رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا لو كان الاستفتاء على الدستور بـ «لا»


نعم تعديل الدستور هو إحدى النقاط وذات أهمية لا تذكر ولكن هذه الخارطة كانت اجتهاداً من المسئولين عن اللحظة ولكنها ليست هى كل اللحظة وليست هى بديل الهبة الجماهيرية غير المسبوقة والتى أسقطت النظام.

الثورات والانتفاضات وإسقاط الأنظمة تؤدى إلى نتائج وتحدث تغييرات منها ما هو إيجابى ومنها ما هو سلبى، فكسر حاجز الخوف وزيادة المعرفة السياسية التى يجب استغلالها لكى تتحول إلى حالة وعى سياسى والأهم هو إعلان الإرادة الشعبية والتى هى أساس كل الشرعيات، فهذه أشياء إيجابية مطلوب زيادتها والبناء عليها حتى تتحقق الثورة على أرض الواقع،أما ما هو سلبى فهو تلك الحالة من الانفلات الأمنى والأخلاقى والقيمى المصاحب لممارسة الحرية بطريقة غير واعية ومبالغ فيها مما يجعل تلك الممارسة تتحول إلى حالة من حالات الفوضى تحت مسمى مزيد من ممارسة الفعل الثورى من قبل من يسمون بـ «تجار الثورية والوطنية وتجار الأديان» والجميع يدعى حب الوطن والمواطنين وهم لا يرون غير ذواتهم ولا يسعون لغير مصالحهم. وأيضا الانسياق وراء شعارات تطرح باسم الثورية فتأخذ شكل القداسة والتقديس وكأنها حقيقة لا تقبل الجدل أو المناقشة ومن يرفضها فهو خائن للثورة وللثوار، وهذه السلبيات وغيرها كثير هى بلا شك نتاج غياب التنظيم الثورى الذى يمتلك المنهج والبرنامج والآليات الثورية، ولذا نجد أن نتائج الهبات والانتفاضات الرائعة فى 25 يناير و30 يونيو تختطف أو توأد إما عن طريق الإخوان الذين يعتبرون الوطن هو طريق عبور للوصول إلى خلافتهم وأستاذيتهم للعالم أو عن طريق حكومات لا علاقة لها بالثورة ولا تدرك قيمة تحقيق الثورة الحقيقية فى تحقيق آمال الجماهير وطموحاتها وحل مشاكلها. ومن يساعد فى تحويل تلك الشعارات إلى مقدس هم الإعلام غير الواعى بخطورة المرحلة والذى يحاكى الواقع ولا يساهم فى تغييره للأحسن وتلك النخبة فاقدة الوعى والاتصال بالشارع فى الوقت الذى تتمسح فيه بأنها المعبر الممثل للجماهير نفاقا وتزلفا للثورة وللثوار، وجدنا مقولة أن الإخوان شاركوا فى يناير بل هم من حموا الميدان فى موقعة الجمل وتناسى الجميع أن الإخوان آخر من شارك عندما شاركوا كانوا يتفاوضون مع عمر سليمان على حساب الثورة والميدان وما تم فى واقعة الجمل كفى ما نجده الآن من تحقيقات مع الإخوان بخصوص حالات التغذيب وكله باسم الثورة والثوار. وجدنا كل من هب ودب يدعى الثورية وأنه ثائر لأنه كان يتفرج فى ميدان التحرير أو لأنه أخذ صورة وهو يناضل فى الميدان، وجدنا أن من مؤهلات الثائر هى الدفاع عن حق الشهداء والقصاص لهم ولا نعلم من هو الشهيد القاتل أو المقتول الثورى بحق أم البلطجى الذى حرق وهدم وسرق، مع العلم أن مفهوم الشهادة الدينى والوطنى هو أداء الواجب لله وللوطن والحساب والثواب عند الله سبحانه وتعالي، أما ما يحدث فهذا نوع من المتاجرة بالثورة وبالشهداء، وبالقياس نفسه قد وجدنا بعد 30 يونيو وبعد خروج الملايين فى 26 يوليو ربط خارطة الطريق ونجاحها والموافقة عليها هو أن يكون الاستفتاء على الدستور بـ «نعم» لا تقل عن 75٪ من أصوات الناخبين. نعم خارطة الطريق كانت هى البرنامج المتاح فى 30 يوليو حسب معطيات الواقع حينئذ، نعم تعديل دستور 2012 إحدى نقاط تلك الخارطة مع الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ولكن يتناسى الجميع أن خارطة الطريق تشمل أشياء أخرى مثل المصالحة الوطنية وميثاق الشرف الإعلامى وغير ذلك ولكن لا نتحدث إلا عن الاستفتاء والانتخابات، نعم تعديل الدستور هو إحدى النقاط وذات أهمية لا تذكر ولكن هذه الخارطة كانت اجتهاداً من المسئولين عن اللحظة ولكنها ليست هى كل اللحظة وليست هى بديل الهبة الجماهيرية غير المسبوقة والتى أسقطت النظام، فهل رفض مشروع الدستور مثلا وهو حق للجماهير بالرفض أو القبول يعنى سقوط خارطة الطريق؟

