رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدستور.. والاستقطاب السياسى


الأهم كذلك يا سادة هو أن يعبر هذا الدستور عن التطلعات العامة والآمال المشتركة لكل المصريين فى وضع بذور لدولة ديمقراطية مدنية حديثة تعلى من قيم المواطنة ولا تفرق بين مصرى وآخر على أى أرضية تضع الرجل المناسب فى المكان المناسب دون نظر لدين أو لون فعلى من القانون الذى لا يفرق بين أحد مهما كان هذا الأحد

أهو القدر أم هى طبيعة الأشياء أم هى خصائص المصريين أن توضع كل الدساتير المصرية فى ظل ظروف استقطابية بعيدا عن الظروف العادية التى تتصف بالاستقرار والتوافق، فدستور 1923 والذى يحكى ويتحاكى عنه الجميع وكأنه الدستور الذى لا بعده ولا قبله دساتير وضع فى ظل حالة استقطاب وخلاف سياسى متصاعد بين سعد زغلول وحزب الوفد من جانب والمنشقين الذين شكلوا فيما بعد حزب الأحرار الدستوريين من جانب آخر حتى أن سعد والوفد قد أطلق على لجنة دستور 1923 «لجنة الأشقياء»، نعم قد أدرك عبد الناصر طبيعة ظروف الثورة الاستثنائية منذ عام 1952 ولم يوضع دستور دائم ولكن كانت كلها دساتير مؤقتة حتى يتم استيعاب المرحلة الثورية ولم يوضع دستور غير بعد حركة الانفصال السورية عن الوحدة مع مصر عام 1962. وضع السادات دستور 1971 فى ظل ظروف فاصلة بين نظام ثورى له توجهاته الثورية وبين نظام قادم يسعى ويعمل على إحلال نقيض هذا النظام الثورى، ثم قام السادات بتعديل دستور 1971 بهدف استمرار رئاسته إلى ما لا نهاية متسترا بتعديل المادة الثانية والتى أضافت الألف واللام إلى كلمة مصدر حتى تصبح الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، وبالطبع لم يكن هناك توافق أو إجماع على ذلك وهو فتح مدد الرئاسة ورفضنا وتم اعتقالنا على هذا، حتى تعديلات مبارك على دستور 1971 والتى أخذت شكل التطور والانتقال من الاستفتاء إلى الانتخاب لرئيس الجمهورية كانت تمكنه لتمرير مواد تضمن توريث ابنه للحكم، وكانت انتفاضة 25 يناير وشاهدنا جماعة الإخوان وتيارها الإسلامى تعدل الأوضاع وترتب الأمور بما يصب فى مصلحتها فكان الإصرار على الانتخابات التى تضمن أغلبيتها نتيجة لاستغلال العاطفة الدينية للمصريين حتى تضمن وضع دستور على مقاسها وكيفما تريد وقد كان لها ما أرادت وتم وضع دستور 2012 الذى لا علاقة له بيناير ولا بالثورة ولا بالمصريين، وكان هذا من أهم الأسباب لإسقاط نظام حكم الإخوان. وجاءت انتفاضة يونيو وتم تشكيل لجنة الخمسين لتعديل دستور الإخوان، فوجدنا القدر والطبيعة والخصائص تقف لنا بالمرصاد، فالاستقطاب أخذ ويأخذ حده الأقصى والفرقة تزيد والتشرذم يتزايد والتفتت يتجذر حتى وجدنا التوفيق بل التفليق بدلا عن التوافق، وجدنا هذه اللجنة التى لا علاقة لها بمفهوم الدساتير تتصور أن استيعاب المرحلة وشعاراتها الثورية يعنى تحويل الدستور إلى قانون بل إلى لائحة حزبية أو نقابية يسعى إلى تحقيق مطالب حزبية وفئوية ونقابية بل طائفية، متصورين أن فكرة إرضاء الجميع هى مكانها الدستور متناسين أن قاعدة إرضاء الجميع تعنى إغضاب الجميع وزرع بذور الشقاق والفتنة، نعم دستور 2012 كان خلافا واختلافا بين الإسلاميين والتيار المدنى الذى يريد الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، ولكن الآن وفى ظل لجنة الخمسين لدستور 2013 فالخلاف بالطبع بين الإسلاميين وغيرهم فى جانب وهدفه الأساسى الصراع حول السلطة والحكم.

