رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أطفال سوريا.. بين الحاضر المأزوم والمستقبل المجهول

طفل
طفل

يبدو أن الانفلات الأمني واستمرار الصراع الذي لم يضع أوزاره بعد في سورية لم يعد يهدد فقط الأمن القومي والتنمية والوضع الإنساني الحالي في الأراضي السورية، بل بات قاب قوسين أو أدنى من أن يدمر ويشوه مستقبل جيل كامل من الأطفال السوريين الذين يعايشون هذه الحقبة التي امتدت لما يقرب من التسع سنوات منذ اشتعال فتيل الحرب السورية عام 2011، وما رافقها من نزاعات دامية تسبّبت في مقتل أكثر من 370 ألف شخص، وإحداث دمارًا هائلًا في البنى التحتية، وكذلك نزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها بما لم يشهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية.

ووثق المرصد السوري لحقوق الإنسان الوضع الإنساني المزري والمأزوم للأطفال السوريين– لاسيما في الشمال وشمال غرب البلاد- ضمن مناحي الحياة المختلفة في عدة تقارير، بينت حجم المعاناة التي يعيشها الأطفال السوريون، وما أفضت إليه من تداعيات أدت إلى تفاقم الأوضاع التي تهدد حياتهم ومستقبلهم.

أطفال سوريا المتضرر الأكبر:
وسط زخم وتسارع أحداث الملف السوري، وتطوراته المتلاحقة تبرز معاناة أطفال سوريا التي تزداد سوءًا، والتي جاءت كنتاج للأزمة السورية بما تتضمنه من صراعات، وتتمثل هذه المعاناة في:

*الحرمان والتسرب من التعليم

التعليم يعد من أكثر القطاعات تضررًا من عمليات القصف والنزوح، إذ يشكل الأطفال الشريحة الأكبر من مئات آلاف النازحين كما هو الحال في محافظة أدلب، حيث يتفاوتون ما بين متسرب وملتزم يواجه الصعوبات التي قد تعرقل استكمال مسيرته التعليمية، وعزى المرصد السوري هذه الصعوبات لأسباب عدة، من بينها: عدم وجود مدارس ضمن مخيمات اللجوء، وبعد المسافات ما بين المخيمات والمدارس، وسوء الأحوال المادية التي تمنعهم من شراء مستلزمات الدراسة وسداد تكاليف النقل الباهظة نظرًا لندرة المازوت حتى أن 70% مِن الأطفال يتلقون التعليم في مدارس بلدتي أرمناز وكفرتخاريم اللتان تبعدان عدة كيلومترات عن مخيمات اللجوء دون توفر وسيلة مواصلات لهم، وعدم وجود أوراق ثبوتية لبعض الأطفال، إضافة إلى انقطاع الدعم عن المنشآت التعليمية لاسيما في الشمال السوري، وضعف إمكانيات الكوادر والمؤسسات التعليمية، وكذلك تسرب بعض الفتيات للزواج في سن مبكرة بهدف تخفيف أعباء الأسرة.

كما أكد المرصد السوري في سبتمبر 2019 أن منظمة "سايف ذي تشيلدرن" حذرت من أن آلاف الأطفال في شمال غرب سوريا يواجهون خطر الحرمان من الالتحاق بالعام الدراسي الجديد نتيجة التصعيد العسكري المستمر في المنطقة، وأن 635 مدرسة فقط لا تزال في الخدمة من أصل 1193 مدرسة، فيما تضررت 353 مدرسة جراء القصف أو تعرضت للإخلاء، كما استخدمت 205 مدرسة كملاجئ للنازحين، وجدير بالذكر أن المدارس المتبقية قادرة على استيعاب 300 ألف من أصل 650 ألف طفلًا في عمر الدراسة.

في تاريخ 13122019 رصد المرصد مظاهرة أهالي قرية الجرذي الشرقي الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية بريف دير الزور الشرقي، حيث احتجوا على الواقع التعليمي السيئ وقلة أعداد المدرسين وعدم وجود مناهج دراسية هادفة بالإضافة لانخفاض مستوى أداء المدارس عامة.

*انخفاض مستوى الرعاية الصحية وانعدامها.

يشهد الأطفال السوريون تراجعًا ملحوظًا في المستوى الصحي مع استمرار عمليات الصراع والاضطرابات الأمنية، مما أدى إلى انتشار الأمراض وارتفاع معدلات الوفيات بينهم، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل أبرزها: سوء الأحوال المعيشية لاسيما مع تزايد عمليات النزوح واللجوء وما صاحبها من أوضاع غير إنسانية في المخيمات كنقص الأدوية والأدوات والأجهزة والمواد الطبية، وسوء التغذية بسبب تلوث الغذاء والمياه وندرتهم في بعض المناطق، وتقاعس عدد من المنظمات الدولية عن القيام بدورها على أكمل وجه، إضافة إلى انشغالها بإصدار البيانات والتصريحات الإعلامية، إلى جانب الفساد وعمليات السرقة التي تتعرض لها مخصصات الإغاثة.

