رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

توفيق أكليمندوس: معظم الدول الأوروبية انتبهت أخيرًا إلى خطر «الإخوان » على المجتمعات الغربية

توفيق أكليمندوس
توفيق أكليمندوس

أشاد الدكتور توفيق أكليمندوس، رئيس الوحده الأوروبية بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، بجولات الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أوروبا، موضحًا أنها تحقق نتائج تستفيد منها مصر على المستويين الاقتصادى والسياسى، داعيًا إلى إدارة الخطاب مع أوروبا بشكل أفضل، خاصة فى ملف حقوق الإنسان لمواجهة الدعاية السلبية لجماعة الإخوان الإرهابية.

وقال «أكليمندوس»، فى حواره مع «الدستور»، إن الاتحاد الأوروبى يواجه أزمات كبرى، فى ظل تصميم آلياته الاقتصادية بشكل ملائم للدولة الألمانية على حساب غيرها من دول الاتحاد، بالإضافة إلى تزايد الرفض الداخلى للنموذج الأوروبى، نتيجة إدارته من قبل مؤسسات غير ديمقراطية، لا تعبر عن الشارع.


■ بداية.. ما أهم الملفات التى تتناولها الوحدة الأوروبية بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية؟
- الوحدة تهتم بدراسة الدول الأوروبية، مثل فرنسا وإيطاليا وإنجلترا وألمانيا واليونان، وغيرها من الدول التى تهتم مصر بإقامة علاقات معها فى المقام الأول، كما أنها ترصد السياسات الخارجية لهذه الدول، والتحديات التى تواجهها، مثل تنامى الشعبوية فى الاتحاد الأوروبى، والإسلاموفوبيا، والتحديات الاقتصادية المختلفة، وآليات التطور الاجتماعى بالقارة العجوز، ومأزق التحول الديمقراطى للمشروع الأوروبى، بالإضافة إلى السياسات الدفاعية.
■ كيف ترى تحركات الرئيس وزياراته إلى دول القارة الأوروبية؟
- الجولات الأوروبية تسير بالتأكيد فى الطريق الصحيح، ونتائج هذه الجولات تستفيد منها مصر على المستويين السياسى والاقتصادى، لكننا ما زلنا بحاجة إلى إدارة خطابنا مع أوروبا بشكل أفضل، فنحن نحتاج، مثلا، إلى تسويق الأزهر الشريف فى أوروبا، التى تبحث حاليًا عن مرجعية دينية إسلامية لتتعامل معها، كما أننا نحتاج للتركيز على معطياتنا الاقتصادية.
أما بالنسبة لموضوع التحول الديمقراطى، الذى يعد مشكلة فى الحديث مع الأوروبيين، فيجب أن نحاول شرح الأمر لهم بشكل أفضل، بعيدًا عن تأثير جماعة الإخوان الإرهابية، لأنهم ليست لديهم دراية كافية بمدى خطورة هذه الجماعة.
■ لماذا لم تتغير نظرة أوروبا لهذا الملف رغم كشف الكثير من الادعاءات التى تقف ورءاها جهات معادية لمصر؟
- للغرب تحيزاته القديمة فى عدد من الملفات، ولا ينظر لملف الدين السياسى إلا من باب حقوق الإنسان، وعدم حبهم وجود أشخاص ينتمون للمؤسسات العسكرية فى الحكم، حتى لو لم توجد دلائل على عدم صحة هذه النظرة، ونحن لن نستطيع أن نغير وجهة نظرهم فى هذه الملفات ولو بألف دليل، كما أن الأوروبيين ينظرون فقط إلى النموذج الأوروبى فى الديمقراطية، ويعتقدون أن جميع الدول يجب أن تذهب إلى هذا النموذج عاجلًا أو آجلًا.
