رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا حصانة لشبكات التواصل


شبكات التواصل الاجتماعى لم تعد تستحق أى نوع من الحصانة القانونية. ولم نفاجأ، ككثيرين، بالأمر التنفيذى، الذى أصدره الرئيس الأمريكى، مساء أمس الأول الخميس، برفع الحصانة القانونية عنها أو عن الشركات المالكة لها، التى كفلتها المادة ٢٣٠ من قانون تنظيم الاتصالات الأمريكى، حين نصت على عدم مسئوليتها عن المحتوى الذى ينشره مستخدموها.
نعرف، كما يعرف كثيرون، أن الولايات المتحدة شهدت، خلال السنوات الثلاث الماضية، نقاشًا محمومًا بشأن دور شبكات التواصل فى الساحة السياسية. وقرأنا، كما قرأ كثيرون، منذ سنة على الأقل، أن الإدارة الأمريكية تعتزم اتخاذ عدد من الإجراءات ضد شركات الإنترنت الكبرى وشبكات التواصل، بينها إصدار أمر تنفيذى يتيح مزيدًا من الرقابة الحكومية وتجريد تلك الشركات وهذه الشبكات من تلك الحصانة القانونية. وطبقًا لما جاء فى تقرير نشرته جريدة «بولتيكو»، فى أغسطس الماضى، فإن مسودة هذا الأمر التنفيذى تمنح صلاحيات للجنة الاتصالات الفيدرالية لإدارة وتنظيم والإشراف على المحتوى.
منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، اختلفت صيغة تعامل الإدارة الأمريكية، الجمهورية، مع شبكات التواصل الاجتماعى. وكثيرًا ما انتقدها أعضاء الحزب الجمهورى ونوابه فى الكونجرس، واتهموها بأنها تمارس تمييزًا ضدهم. ولم يكن الأمر التنفيذى إلا تحصيل حاصل، نراه منطقيًا، وتفسيره ببساطه هو أن المتضرر من محتوى ما، صار بإمكانه ملاحقة تلك الشبكات أو الشركات، قضائيًا، بالإضافة لناشر ذلك المحتوى.
الأمر التنفيذى، أو غيره من محاولات وضع الضوابط لطريقة عمل تلك الشركات، قد يواجه عوائق سياسية، لكنه لن يصطدم، فى رأينا، بأى عقبات قانونية، لأن تلك الشركات أدخلت نفسها طرفًا فى المحتوى، ومنحت لنفسها حق الرقابة، وقامت بتشكيل لجنة، لهذا الغرض، ضمت فى عضويتها مشبوهين، من أمثال المخربّة اليمنية توكل كرمان. وبالتالى، صار عدم قيامها بحذف تدوينات، تغريدات، صور، مقاطع فيديو، أو حسابات، إقرارًا منها بأنها تتفق مع معاييرها وضوابطها: مناسب وغير مسىء ولا ينتهك معايير المجتمع.
أنْ تعترض على هذا وتحذفه، معناه ببساطة أنك وافقت على ذلك وسمحت به. ومنذ سنة تقريبًا، وبالتحديد فى ٣ مايو ٢٠١٩، قامت شركة «فيسبوك» بحذف حسابات أليكس جونز، الصحفى والمذيع الأمريكى، وعددًا من الشخصيات السياسية الأمريكية، التى تحظى بشعبية كبيرة فى أوساط ما يوصف بـ«اليمين المتطرف»، ووضعتهم فى قائمة «الشخصيات والمنظمات الخطيرة». كما حذفت أيضًا حساب بول نيلين، وهو متعصب ينادى بسيادة العرق الأبيض، خاض انتخابات الكونجرس الماضية، وحساب لويس فرخان، زعيم حركة «أمة الإسلام» التى تنادى بفصل السود عن البيض. ووقتها حذرت الشركة من أنها ستقوم بحذف أى حسابات أو صفحات أو مجموعات أو أحداث مرتبطة بهؤلاء الأشخاص، أو تروّج للعنف أو الكراهية.
قد ترى ذلك معقولًا أو مقبولًا. لكن ما سيجعلك تتشكك فى دوافعه أو أهدافه، هو أن الشركة نفسها كانت قد أعلنت أنها ستتخذ الشىء نفسه مع حسابات تنظيمى داعش والقاعدة، وزعمت أنها ستمنع أى مستخدمين آخرين من تأييد أى تنظيمات إرهابية، ثم ظهر «أبوبكر البغدادى»، زعيم تنظيم داعش شخصيًا، قبل أن يذهب إلى الجحيم، فى مقطع فيديو على «إنستجرام»، تم تداوله على «فيسبوك» و«تويتر»، كما أن عددًا غير قليل من الإرهابيين، أو العملاء، الذين يحمل بعضهم الجنسية المصرية، لم يتوقفوا عن نشر تدوينات، تغريدات ومقاطع فيديو، تتساقط منها الكراهية الممزوجة بالغل الأسود، وبعضها يتضمن تحريضًا على القتل بشكل واضح لا لبس فيه.
الشركات الأمريكية، التى منحها القانون الأمريكى امتيازات خاصة، تمارس الرقابة السياسية على مستخدميها بينما تقدم فى الوقت نفسه خدماتها للأنظمة الوحشية والتنظيمات الإرهابية. ولهذا السبب، قاد السيناتور تيد كروز، عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكى، فى فبراير الماضى، معركة ضد تلك الشركات، لأنها توفر للمرشد الإيرانى على خامنئى ومسئولى النظام الآخرين حسابات لنشر الإرهاب دون رادع.
شعوب كثيرة عانت، وما زالت، من أزمات سياسية، بسبب شبكات التواصل الاجتماعى، وغير ما ذكرته دراسة نشرتها مجلة «pcmag»، منتصف أغسطس الماضى، عن اللجان الإلكترونية التابعة لحزب العدالة والتنمية، حزب الرئيس التركى، التى تستغل شبكات التواصل لتشويه المعارضين، فقد رأينا بأم أعيننا، أن تركيا صارت المقر الرسمى للجان الإرهابيين و«كلاب السكك» من مختلف الجنسيات، التى كان لنا، ولا يزال، من أنشطتها وتقيؤاتها النصيب الأكبر.
.. وأخيرًا، لا نعتقد أننا نضيف جديدًا لو قلنا إن تلك الشركات العملاقة، وشبكاتها، والولايات المتحدة وغيرها من الدول، التى توصف بأنها متقدمة، تتعامل مع «هبد» الهابدين، البلهاء، العملاء أو الإرهابيين ضدهم، بمكاييل ومعايير مختلفة، تمامًا، عن تلك التى تتعامل بها مع «هبد» الهابدين البلهاء، العملاء أو الإرهابيين ضدنا أو ضد دول أخرى، تراها نامية أو نايمة.