إلى الأبد


أبريل والسفر إلى أمى «نوال» لأحتضنها تحت التراب إلى الأبد، عدت يا أبريل، شهر ميلادى، بأى وجه تمر على صومعة اعتكافى، تطرق الباب، تدخل بيتى، تلتصق بملابسى، تقفز على خيالى، تشوش على أفكارى؟.
هل قررت أخيرًا أن تعدل ميزان الكون وتنصفنى؟ أم أنك ما زلت وفيًا لما خُلقت له؟ عدت يا أبريل يا شهر ميلادى تعبر البحور وتتسلق الجبال وتقفز فوق الأسلاك الشائكة وتتسلل عبر الحدود بدون تأشيرة دخول كمهاجر غير شرعى لكى تفى بموعدك؟
بينما تعلم علم اليقين أننى سافرت دون عودة إلى أمى «نوال»، لأحتضنها إلى الأبد تحت التراب، «التراب» الذى يثبت كل يوم أنه أنظف وأرقى من العالم الذى يعيش فوقه، عدت يا شهر ميلادى تقحمنى رغمًا عنى فى موسم الربيع وأنا امرأة خريفية المزاج شتائية الهوى.
فى الربيع لا أجد لى وطنًا أو بيتًا أو مخبأ يصد عنى الأتربة، يحمينى من تطفل الشمس وصخب البشر والألوان ورائحة الأطعمة المملحة وفوضى الفرح المفتعل، لا شىء فى الربيع يشبهنى، يسعدنى، يسد نقصًا فى روحى.
جئتنى حاملًا الزهور وكتب الشِّعر والعطور ومقولات الحكمة التى نسيتها، أهى «رشوة» لكى أفرح وأغنى وأرقص وأقدم لك أشهى المأكولات وألذ المشروبات؟ لا أحد يهنئنى إلا الأصدقاء القدامى الأوفياء لا يموتون ولا يختفون.
«الأشجار» تهنئنى قائلة: «قلبك رغم الألم، طازج، أخضر، جذورك ثابتة فى الأرض، أغصانك تلامس السماء، كل أبريل وثمارك شهية مثمرة يقذفها بالحجارة أعداء الحرية والعدالة والحضارة.. تهب عليكِ الأعاصير وأنت شامخة غير خائفة، وحين تشتهين الرحيل تموتين مثلى واقفة».
من شواطئه الفيروزية البعيدة يهنئنى «البحر» قائلًا: «كل أبريل وأنتِ سمكتى الحبيبة السابحة ضد تيارات الكذب وتصحر المشاعر، تعجز دوامات الذكورة أن تشدك إلى أسفل.. لا يغرقك مد العنصرية الدينية الدموية».
كل أبريل وأنتِ تقفزين إلى أحضانى ولا تسألين مفتى الديار: هل سباحة النساء بدون المايوه الشرعى حلال أم رجس من عمل الشيطان؟ وهل النوم معى على الرمال حنين فطرى لعناق الشمس أم ازدراء فاضح للأديان وإساءة للرسل والأنبياء، خلوة غير شرعية تزيد من عدد أطفال الشوارع اللقطاء؟.
أما «هو» يرسل تهنئته: «كل أبريل وأنا ملك أصابعك وقتما تشائين وكيفما تريدين.. أبدًا لن أتخلى عنكِ لن أخذلك، لن أطالبك بعمل حسابات وقول الحقيقة بالقطارة وبالتقسيط.. ابقى كما أنت عصية على سماسرة الأديان والنساء والأوطان كافرة بسلطات الكهنوت الإبداعى مانحى الجوائز والتكريمات والتأبينات خالية الحزن».. هذه كلمات «قلمى».
على نار هادئة أسمع فنجان القهوة.. «سأبقى دائمًا المرتشف الأول لنزيف كلماتك ورحيق قصائدك.. كل أبريل وأنا أستعذب رفقتك حين يستعصى أو يرق الإلهام أحتضن شرودك وحيرتك عندما تهرب البدايات، أحزم حقائبى وأذهب معك لاصطياد عصافير الدهشة والبحث عن تأملات نائمة فوق الشجر وخيال جامح يحذره البشر».
والتهنئة الأخيرة من قلبى: «يأتى أبريل دائمًا وأنتِ عاشقة بلا عشيق، زوجة بلا زوج، أم بلا ذرية، أرملة بلا راحل، مريضة بلا داء، محلقة بلا أجنحة، لحن دون غناء، أنتِ البكر البتول بلا عذرية، وأنتِ الجُرح الغائر دون دماء، حينما تتذكرين أن الحياة حرث فى الماء، طيف منام ودخان فى الهواء لا تجزعى ولا تهربى».
كل أبريل وأنتِ فى استغناء عن مضادات الاكتئاب فى عالم بضاعته الرائجة هى الاكتئاب ومضادات اليأس على كوكب يأس من الدوران ومضادات التجاعيد ومضادات انحدار الأخلاق فى عالم سحب كل أرصدته الأخلاقية ويأبى إعلان الإفلاس ويعظنا بالصراط المستقيم.
بعد اختفاء أمى «نوال» أجمل أم فى عيد الأم، الأحد 21 مارس 2021، صانعتى وملاذى، حبيبة عقلى وحبيبة روحى وحبيبة جسدى، تعبت لأرتاح، شقيت لأفرح، الزاهدة، الجسورة، عزيزة النفس والكبرياء، متفردة الإبداع والتمرد والأمومة، الدافئة، السخية، حجبت آلامها لأنام الليل فى سكون وهدوء، كنت لديها أجمل وأهم ابنة فى الكون، لم يعد شىء فى العالم ولا أحد يهمنى، تحررت من كل الأمنيات والرغبات إلا أمنية ورغبة السفر إلى «أمى»، لأحتضنها إلى الأبد تحت التراب.
بعد «نوال» أمى لا بيت ولا وطن لى ولا عزاء.
من بستان قصائدى
راهنت على آلاف الأشياء
لم يربح فى السباق
إلا حصان «التمرد»
راهنت على مليون امرأة
لم تفز سوى منْ كانت قمة «التفرد».