رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا نُغلق بابًا من أبواب التنوير؟



جيوش شمس الثقافة والتنوير تفتح الأبواب لتغذى الروح والعقل والقلب والوجدان بالرسم والتصوير والنحت والموسيقى والغناء والفنون الشعبية والفلكلورية والسينما والمسرح وفنون الرقص الشعبى والباليه وتغطس النفس البشرية لتنهل من بحور الشعر، وتلتقط لآلئ الأفكار والثقافات والحضارات من خلال ندوات لكبار المفكرين والمبدعين من مصر وكل أنحاء العالم لتبادل الثقافات وتأصيل الفنون والحضارات.
ومصر بلدنا البهية تضم منذ القدم صالونات الثقافة وقاعات السينما والمسرح ومختلف المؤسسات الثقافية منذ الرسم على جدران المعابد والمقابر فى مصر الفرعونية، وتبوأت منذ أوائل القرن الماضى الريادة فى نشر الفنون وإنشاء صروح ثقافية فى البلدان العربية، وكان لذلك التأثير الأكبر فى صياغة فكر ووجدان الشعوب العربية عبر الزمان والمكان.
وفى الوقت الذى نسعى فيه لاستئصال جذور الفكر المتطرف التكفيرى والإرهابى «الذى يؤسس لتفتيت وتقسيم الأوطان ونشر الإرهاب وتكون من نتائجه إشعال الفتن والصراعات وتعطل مسيرة النمو والرخاء والنهضة والتقدم والبناء» ونسعى لمواجهة الإرهاب فى بلادنا بالمواجهة الأمنية والتنموية والثقافية، نجد من يحملون المعاول لهدم الصروح الثقافية المنيرة حتى نغرق فى بحور التخلف والظلام.
الثقافة وإتاحتها لكل المواطنين والمواطنات عبر بر مصر دون تمييز حق دستورى أكد عليها دستورنا المصرى فى الباب الثانى «المقومات الأساسية للمجتمع» فى الفصل الثالث «المقومات الثقافية» فى المواد من ٤٧ إلى ٤٩ التى نصت على التزام الدولة بالحفاظ على الهوية الثقافية المصرية، وعلى أن الثقافة حق لكل مواطن وإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها دون تمييز، كما أكدت التزام الدولة بحماية الآثار والحفاظ عليها ورعاية مناطقها. ونصت المادة «٥٠» على «تراث مصر الحضارى والثقافى، المادى والمعنوى، بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى، المصرية القديمة والقبطية والإسلامية، ثروة قومية وإنسانية، تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته، وكذا الرصيد الثقافى المعاصر والمعمارى والأدبى والفنى بمختلف تنوعاته، والاعتداء على أى من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون وتولى الدولة اهتمامًا خاصًا بالحفاظ على التعددية الثقافية فى مصر».
عندما نذهب معًا عزيزى القارئ وعزيزتى القارئة إلى مدينة الإسكندرية عروس البحر المتوسط تهب علينا نسمات البحر بهوائها وعبيرها وتجتذبنا فى نفس الوقت الصروح الثقافية والتراثية المتعددة من مسرح سيد درويش للأوبرا لقلعة قايتباى، وتتجه العينان والأذنان إلى شتى أنواع الفنون بأتيليه الإسكندرية، ذلك الصرح الثقافى العملاق والمشيّد منذ أكثر من مائة عام بطرازه المعمارى الفريد وفنونه المتنوعة فى حجراته المتعددة.
وفى بستان الأتيليه الفنى ورود جمة، جميلة الألوان سأخص منها ما تم فى العقدين الأخيرين اللذين أتيح لى أن أذهب فيهما إلى بعض من الأنشطة التى يزخر بها الأتيليه عبر أروقته وذلك بدعوة كريمة من رئيسه الدكتور محمد رفيق خليل، العاشق تاريخ مصر وتراث مصر وحضارتها وفنونها وموروثاتها، والمشارك فى تقديم هذه الثقافة لكل دول العالم، ولم يألُ جهدًا «رغم مسئولياته الكثيرة كأستاذ جراحة بجامعة الإسكندرية والنقيب السابق لأطباء الإسكندرية، بجانب المشاركة فى الأبحاث والندوات العلمية فى الداخل والخارج» لم يبخل بجهده وصحته ووقته ومعه صحبة من قامات ثقافية لجعل أتيليه الإسكندرية منارة ومنبرًا من منابر الإبداع.
