رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يا صاحب المدد وتراثنا المسرحى عن نصر أكتوبر



يقول الشاعر زكى عمر ابن قرية كفر الأعجر، قرية ريفية مصرية فى محافظة الدقهلية:
والقرية فى رأى الشعراء- مثلًا- والكُتاب
عصافير بتزقزق ع الشباك وع الأبواب
صفصاف بيداعب وش المية، مع اللبلاب
وقمر، ونجوم، وهديل كروان
وهدوء، وأغانى، وراحة بال، وأمان
لكن الأغرب فى الموضوع
أحيانًا ننسى ما فى القرية من إنسان.
فى العام الحالى ٢٠٢٠ وفى الذكرى ٨٢ لميلاد الشاعر الراحل زكى عمر (١٩٣٨ - ١٩٨٧) صدر كتاب الصحفى والكاتب خيرى حسن «يا صاحب المدد سيرة شاعر ومسيرة وطن» ليرد الحق لأصحابه، فالإنسان النبيل خيرى حسن الذى لا يخشى فى الحق لومة لائم لم يرض بسرقة ما كتبه الشاعر زكى عمر من أغانى مسرحية «مدد مدد شدى حيلك يا بلد» ونسبها إلى شاعر آخر. إنها واقعة سرقة فى وضح النهار، وفضيحة سطو على الأدب والتراث، تلك المسرحية التى تغنى بأشعارها جيلنا جيل السبعينيات، وتحمس وهتف أثناء حرب الاستنزاف، وأثناء حرب أكتوبر، «مدد مدد شدى حيلك يا بلد»، من كلمات الشاعر زكى عمر، وألحان الراحل محمد نوح.
وكانت البداية حينما شاهدت منذ عدة أشهر برنامجًا للإعلامى الدكتور محمد الباز «رئيس مجلسى إدارة وتحرير جريدة الدستور» يستضيف فيه من سطا على الشاعر الأصلى ونسب القصيدة إلى نفسه، وفى نفس البرنامج تمت استضافة عدد من الكتاب والصحفيين والفنانين الذين أكدوا حق الشاعر زكى عمر.
نشر الصحفى خيرى حسن كتابه «يا صاحب المدد» على نفقته الخاصة، لإيمانه بقضية إرجاع الحق لأصحابه، وتخليدًا للشاعر المبدع ابن الريف المصرى زكى عمر الذى ظُلِم مرتين حيًا وميتًا، كما قالت صديقتى كوكب الصباح ونحن فى طريقنا لحضور احتفالية توقيع الكتاب بمنتدى بتانة الثقافى فى وسط البلد، وسط حضور عدد من الشعراء والكتاب والصحفيين وبنات وأحفاد الشاعر زكى عمر، وذلك فى يوم الخميس ٣ ديسمبر ٢٠٢٠، بحضور المتحدثين دكتور محمد الباز، والباحث محمد الهادى، والشاعر عوض الشيخ، والدكتورة سنابل زكى عمر، وقدم الاحتفالية وأدارها باقتدار الشاعر والناقد الفنى القدير شعبان يوسف.
تذكرت وأنا فى طريقى للندوة واسترجعت مع الصديقة كوكب الصباح ثلاثة مشاهد محفورة فى ذاكرتى حتى الآن.
المشهد الأول مدرج كلية الآداب جامعة القاهرة وهو ملىء بمئات من الطلاب لحضور ندوة لعدد من الشعراء فى عام ١٩٧٢، منهم الشاعر ابن قرية كفر الأعرج بالدقهلية زكى عمر الذى ردد الحضور وراءه
مدد مدد مدد شدى حيلك يا بلد
بكرة الوليد جاى من بعيد راكب خيول فجره الجديد
يا بلدنا قومى أحضنيه ده معاه بشاير ألف عيد
المشهد الثانى بعد عبور الجيش المصرى قناة السويس وتحطيم خط بارليف فى السادس من أكتوبر ١٩٧٣ يمتلئ مسرح الطليعة ويُرفع الستار عن مسرحية «مدد و«شدى حيلك يا بلد» من أشعار زكى عمر، وموسيقى وتلحين محمد نوح، ومن إخراج عبدالغفار عودة، وتعلن وزارة الثقافة عن المسرحية بكلمات «سهرة مع الكلمة واللحن والأغنية من أجل المعركة»، وتقدمها للجمهور على مسارح الحديث والطليعة والمنصورة، ويردد الجمهور المصرى بكل حماس ومدد مدد مدد مدد شدى حيلك يا بلد.
المشهد الثالث الذى استرجعته مع الأصدقاء والصديقات فى احتفالية توقيع الكتاب، وهو يرجع لعام ١٩٨٩، عندما سافرت مع فرقة السامر المسرحية إلى اليمن الجنوبى بمناسبة الاحتفال بيوم المسرح العالمى فى ٢٧ مارس، وذلك لعرض مسرحية «عبدالفتاح الجندى وولده زكى»، من إخراج المتميز والرائع سلامة حسن، ومن تأليف زكى عمر، الذى قال «أنا زى السمك أموت لو خرجت من قريتى كفر الأعجر بناسها وفلاحينها وعمالها، وبالخصوص عمال التراحيل اللى منهم أبويا الله يرحمه». واستقبل أهل عدن المسرحية بكل ترحاب وتقدير تكريمًا وعرفانًا واعترافًا بقدر الشاعر الذى عاش بينهم وأحبهم وأعطى الكثير من فكره وفنه لهم فأحبوه وكرموه.
بقى أن تعرف عزيزى القارئ وعزيزتى القارئة أنه فى منتصف السبعينيات تم استبعاد الشاعر ضمن مجموعة كبيرة من شعراء هذا الجيل ومثقفيه وفنانيه الذين حملوا هموم أهلهم وناسهم ووطنهم، وغادر زكى إلى اليمن الجنوبى هو وعائلته واستمر به لحين موته غريقًا وهو ينقذ ابنته من الغرق فى مياه خليج عدن.
يقول الكاتب الصحفى خيرى حسن فى كتابه عمن سرق شعر زكى عمر ونسبه لنفسه: «استغل الجانى استبعاد وهجرة الشاعر زكى عمر داخل وخارج الوطن، وقام بتسجيل الأغنية باسم الشاعر إبراهيم رضوان فى جمعية المؤلفين والملحنين لتقتسم أسرة الراحل الملحن محمد نوح وإبراهيم رضوان منذ ذلك الحين العائدين الأدبى والمادى». ويختتم الرائع خيرى حسن صفحات كتابه مؤكدًا «إنك تستطيع الكذب بعض الوقت، وتستطيع الخداع بعض الوقت، وتستطيع الإخفاء والدهاء بعض الوقت، لكنك لن تستطيع الكذب والخداع والإخفاء طيلة الوقت. ولقد جاء الوقت الذى خرجت فيه روح الشاعر زكى عمر من مرقدها لتقول للقتلة واللصوص والجناة: الكلمة الصادقة لا تموت، لأنها تعيش بصدقها، والمبدع الحقيقى لا يموت، لأنه يعيش بإبداعه، والوطنى الحقيقى لا يموت، لأنه يعيش بوطنيته، والإنسان الحقيقى لا يموت، لأنه يعيش بإنسانيته.