وهل تغير الواقع والظرف السياسى فى الشارع والذى يفرض مواجهة غير عادية مع الإرهاب وضد من يحاولون إسقاط الدولة لا يعنى تعديل أو حتى تغيير خارطة الطريق؟ الجماهير خرجت لإسقاط النظام ولتحقيق الثورة والخارطة ليست مقدسة فهى اجتهاد لحظى تواكب مع الواقع فى ذلك الوقت. كما أن تعديل الدستور لا علاقة له بالمقدس وقابل للرفض وهذا حق للجماهير، ولجنة التعديل ليست هى يناير أو يونيو هى لجنة قابل اجتهادها فى التعديل للقبول والرفض، كما أن يونيو والخارطة ليست اللجنة وصية عليهما ولا أحد يتحمل خطأ هذه اللجنة التى لم تدرك اللحظة ولم تقرأ الواقع، فإذا تم الاستفتاء بـ «لا» فهذا ببساطة يعنى وبناء على خارطة الطريق إعادة تشكيل لجنة أخرى مع مراعاة الأخطاء فى تشكيل اللجنة الحالية لوضع مشروع آخر يتوافق مع جماهير المصريين، أما الحديث عن أن رفض مشروع التعديل يعنى رفض الخارطة فهذا لا علاقة له بالواقع، ولكنه إقحام لأفكار وشعارات لا تتعامل مع الواقع ولا تدرك خروج الملايين فى 30 يونيو و3 و26 يوليو. هذا هو الأهم، الأهم هو النظر لإرادة الجماهير التى خرجت وأعلنت إرادتها بل فرضت تلك الإرادة بإسقاط النظام، كون أن المفهوم الثورى لم يصل كما يجب عند صاحب القرار فهذا لا يحسب على يونيو، كون حكومة الببلاوى لا علاقة لها بالثورة ففشل الحكومات التى سبقتها فهذه ليست مشكلة يناير ولا يونيو، كون لجنة تعديل الدستور قامت بحالة توفيق أو تلفيق للتعديل الدستورى بدلا من التوافق فهذه ليست مشكلة يونيو ولا تسقط خارطة الطريق، كفى مزايدات باسم الثورة والثورية، الثورة تتحقق بالتوحد الحقيقى الذى يعلى مصلحة الوطن على المصالح الخاصة والذاتية، الثورة توجد وتتحقق بوجود الثوريين الحقيقيين فى السلطة حتى تصبح سلطة ثورة بحق، وهذا طريقه الآن الاستفتاء الذى يقبل التعديل مؤقتا، والانتخابات البرلمانية التى ستحدد مسار الثورة إن وجدت أو اختطفت مرة ثانية. حمى الله مصر من التجار والمتاجرين بالوطن.

■ كاتب سياسى وبرلمانى سابق