رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«رحلة أمل».. مبادرات لدعم مرضى السرطان فى رحلة الصمود أمام الألم

مبادرات لدعم مرضى
مبادرات لدعم مرضى السرطان


«حبيبتي من ضافيرها طل القمر.. إنثري شعرك حولي إنثريه».. كثر من أبيات الشعر والقصائد التي تتغزل في شعر المرأة من العصور الجاهلية وحتى الآن، وليس الشعر وحده الذي احتفى بخصلات الفتاة كعلامة لأنوثتها، فالجدريات المنتمية لمختلف الحضارات زُخرت برسومات لشعر المرآة.

لكن مريضات السرطان والمحاربات في حرب ضاروس ضده لا يستطعن الإجابة على نزار قباني حينما سأل محبوبته: «إن سألوك كيف قصصت شعرك الحريرا؟» بأن محبوبهم يريده قصيرًا، فالكيماوي هو ما يقتلعه من جذوره، ويمحى في طريقه ملامح صاحبته، وكان من بين اللاتي شهر بطمس كل ما يجعلها أنثى في عين ما حولها مروة يونس.

وفي اليوم الخامس من شهر فبراير، خُصص العالم كي يحتفي بمرضى السرطان وصمودهم أمام هذا المرض الفتّاك الذي ينهش أجسادهم من اللحظة الأولى لمهاجمته، حتى في رحلة الصمود التي تمر بمراحل يتخللها الألم أن كان بها جراحة أو جرعات كيماوي يحرق الجسد لحظيًا، ولذلك نذكر بعض المبادرات لدعم مرضى السرطان في رحلة الصمود أمام الألم.

بدأت رحلة مروة صاحبة الـ32 عامًا مع السرطان من منتصف عام 2017، حيث أصيبت به في الثدي وأول محاولات العلاج بدأت بجراحة واستأصله كاملًا، ومع جلسات الكيماوي والعلاج الإشعاعي فقدت شعرها، وهنا شعرت أن حياتها الزوجية التي قد بأت توها ونجم عنها طفلين كادت أن تنتهي لكن ظل زوجها لجورها يشعرها أن وجودها لا يتوقف على شعر ونهدين.

لكن كانت تشعر بالخجل دومًا عند زيارة أهلها أو أقراب زوجها إليها، فلا تريد أن تستقبل منهم آي مشاعر استعطاف، فاضطرت في البداية إلى لبس الحجاب أمامهم لكن لعدم اعتيادها على ارتدائه، حاولت شراء "باروكة" الشعر الطبيعي لكنها صدمت بسعرها المتجاوز الـ18 ألف جنيه، أو المستوردة المصنعة من الألياف الطبيعية تزيد عن خمسة آلاف جنيه، فلا يصلح لمرضى السرطان ارتداء الباروك الصناعية لتفاعلها من العلاج الكيماوى، خاصة في حالتها حيث أصابها السرطان مرة أخرى في الكبد.

تحكي " مروة" أنها حاولت الاستغناء عنها برسم "وشم" يشغل رأسها بالكام وعاشت به لفترة لكن وجدت أن الشعر لا غنى عنه، ومن ألمها في الحصول على شكل يحفظ أنوثتها، دشنت مبادرة "خصلة خير" بشعار قص وفرح.

وتستكمل أن هدفها كان جمع خصلات الشعر من المتبرعين وتصنيعها كي تصلح كباروكة لغير المقتدرين من مختلف المحافظات، ومن هنا بدأت رحلتها التي جابت كل البلدان، ودامت على هذا الحال نحو عامين، فعانت الإرهاق البدني والجسدي خاصة مع خصوعه للعلاج، حتى أصبح لديها مندوب في كل محافظة يجمع الشعر ويأتي به للقاهرة حيث تكفل أحد المصانع بتشكيله دون مقابل.

وبلغ عدد متطوعي المباردة 30 شخصًا، بينهم محمد منير الكوافير الذي تكفل بالسفر لقص الشعر من أي متبرع كي يصلح للاستخدام مرة أخرى، ويقوم بجمعه على على هيئة ضفائر وضعًا إياه في أظرف ورقية مدون عليها اللون والطول، فيما بلغ عدد أن المتبرعين قرابة ثلاث آلاف، صنعوا من خلالهم 20 باروكة حيث تتاألف الواحدة من خصلات 17 فردًا، وفي طريقهم لاستكمال الباقية.
توضح "مروة" أن أحيانًا يكون المريض في حاجة ماسة لواحدة ولا يستطيع الانتظار فتعتمد على التبرعان النقدية وشراء واحدة جاهزة وهكذا استفاد 105 محاربات للسرطان، لكن طوال هذا المشوار هناك قصص لا تستطيع نسيانها ولامست قلبها، أكثرها إيلامًا كانت إيمي أحمد، صاحبة الـ 23 عامًا، والمصابة بسرطان في العظام، واحتاجت باروكة بلون شعر معين لكن لم تستطع توفيها بعد أن خطفها شبح الموت.