والأهم أن هناك خلافات داخل التيار المدنى ذاته فقد أصبح هناك صراعات معلنة ومتأججة بين الطوائف والطبقات والمهن بل أبناء المهنة الواحدة، فلم تر تلك المعارك التى تخطت حد ود القيم المستقرة فى السلطة القضائية، تلك القيم التى استمدت وتستمد منها السلطة القضائية تاريخها واحترامها وتقديرها، رأينا أن الدستور قد أصبح الكعكة التى يتسابق عليها الجميع حتى ينال أكبر نصيب عن غيره من المتصارعين، والأهم أيضا الذى سيحدث فتنة بل تقسيم وتفتيت لتوحد الوطن هذه الفكرة السخيفة التى تتحدث عما يسمى بـ«التمييز الإيجابى» وهى قولة حق يراد بها باطل، فقد وجدنا دقاهنة هذه اللجنة يتحدثون عن إلغاء نسبة الـ 50٪ عمال وفلاحين لعدم تحقيق الهدف من إقرارها، فقد تم استغلال هذه النسبة لوصول فئات وطبقات تتناقض مصلحتها مع مصلحة العمال والفلاحين، نعم هذا حدث ولكن هل السبب كان فى المبدأ ذاته أم فى استغلال النسبة عن قصد من الأنظمة السياسية المستبدة؟ وفى الوقت نفسه تريد اللجنة أن توزع هذه النسبة على فئات أخرى مهمشة مثل المرأة والشباب والأقباط. فهل هذه النسب التمييزية ستحول هذه الفئات المهمشة إلى فئات غير مهمشة؟ وهل هذا التهميش ناتج عن نص دستورى أو تشريع قانونى حتى نعالجه بمادة فى الدستور؟ أم أن هذا التهميش نتاج تراكم تاريخى لقيم ثقافية اجتماعية متخلفة لا علاقة لها بدستور أو قانون؟ وإذا كانت الـ 50٪ عمال وفلاحين لم تأت ثمارها طوال عشرات السنين فهل هذه النسب الجديدة ستفعل؟ وهل التمييز ضد الأقباط الذى يأخذ شكل ثقافة اجتماعية متخلفة ترفض الآخر بتبرير دينى وهذا هو الأخطر، فهل هذه النسبة ستزيل هذا التخلف وتلك الممارسة أم ستزيد الأمور اشتعالا طائفيا بل ستستغل من جانب الآخر الذى يتعامل مع الأقباط باعتبارهم ضد المشروع الإسلامى بل ضد الإسلام نفسه خاصة فى ظل هذا الاستقطاب الطائفى الذى ظل جليا فى أحداث 16.14/8/2013 ضد الأقباط وضد كنائسهم؟

الأهم كذلك يا سادة هو أن يعبر هذا الدستور عن التطلعات العامة والآمال المشتركة لكل المصريين فى وضع بذور لدولة ديمقراطية مدنية حديثة تعلى من قيم المواطنة ولا تفرق بين مصرى وآخر على أى أرضية تضع الرجل المناسب فى المكان المناسب دون نظر لدين أو لون فعلى من القانون الذى لا يفرق بين أحد مهما كان هذا الأحد، أما أنتم فسائرون فى طريق هو بداية التقسيم الذى يحاك منذ مئات السنين فستكونون أنتم من يدستر الطائفية ومن يشرع للقسمة، حمى الله مصر منكم ومن كل الذين لا يدرون ما يفعلون.

■ كاتب سياسى وبرلمانى سابق