ووفقًا لإحصائيات المرصد السوري، فإن أكثر من 488 طفل فارقوا الحياة ضمن مخيم "الهول" أو "مخيم الموت" إن صح التعبير، نتيجة سوء الأحوال الصحية والمعيشية، ونقص الأدوية والأغذية، والنقص الحاد في الرعاية الطبية، ويعد مخيم الهول من أكبر المخيمات في منطقة شرق الفرات والأراضي السورية بفعل الأعداد الضخمة للنازحين إليه التي قاربت الـ 70 ألفًا غالبيهم ممن خرجوا من مناطق سيطرة تنظيم "داعش ".

وفي هذا الإطار شهدت مخيمات ومناطق سوريا تفشي عدد من الأمراض التي هددت حياة الأطفال، حيث تفشى مرض شلل الأطفال عام 2014 في شمال شرق سوريا لغياب التطعيم، كما نقل المرصد مؤخرًا تحذير وقلق منظمة الصحة العالمية من التفشي السريع لفيروس كورونا المستجد خاصة مع الظروف المعيشية الصعبة التي تشهدها البلاد، وتعذر توفير الخدمات الوقائية الطبية لاسيما في المخيمات.

*الحرمان من الجنسية
بعد أن تم تشريد ما يقارب من 5 ملايين طفلًا في الداخل والخارج، أسفر ذلك عن انعدام وجود أوراق ثبوتية لعدد كبير من الأطفال لاسيما من ولدوا في مخيمات اللجوء، وفي المناطق التي تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية مما يخلف أشخاصًا دون جنسية، خاصة مع غلق وتعطيل الدوائر القانونية ودوائر القيد في معظم مناطق الصراع مما يترتب عليه حرمانهم من حقوق أخرى كالتعليم.

*التجنيد وتحويل الأطفال إلى مرتزقة.
أكدت تقارير للمرصد السوري أن الحكومة التركية تجند أطفالًا سوريين، أعمارهم دون سن الـ18 عامًا حيث يذهبون من إدلب وريف حلب الشمالي إلى عفرين بحجة العمل هناك، وبعضهم يذهب دون علم ذويه، ليتم تجنيدهم بعفرين من قِبل الفصائل الموالية لتركيا، التي بدورها ترسلهم إلى ليبيا، ضمن مجموعات المرتزقة، وتزويدهم بهويات مزورة بمعلومات غير صحيحة عن تاريخ ومكان ميلادهم، وذكر المرصد أن هناك نحو 200 طفلًا جرى إرسالهم إلى ليبيا، من بينهم 18 طفلًا استشهدوا في عمليات عسكرية.

ويذكر أن "داعش" قام بتجنيد عددًا كبيرًا من الأطفال السوريين في عدة محافظات سورية ضمن صفوفه تحت مسمى"أشبال الخلافة" بنسبة تصل إلى 40% من مجموع مقاتلي التنظيم، وفي عام 2014 جند التنظيم أكثر من 4 آلاف طفل في محافظة دير الزور، قضى منهم ما يقرب من 600 طفلًا، مما دفع المرصد بدوره للمطالبة بوقف عمليات تجنيد الأطفال ضمن مختلف مناطق السيطرة على الأراضي السورية، وتسريح جميع الأطفال المتواجدين مع القوى العسكرية، تطبيقًا لأحكام القانون الدولي التي تجرم تجنيد الأطفال.

* العمالة غير القانونية
مع استمرار أحداث الأزمة السورية التي شردت السوريين وأطفالهم ووزعتهم بين عدة دول، فبحسب إحصائيات الأمم المتحدة عام 2016 فإن عدد الأطفال السوريين الذين عبروا الحدود كلاجئين تجاوز حاجز المليون طفلٍ، وأكثر من ثلثي هذا العدد هم دون سن الحادية عشرة، وقد استغل الكثير منهم في سوق العمل على نحو غير قانوني، وكثيرًا ما يتم استغلال الأطفال السوريين اللاجئين في دول اللجوء في أعمال سخرة مقابل أجور زهيدة، لعلم أصحاب العمل بعجز الأطفال وذويهم عن تقديم شكاوى ضدهم، إلى جانب استغلالهم في جمع البلاستيك والمعادن من صناديق القمامة وبيعه لمصانع تدوير القمامة مقابل مبالغ زهيدة، إضافة إلى استغلال بعضهم في أعمال خارجة عن القانون مما يلحق بهم وبذويهم الضرر.

