رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما حدش يقدر يغلب مصر


لا يقدر أحد على أن يغلب مصر.. هكذا يقول التاريخ وتؤكد أحداثه.. صحيح، قد يبدو شعبها، فى أوقات، ضعيفاً مستسلماً، لكن مكامن القوة بداخله سرعان ما تُستنّفر ويسترد كرامته ممن حاول سلبها.. ترك الحملة الفرنسية ثلاث سنوات، ثم دحرها بعد أن تغير على «المحروسة» ثلاثة قادة فرنسيين،

نابليون صاحب الحملة الذى دخل الأزهر بخيوله، ثم كليبر الذى قتله سليمان الحلبى، وآثر آخرهم، مينو، السلامة فتزوج من «زبيدة» رشيد ورحل بجنوده.. وجاء الإنجليز من بعدهم، ومكثوا سبعين عاماً ذاقوا خلالها وبال أمرهم، قبل أن يقرروا الجلاء عن مصر، حاملين عصاهم إلى غير رجعة.. تجرع المصريون مرارة الهزيمة فى يونيو 1967، ولكنهم أسقوها للإسرائيليين كئوساً مريرة، فى حروب الاستنزاف والعمليات الفدائية خلف خطوط العدو، على الجانب الآخر من قناة السويس، قبل أن تنطلق معركة الكرامة فى أكتوبر 1973، وتبكى جولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل من شر الهزيمة التى لحقت بجيشها، فى ست ساعات. صبر المصريون على حكم مبارك ثلاثين عاماً، ذاقوا خلالها ويلات الفساد والمحسوبية، وأنانية الكبار التى حرمت جموع الشعب من العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، حتى جاء 25 يناير، فهب الشعى لاسترداد كرامته.. لكنهم لم يصبروا على حكم جماعة الإخوان ورئيسهم مرسى لغير عام، لأنهم قرأوا الكتاب من عنوانه، والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، ولا يليق بهذا المؤمن أن يُغمض عينيه عن المصيبة وقد بدت ملامحها، فكان 30 يونيو، يوم تلاحم الشعب مع جيشه العظيم وشرطته القوية بالحق.. قواته المسلحة التى هى سنده وقوته ومكمن عزه، وفيها الآباء والأبناء والإخوان وأبناء العمومة والخال، نسيج الشعب الواحد الذى لا تنفصم عُراه، والشرطة حامية الدولة المدنية من اعتداء أى خائن داخلى، يريد أن يهدد أمن المجتمع وسلامه.. الشرطة، الجهاز الذى أساء الطاغوت إلى صورته، بأن جعله «بعبعاً» يحكم به الشعب ثلاثين عاماً، قبل أن تتغير الصورة ويدرك الجميع أن الشرطة هى ظهير الحماية وليست عدو المواجهة. لكن نفراً من البشر لا يريدون لهذه الصورة تعميماً ولا بروزاً، وجُل همهم أن تعود إلى سابق عهدها من التشويه، حتى يقف المواطن دونها، عارياً فى الميدان، من أى حماية تحمى مكتسباته الثورية، خاصة ممن سرقوها مرة، ومازالوا يحاولون ثانية.. يفجرون المواقف فى كل حين ومكان، يفتعلون الأزمات ويصنعون المواجهات، صناعة مكشوفة، لعلها تلقى بجهاز الأمن فى أتون صورته القديمة، سعياً منهم لتقديم صورة مصر للعالم، وكأنها الدولة البوليسية، صاحبة القبضة القاهرة لشعبها، وما أكثر من يسعون إلى تصدير هذه الصورة من أعداء الداخل، وما أكثر من ينتظرونها من أعداء الخارج، الذين خابت مؤامرتهم فى 30 يونيو.. وانظروا إلى أمرين، أولهما بنات الإسكندرية اللاتى امتنعن عن الدفاع عن أنفسهن أمام قاضى المحكمة، بعد أن رفض محاميهن الدفاع عنهن، وأكدن إن خرجن ليعودن إلى ما فعلن ثانية.. إنه الإصرار على رسم صورة مقصودة، لجهاز شرطة يقبض على فتيات، ليقفن وراء القضبان.. يا حرام!.. وثانيهما، هذا النوع الجديد من مظاهرات للنساء فى الشوارع، تتحفظ الشرطة فى التعامل معهن قدر الاستطاعة، وطالبات يقتحمن إدارات جامعاتهن ويعتدين على الموظفين فيها، ثم سرعان ما يلقين بأنفسهن على الأرض فى حالة إغماء تمثيلية، حتى تنتهى الكاميرات المرافقة لهن من تصوير المشهد المطلوب تصديره إلى قناة «الخنزيرة»، ومن ثم إلى العالم!.

نحن إذن فى مرحلة صناعة الصورة الشائهة عن الأمن فى مصر، بعدما فقدت جماعة الإخوان قوتها، بفرار قادتها ومؤيديها إلى دول أخرى، وتوارى العقلاء من منتسبيها فى بيوتهم، لإيمانهم بأن الإخوان لم يعودوا كما كانوا من قبل، ولم يبق فى الشارع إلا سابلة وغوغاء من المضَلّلين والمأجورين، تحركهم غباءات قاصرة، تستغل حمية شباب الجامعات فى إحداث الصدام مع الدولة، لأنهم لم يعودوا يقدرون على شىء إلا رسم صورة مقصودة، كاذبة، لكنها قد تنفع عند من يتربصون بهذا البلد.

لذلك.. فمن الضرورى أن نعلو فوق صغائر الأحداث، وأن نترفع عن مواقف يمكن تجاوزها وتفادى نتائجها، بالحكمة والعقل، لأن المتربصين بخلافات أجهزة الدولة كُثر، ولا ينبغى أن نُعطيهم الفرصة لاستكمال مؤامرتهم.. أُشير بذلك إلى أزمة ضابطى الشرطة ووكيل النيابة بمحافظة الغربية، التى سمعت بالأمس عن انتهائها بالصلح بين الطرفين، وأفاجأ اليوم بأننا نعود إلى نقطة الصفر فيها من جديد.. أرجوكم، لا تشمتوا الأعداء فيكم.

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.