سحر شعبان.. من المريضات التي تذكر "مروة" أنها تشجعت للاستمرار في المبادرة لأجل مثيلاتها، فقصتها بدأت بالإصابة بسرطان الثدي والرئة في عمر الـ38 عامًا، لكن بعد فقدها للشعر بدأت المشاكل بين زوجها وأهله ومعايرتها فتركت المنزل، وكانت الباروكة حلًا كي تعود لمنزلها واثقة في جملها.
«بنكي».. مبادرة وردية لمحاربة السرطان بالدعم النفسي

مريض السرطان يكون أضعف ما يكون بدنيًا نتيجة العقاقير والجلسات التي يخضع لها، لكن معاناته النفسية تفوق هذا بأضعاف؛ ففي النهاية هُو يصارع الموت كل لحظة، وأن لم يعْرف مِن حوله ضعفه النفسي هذا الأمر ويدركه، يدخل في نوبات اكتئاب من الوارد أن تُفشل علاجه، وهو ما أدركته جيهان الأصيل في رحلتها مع سرطان الثدي.

بدأ كفاحها ضد السرطان في عام 2016، وكان التدخل الجراحي باستئصال ثدييها كليًا أول خطوات العلاج، ومن ثم جلسات الكيماوي والإشعاع، ما عاونها في البداية هُو مرافقة زوجها لها في كافة الخطوات وانتظاره بجورها أثناء التواجد في حجرة العلاج، وبالتدريج بدأت تكون صداقات مع ذويها في المستشفى، لكن على العكس تمامًا كانت معانتهن من تخلي أقاربهن عنهن والعديد طُلقنَّ مع أول ظهور لآثار العلاج.


تروي جيهان أنه في هذه اللحظة قررت أن تعتمد على نفسها في الذهاب والإياب من الجلسات كي لا يشعرن بالفرق، ومن هنا حاولت استخدام دراستها في الطب النفسي وعلم الاجتماع لدعم المريضات، فكانت تنتهي من علاجها وعلى الفور تقوم بجلسات دعم نفسي لكل من حولها.

استفادت من آلمها ومعاناتها مع السرطان فحورته لعلم ينفع المريض على الشفاء، فبدأت بدراسة كافة العوامل التي تساعد على العلاج والاستشفاء بشكل كامل ومنها التغذية المناسبة والمعاملة النفسية الملائمة كي يتجاوز المرض ويعامله كي أزمة أخرى.

بعد أن أنهت جلسات الكيماوي في سبتمبر 2016، تلقت دبلومة متخصصة في علاج الصدمات وتأثيرها على الجسد، ودراسات في تأثير الفن والسيكو دراما على العلاج وأخرى في تدريب المدربين كي تتمكن من إدارة جلسة علاج نفسي، وزارت المستشفيات والأماكن التي تعالج المريضات من السرطان في القاهرة، فوجدت أن هناك 19 مستشفى تقوم بهذا النشاط، لكن يفتقر معظمها لوحدات الدعم النفسي ماعدا مستشفى بهية و75375، وبعدما شاهدت الفارق بين مرضى هذين المكانين وعداهم قررت إطلاق مبادرة للدعم النفسي لمرضى السرطان، ومنحتها اسم "pinky" أو ""بينكي" فهو اللون المميز لسرطان الثدي التي عانت منه والورث عامة من الألوان المبهجة.

تذكر جيهان أن صديقتها نيرمين هي أول من شجعها على أن تخطو تلك الخطوة فكانت تعاني من الوحدة والاكتئاب أثناء العلاج الأمر الذي كان بسبب لها الانتكاسات المتكررة حتى توفت، لافتة إلى أنها بدأت تجول المستشفيات للقاء المرضى ونقل تجاربهم فيما بينهم، وهناك قصص أثرت فيها وساعدتها على الاستكمال، من بينهم مريضة سرطان كبد من الدرجة الرابعة عزلت نفسها عن من حولها وترفض الخضوع للعلاج لشعورها أن الموت اقترب لا محالة فاستعانت الأسرة بها ومن بعد الجلسات عادت مرة أخرى للمستشفى، وعلى هذا النهج قامت بمساعدة ١٠٠٠ مريض من المصابين بالسرطان، حيث تخصص لكل شخص جلسة أسبوعية على ثلاث ساعات وتنظم لهم رحلات خارجية جماعية في نهاية كل شهر بمساعدة بعض المتطوعات.
هناك قصص أخرى أعادتها "بينكي" للحياة منها سيدة طلقها زوجها وسلبها أولادها خوفًا من العدوى، حيث قاموا بتوعيته بالمرض وأنه يختلف عن الأمراض المعدية، وبعد محاولات أعدوا لها الأبناء مما أعادها للعلاج بشكل جديد وبدأت بالاهتمام بشكلها وأنوثتها بعد أن علمتها "بينكي" الاهتمام بشعرها وشكلها وطريقة اللبس بما يتناسب بما استأصل من جسد المريض سواء الثدي عند المرأة أو الأطراف والأعضاء الأخرى عند باقي المرضى.

حاليًا تخطط جيهان لتحويل مبادرتها إلى نشاط نظامي يخضع لعمل مؤسسي؛ فبدأت في تسجيل مبادرتها كمؤسسة وإشهارها من خلال التضامن الاجتماعي كي يخضع المريض المعالج على نفقة الدولة للدعم النفسي دون تحمل نفقات خرى.