* تنامي ظاهرة أطفال الشوارع والتسول
حصل المرصد السوري على معلومات تفيد بارتفاع معدلات الفقر والحرمان لدى السوريين وأطفالهم، مما أدى إلى تردي الأحوال المعيشية خاصة في الشمال بسبب الانخفاض الشديد في سعر الليرة السورية، مقابل الارتفاع الشديد في أسعار السلع الغذائية، وتدهور الاقتصاد بشكل عام، وما تبعه من لجوء الأطفال للشوارع للتسول والبحث عن الطعام في صناديق القمامة، وتفاقم ظاهرة التشرد وأطفال الشوارع التي اقترنت بها خاصة في “جرمانا" بالعاصمة دمشق، لاسيما مع فقدان العديد منهم لمنازلهم وأسرهم بسبب الصراعات الدائرة، وعلى الجانب الآخر نجد العصابات التي تستغل أطفال الشوارع لجمع المال، والقيام بالأعمال المشبوهة حتى وصل المآل بعدد كبير من هؤلاء الأطفال بالإدمان والتورط بأعمال العنف والجريمة.

* الزواج المبكر والاستغلال الجنسي
في ظل الظروف القهرية التي يعيشها السوريون تلجأ بعض الأسر إلى دفع فتياتهن إلى الزواج المبكر، وبالتالي التسرب من التعليم أو الحكم عليهن بالأمية، حيث كشف المرصد السوري عام 2017 في تقريره أن واحدة من ثلاث زيجات للاجئين السوريين في الأردن تضم طفلة تحت سن 18 عامًا، ناهيك عما يتعرض له الأطفال ذكورًا وإناثًا في ظل هذه الظروف الضاغطة من عمليات التحرش والاستغلال والابتزاز الجنسي والاختطاف لاسيما في المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل الجهادية.

-الاضطرابات والأمراض النفسية
يؤدي الاقتتال والصراعات التي يعيشها الأطفال السوريون، والعوامل البيئية المحيطة باللاجئين منهم، وأنماط حياتهم غير المستقرة، والتغيرات التي يشهدونها إلى أن يكونوا أكثر عرضةً للاضطرابات والأمراض النفسية مثل: الاكتئاب والانعزالية من جانب، والعنف والميول الانتحارية من جانب آخر؛ لاسيما مع تعرضهم للعنف المباشر من خلال الاعتقالات وعمليات القتل والتفجير والتجنيد والاختطاف والاعتداء، مما يسبب بدوره صدمات مستعصية تتطلب وقتًا طويلًا للعلاج.

وحصل المرصد على معلومات من دراسة للهيئة الطبية الدولية، أجرتها في المراكز الصحية التي تدعمها في الأردن ولبنان وسورية وتركيا، بيّنت أن 26،6 % من أطفال اللاجئين يعانون الصرع، و26،6 % يعانون اضطرابات في النمو العقلي والذهني، بينما يعاني 3،6 % من اضطرابات عاطفية حادة، ويساهم في تأزم الأوضاع النفسية لأطفال سورية كون المنظمات والجهات المعنية لا توفر العلاج النفسي بل تقتصر على العلاج الجسدي في حال توفر الإمكانات، إلى جانب قلة الوعي بمفهوم الصحة النفسية، وعدم توافر الإمكانات المادية لتوفير العلاج النفسي، وكذلك محدودية برامج الدعم النفسي وعدم كفايتها للتعافي مما يعني صعوبة تخطي أولئك الأطفال لهذه الأزمات النفسية.


-مستقبل غامض
في ضوء استمرار الأزمة السورية بكل ما تحمله من اقتتال وصراع وعمليات نزوح وتشريد تم الإشارة إليها، يصبح أطفال سورية هم الخاسر الأكبر وهم الضحايا الحقيقيين للأزمة، فهم من عايشوا الحاضر المرير لهذه الأزمة الذي جعل مستقبلهم على المحك، لاسيما فيما يتعلق بعيشهم حياة الشتات في الملاجئ والمخيمات التي تؤثر بدورها على شخصية الطفل وتحول دون حصولهم على أبسط حقوقهم، المتمثلة في حق الحياة والتعليم وحق السلامة الجسدية والنفسية، مما ينذر بمأساة إنسانية يتضاعف حجمها وخطورتها في المستقبل، بحيث تؤشر لظهور جيل جديد يميل للعنف ويتوعد بالانتقام.