ورغم ذلك، فإن المصالح تجعلهم يتعاملون معنا ولو مضطرين، فمصر دولة كبيرة ومهمة، لكنهم مثلًا ينظرون إلى تونس بشكل أفضل، بغض النظر عن أن مصر تحيا فى أوضاع أفضل منها حاليًا.
■ كيف يمكننا بناء الثقة مع الأوروبيين فى هذا الملف؟
- ملف حقوق الإنسان فى مصر يواجه صعوبات كثيرة، فيجب أن تكون هناك رواية مصرية قوية توضح أننا كنا فى مرحلة ثورة ضد محمد مرسى، ولم نكن فى مرحلة تحول ديمقراطى على يد رئيس منتخب تم إسقاط حكمه وقمع الأصوات السياسية المؤيدة له، فهذه الصورة الأخيرة هى ما وصلت إلى الأوروبيين، دون إدراك حقيقة أن الشعب ثار ورفض هذا النظام الإخوانى.
كما أن علينا أن نوضح أننا دولة تحارب الإرهاب فى الداخل والخارج، وأننا نحيا حاليًا فى مرحلة طوارئ فى ظل هذه الحرب ضد الإرهاب فى سيناء، وأن هذا الوضع لا يسمع لنا بالتجارب الآن، وإلا سوف تكون هناك فوضى لن يرضى عنها الجميع.
ويجب أن يدرك الغرب، أيضا، أننا دولة يجب الوقوف معها، وأن النظام الحالى له قاعدة شعبية كبيرة، وأنه فى مرحلة بناء اقتصادى صعب بعد وضع متدهور، بالإضافة إلى عدم وجود قوى ديمقراطية ذات وزن تعمل حاليا فى الساحة، مع توضيح أنها إذا وجدت فسوف تنشط ويكون لها وجود مؤثر، فى ظل سعى الدولة لتحقيق نمو كبير.
وعلى العموم، الفكرة فيما يتعلق بالإخوان بدأت تتغير، رغم المقاومة الشديدة من التنظيم الإخوانى، الذى ينشط فى أوروبا، لكن هناك دولًا كثيرة بدأت تدرك أن لديها مشكلة فى المشروع الإخوانى، وهذا لمصلحتنا.
■ كيف تقيم العلاقة بين مصر وألمانيا فى ظل الزيارات المتكررة للرئيس إلى برلين؟
- ألمانيا دولة كبيرة سياسيًا، ومصير أوروبا متوقف بدرجة كبيرة على سياساتها، وهناك العديد من الدول التى تنتهج نهجها، وألمانيا لها شراكة قوية وتبادل تجارى مع مصر فى مجالات عديدة، وعلى المستوى الاقتصادى، فإن العلاقات بين الطرفين مفيدة، فمصر سوق كبيرة، وألمانيا تحب أن تستثمر وتقيم مصانعها فى أماكن خارج ألمانيا.
والجانب المصرى مهتم بتطوير العلاقات مع ألمانيا، باعتبارها قوة اقتصادية عظمى، مع عدم قصر التعاون على الولايات المتحدة وفرنسا فقط، ويجب أن ندرك أن هناك صناعات تحتكرها ألمانيا بالكامل، كما أنها تقوم بصناعة أسلحة يمكن لمصر الاستفادة منها.
على جانب آخر، فإن برلين انتبهت، مؤخرًا، إلى أن جماعة الإخوان الإرهابية تشكل خطرًا على المجتمعات الغربية، كما تنبهت إلى أنها لا تستطيع الاعتماد كليًا على الولايات المتحدة، لذا بدأت تنتهج سياسة أكثر نشاطًا تقوم على أساس القوة الألمانية والمصالح المشتركة.
■ لماذا يبدو توطيد العلاقة الاقتصادية بين مصر وألمانيا مزعجًا لبعض الدول الأوروبية؟
- لأن هناك تنافسًا بين الدول الكبرى فى عدة مجالات، على رأسها صناعة الأسلحة، فالصفقة التى تفوز بها ألمانيا تعنى خسارة لفرنسا أو بريطانيا، لكن مصر تعمل بحرص على ألا تكون أسيرة لدولة معينة، أو تابعة للسوق الأمريكية أو الفرنسية.
ورغم أن مصر كانت تمنح الأولوية للولايات المتحدة، إلا أن التجارب العملية فى آخر ٢٠ سنة أثبتت أن قرارات الولايات المتحدة تكون غير مرضية، أحيانا، بالنسبة للقاهرة، كما اتخذت مواقف سلبية تجاه مصر بعد الربيع العربى، لذا كان يجب على مصر أن تنوع علاقاتها، وهو ما نجحت فيه.
