رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكم قضائي: قانون الجبانات والمقابر يفرض احترام كرامة الموتى

محمد عبد الوهاب خفاجي
محمد عبد الوهاب خفاجي

وجه إعلاميون وفنانون ومشاهير انتقادات لاذعة لبعض أهالي قرية شبرا البهو فريك، التابعة لمركز أجا بمحافظة الدقهلية؛ لتعنّتهم ورفضهم دفن طبيبة بمقابر أسرة زوجها بالقرية خشية نقل عدوى فيروس كورونا المستجد وهو ما نفته منظمة الصحة العالمية بأن «كوفيد-19» لا ينتقل بعد الوفاة، لولا تدخل الشرطة في تفريق تجمهر الأهالي بالقرية، لما تمكّنت أسرة الطبيبة من دفنها ابنتهم الشهيدة.

المستشار محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، كان قد أصدر في ديسمبر 2014، حكمًا في محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية، أكد فيه أن النظام القانوني للجبّانات والمقابر يفرض احترام حقوق وكرامة الموتى وأن نظرة المصريين منذ فجر التاريخ للقبر على أنه مأوى المرء بعد مماته وداره التي يواري فيها بعد رحلته الدنيوية.

عقد القاضى فى الحكم مقارنة بين مصر وبلاد أوروبا عن النظام القانوني للجبّانات والمقابر وما يَنتظمها من حقوق وكانت القضية تتعلق برفض القاضى طلب أهالى إحدى القرى بمحافظة البحيرة بنقل جثمان تم دفنه من خارج أهل القرية بعد أن تم دفنه دون رغبة منهم.

وذكر الحكم أن مصر مهد الدين وراية مجد الأديان السماوية، والإسلام الذي هو دين الدولة المصرية بمبادئ الشريعة الغراء التى عدها المشرع الدستورى المصدر الرئيسى للتشريع، يحترم الأديان السماوية ويحترم الموتى وينبذ نبش القبور، بما يحمله من سماحة وسلام أرسى دعائمها رسول الإنسانية محمد (ص) الذي بعث للناس كافة ليتمم مكارم الأخلاق، وعندما مرت جنازة على الرسول الكريم وقف احترامًا لها، فإذ بأحد الصحابة يقول له: "إنها جنازة يهودي" فقال الرسول الكريم:"أليست نفسًا" وهذا له دلالته الساطعة على أن الإسلام يحترم الموتى ويسوى بينهم أيًا كانوا.

وأضاف أنه يتعيّن المقارنة بين الفقه والقضاء فى كل من فرنسا ومصر بصدد النظام القانوني للجبّانات والمقابر وما ينظمها من حقوق، فإن الفقه فى فرنسا ينظر إلى الجبانات والمقابر على أنها تراخيص لها صفة العقود الإدارية، وتتسم بطابع التراخيص الخاصة بشغل مساحات محدودة من أراضى الجبانات لإقامة مدافن أو أحواش عليها، ويذهب القضاء الفرنسى إلى أن حق المرخص له فى الانتفاع بجزء من أراضى الجبانات هو حق عينى عقارى موضوعه الانتفاع بالجزء المخصص فى الأغراض المحددة فى التراخيص، بمراعاة أن رغبة الأسرة هى أن يستقر موتاهم فى المكان الذى خصص لهم.

أشار الحكم إلى أنه فى مصر فالتّرخيص في مثل هذا النوع من الانتفاع يرتبط باعتبارات ومعتقدات دينية وأعرافًا مقدسة عميقة الجذور فى نفوس المصريين منذ فجر التاريخ باعتبار أن القبر مأوى المرء بعد مماته وداره التى يوارى فيها بعد انتهاء رحلته الدنيوية، كل ذلك أضفى على التراخيص بشغل أراضى الجبانات فى مصر منذ وجدت طابعًا من الثبات والاستقرار لا يزحزحه إلا إنهاء تخصيص المكان للدفن، وقلما يتم ذلك إلا فيما يتعلق بالجبانات التى بطل الدفن فيها.

وأعربت دوائر مهتمة بشئون حقوق الموتى أن الحكم يعد وثيقة قضائية كشفت عن تقدير الأمة المصرية لحقوق موتاهم منذ فجر التاريخ وتعبير صادق عن حرمة قبورهم حتى رفاتهم بما يحفظ كرامتهم وهم أموات تقدمت به على قواعد القانون الدولى الإنسانى، وجاء تأكيد الحكم على أن الشرع الإسلامى رتب للموتى مجموعة من الحقوق على الأحياء رحمة ورأفة بهم وإكراما لهم في التغسيل والتكفين والإسراع بدفنهم والاستغفار لهم.