رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مؤرخون يفندون ادعاءات «عثمنة التاريخ» حول محمد الفاتح

محمد الفاتح
محمد الفاتح

خلال الساعات القليلة الماضية؛ شنت وسائل إعلام الجماعة الإرهابية، والتي يبث أغلبها من تركيا وقطر هجوما على دار الإفتاء بتحريف الكلام عن مواضعه، واتهمت الدار زورًا بأنها تصف السلطان العثماني محمد الفاتح بالمحتل، وهو ما لم يرد في بيان دار الإفتاء، فى محاولة مستمرة تنتهجها الجماعة الإرهابية لـ«عثمنة التاريخ».

‏‎من جانبه، خرج الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي الجمهورية، بالتأكيد أن فتح القسطنطينية تم على يد محمد الفاتح، وهو فتح إسلامي مهم، ولكن في نفس الوقت لا علاقة للرئيس التركي أردوغان به، كما أن العلماء اختلفوا في كونه هو الفتح الذي بشر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أم أن بشارة النبي كانت تقصد فتحًا يحدث في آخر الزمان، كما بين بعض الأحاديث النبوية الشريفة.

«الدستور» حاول تأصيل الموضوع بالرجوع إلى بعض المؤرخين والنقاد فى محاولة لتفنيد ادعاءات الجماعة الإرهابية:
فى البداية، قال الدكتور عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان، إن المشكلة الرئيسية لا بد أن ترجع إلى أصولها، هؤلاء العثمانيون أصلا كانوا قبيلة تقيم فى شمال شرق الصين بالقرب من منطقة أوساط آسيا حيث الشيشان؛ وغيرهم، ولأنهم قبيلة فهم لا يعرفون الحضارة لأن الحضارة تقوم على الزراعة فى الأساس، فكانوا يتنقلون من مكان إلى مكان بحثًا عن "لقمة العيش" فيصطدمون بقبائل فى الطريق وينتصروا عليهم ويصحبون معهم عبيدا – يحولون هؤلاء الناس الى عبيد-، واستمروا يتنقلون إلى آسيا الصغرى فى القرن الرابع عشر.

وأضاف "الدسوقي" لـ"الدستور"، وكان فى تلك الفترة زعيم القبيلة اسمه "عثمان" وهو أساس كلمة العثمانيين، وشهدت تلك الفترة صراعا على الإمبراطورية البيزنطية بين الشخصيات التى تريد أن تعتلى منصب الإمبراطور؛ فاستعان أحدهم بعثمان لكى ينصره فى مواجهة منافسيه ونجح عثمان، ومن هنا جاء فى التسمية وأطلق على الجميع اسم عثمانيون.

وتابع: ولما انتصر هذا الإمبراطور انفتح الطريق أمام عثمان وعبر مضيق الدردنيل والبسفور ووصل إلى أوروبا وتحديدا منطقة البلقان "أوروبا الشرقية" حيث توجد فيها الآن رومانيا وبلغاريا وصربيا، وكان أهالى البلقان أسرا وقبائل، فانتصر عليهم العثمانيين بسهولة، وأصبحت كل شعوب البلقان تابعة لهم، بعدها بدأت الأمور تأخذ تطورًا آخر فى التوسع، وجاء السلطان محمد الذى لقب بمحمد الفاتح وخرج من البلقان وأسقط القسطنطينية - عاصمة الإمبراطورية البيزنطية - فسجل العثمانيون هذا العمل بالفتح، وكلمة الفتح أصبحت ترتبط بالإسلام – الفتح الإسلامي- وإنما هو توسع وغزوات عادية لما يعرفه العالم القديم كما يعرف فى تاريخ الجزيرة العربية بالغزوات، كان ذلك فى 1453 وتم تغيير القسطنطينية إلى إستانبول وبعد ذلك دخلت فى صراع مع قوتين فى المنطقة - الصفويين فى إيران والمماليك فى مصر-.

وكانت القوى الثلاث تتنافس على المنطقة التى يسكنها الأكراد فى شمال إيران وشمال العراق وسوريا وجنوب شرق آسيا الصغرى، وهذه المنطقة لا تزال حتى الآن محل صراع حيث يقيم الأكراد، ودخل العثمانيون فى حرب مع الصفويين وهزموا الصفويين فى معركة تسمى بـ"تشالديرن" عام 1514، ولأن المماليك أيام السلطان الغورى يحكمون مصر وقفوا إلى جانب الصفويين فى الحرب مع الأتراك، فبعد أن انتهى الأتراك من هزيمة الصفويين أرادوا أن يخضعوا المماليك فى مصر فكانت الحرب مع المماليك بقيادة الغورى عام 1517، وانتهت بهزيمة الغورى، وتبعه نائبه قطز، وهزم قطز فى موقعة "الريدانية" التى هى منطقة العباسية الآن، ولم يكتف السلطان سليم الأول بالهزيمة بل قطع رقبة قطز وعلقها على باب زويلة، فأين الإسلام من كل ذلك وهو مجرد صراع وغزو وانتقام وجبروت، والصراع والتنافس لا يعرف الأخلاق فلا داعى للتمسح بالدين فى مثل هذه المسائل المادية، وهى وقائع ثابتة ومسجلة فلا داعى لإعادة تفسيرها وتجميلها بدون سبب.

الدكتور أيمن فؤاد، أستاذ التاريخ الإسلامى، رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، أكد أن كل التفاسير للوقائع التاريخية الآن مبنية على إسقاط ولا يعتد بها لأن كل منهم يسقط الذى يحدث الآن على التاريخ، وهو غير موضوعى.

وأضاف "أيمن فؤاد"، أن تأسيس الدولة العثمانية كان منذ 700 عام، وإسقاط القسطنطينية أدى لبزوغ نجم العثمانيين وأصبحوا قوة فى محيط البحر المتوسط وفى العالم الذى كان يحكمه "الصفويون من ناحية، والمماليك من ناحية أخرى وكانوا وقتها فى طريقهم للأفول"، وكان ظهور محمد الفاتح فى مرحلة تكون الدولة العثمانية وأرى أن إسقاط الدولة البيزنطية بالنسبة للغرب كارثي، كما أنه بالنظر إلى التاريخ ترى أن من يمثل الإسلام يقال عنه "تركي" لأنه أصبح من يمثل الإسلام "تركي".

الدكتور أحمد عبدالدايم، أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة، وأحد أساتذة تدريس تاريخ الدولة العثمانية، أكد أنه ليس هناك داع لتسييس المسألة لأنه يضر بالعالم العربى والإسلامي، مؤكدًا أن فتح القسطنطينية فخر للعالم العربى ككل.

وأوضح "عبدالدايم" فى حديثه لـ"الدستور"، أن الدولة العثمانية كانت دولة ظالمة وكان من الممكن أن تنتشر الثورات فى العالم العربى طوال فترة 4 قرون أثناء وجودها بالعالم الإسلامى والعربى.

وتساءل "عبدالدايم" عن من ألقى بمثل هذه القنبلة فى عالمنا الإسلامى والعربي حول أن فتح القسطنطينية باعتباره احتلالا، وأن وراء ذلك أذرعا متعددة لإثارة الفتنة فى عالمنا العربى، وأنه لا يجوز الحكم بالخلافات المعاصرة فى الحكم على أحداث تاريخية.