لم يقتصر عمل الأتيليه على صالونه التنويرى الشهرى وملتقى الأدب والسينما ولكنه حرص على:
إقامة المؤتمرات فى المناسبات القومية مثل مئوية ثورة ١٩١٩، ومئوية ميلاد الزعيم جمال عبدالناصر، و٥٠٠ عام على الغزو العثمانى، وذلك بجانب إقامة مؤتمر كل ٦ أشهر يشارك فيه المثقفون المصريون والعرب والأجانب، يتناول موضوعات متنوعة منها «مستقبل الثقافة وثقافة المستقبل، والمؤتمر القومى للنقد التشكيلى» وسأقدم لكم فى السطور التالية بعضًا من أنشطة ذلك الصرح الثقافى العظيم:
إقامة ورش دولية للفنانين الشباب وللمرأة المبدعة، وورش عمل للتصوير والنحت والخزف- ومن المعروف أن الأتيليه لديه فرن خزف على مستوى عالٍ- والتصوير الضوئى ويعتبر نادى كاميرا أتيليه الإسكندرية أقدم ناد فى مصر للكبار والصغار، بالإضافة لدورات تثقيفية وفنية للأطفال.
تقديم نادى سينما الأتيليه، المقام من سبعينيات القرن الماضى، أفلامًا متميزة كل أسبوع مع إعداد دراسات عنها ومناقشتها بحضور النقاد والمبدعين، واستضافة عدد من كبار المخرجين، منهم يوسف شاهين وصلاح أبوسيف وعلى بدرخان وداود عبدالسيد ومحمد القليوبى، بجانب عمل أسابيع للسينما العربية والعالمية فرنسية وإسبانية وروسية وسورية وألمانية.
عقد ندوات تثقيفية بمشاركة العديد من الجمعيات وكبار المثقفين، مع تقديم معارض فنية لكبار وشباب الفنانين والفنانات، مصريين وأجانب.
ومن الجدير بالذكر أن أتيليه الإسكندرية يمثل دول جنوب المتوسط فى BJCEM بينالى شباب أوروبا والبحر المتوسط ويشارك فى إرسال فنانين شبان فى الفنون التشكيلية والموسيقى والمسرح والشعر كل عامين للالتقاء مع الأوروبيين والعرب فى مدينة متوسطية «عدا إسرائيل فهى ممنوعة من الحضور». كما يشارك الأتيليه فى الملتقى الدولى للفنون والوسائط المتعددة RAMI ويشارك أيضًا فى شراكة مع عدد من المؤسسات الثقافية فى مصر والعالم مثل أتيليه القاهرة، وبيروت التراث، ودوار الشمس اللبنانية.
هل بعد كل ذلك نترك قلعة من قلاع التنوير ليأخذها الورثة؟
أين دور الدولة فى الاهتمام باستمرار منابر الثقافة والتنوير والحفاظ على هويتنا وتراثنا؟
إننى أناشد وأطالب وزيرة الثقافة الفنانة الدكتورة إيناس عبدالدايم وكل المسئولين فى بلدنا الحبيبة مصر والذين عليهم صون روح مصر وفنونها وحضارتها بأن يتحركوا لوقف انتزاع هذا الصرح الكبير، وبالتالى إغلاقه ووقف نشاطاته. وأناشد وأطالب كل المدافعين عن فنون مصر وصروحها الثقافية بأن يرفعوا صوتهم عاليًا لإنقاذ قلعة الثقافة والفنون، أتيليه الإسكندرية، وعدم المساس به حتى لا تضيع هويتنا ونغرق فى ظلام التخلف.