ومن هنا جاءت أهمية تطوير العلاقة بين مصر وألمانيا فى ظل عدم وجود أى مشكلات بين الطرفين، لذا كان من الطبيعى أن يكون هناك تعاون قوى بينهما، خاصة بعدما اكتشفت ألمانيا، مؤخرًا، وتحديدًا منذ عام ٢٠١٥، أنها لا تستطيع أن تتعامل باعتبارها بعيدة عن الشرق الأوسط، الذى يأتى إليها عن طريق تركيا والبحر المتوسط وإيطاليا.
ومن هنا، بدأت ألمانيا التعامل بشكل مختلف مع الدول المهمة فى الشرق الأوسط، مثل إيران وتركيا ومصر، بحثًا عن توطيد العلاقة مثلما وطدت علاقتها بالقوى الأوروبية.
■ إذا انتقلنا للعلاقات المصرية الإيطالية.. كيف تقيم هذه العلاقات فى الآونة الأخيرة؟
- إيطاليا من الدول المهمة جدًا بالنسبة لمصر، وهناك تعاون قوى فى ملف الغاز الطبيعى، والسياسة الخارجية، وصلات ثقافية مهمة، بالإضافة إلى إمكانية التعاون فى ملف الصناعة، خاصة صناعة السيارات، وكذلك ملف الأمن فى البحر المتوسط.
وفى الملف الليبى، نجد أن إيطاليا شريك مهم لمصر فى إعادة الاستقرار إلى ليبيا، رغم أن الرأى الإيطالى يقوم على كون ليبيا قد سقطت ولن تعود مرة أخرى، فيما يقوم الموقف المصرى على أساس إعادة الاستقرار إلى ليبيا وإعادة إعمارها.
ورغم ذلك، فإن العلاقات تأثرت سلبًا بعد واقعه الباحث «ريجينى»، التى لا تزال تحتاج إلى فترة لتجاوز أصدائها على الجانب الإيطالى.
■ فى تقديرك.. ما الدول الأخرى التى يجب على مصر أن تزيد من التعاون معها فى أوروبا؟
- مصر بحاجة إلى التعاون مع كل الدول الأوروبية، حتى لو كانت تصرفاتها سلبية تجاه مصر، فيجب تطوير العلاقات مع إنجلترا، التى كانت تدعم الإخوان وتأوى بعضهم على أراضيها، كما أن على القاهرة تطوير علاقاتها مع الدول الإسكندنافية واليونان وبولندا، والاستفادة منها فى العديد من المجالات.
فدولة مثل بولندا تعد واحدة من الدول ذات الوزن الكبير فى الاتحاد الأوروبى، ولديها معدلات نمو جيدة يمكن الاستفادة منها فى تحقيق التعاون الاقتصادى.
■ يعانى مشروع الاتحاد الأوروبى من مشكلات كبيرة فى الوقت الحالى.. فما أسباب ذلك؟
- المشروع الأوروبى أصبح «فوضويًا» ولا يعمل بشكل جيد، لأنه بنى على أساس مخاوف الدول الأوروبية من الاتحاد السوفيتى، لذا بدأ بمحاولات صغيرة لقيام اتحاد كبير بينها فى مواجهة هذا الخطر، لكن المشروع لم يكتمل حتى انهيار الاتحاد السوفيتى.
وأثناء التأسيس، كان الهم الأساسى لأغلب الدول أن تجبر ألمانيا على ركوب القطار الأوروبى، لذا تم تصميم آليات الاتحاد بطريقة جذابة لألمانيا بالتحديد، ويمكن القول إن البنك المركزى واليورو وجميع الآليات الاقتصادية مصممة لصالح الاقتصاد الألمانى.
فمثلا، صممت العملة الموحدة «اليورو» لتساوى ٢ مارك ألمانى، لأن ألمانيا كانت بحاجة لعملة قوية تعظم من مصالحها فى الخارج، خاصة أن منتجاتها وبضائعها تباع بشكل جيد، رغم أن دولًا أخرى مثل فرنسا وإيطاليا كانت بحاجة إلى عملة ضعيفة كى يتم تصدير بضائعها. وبناء عليه، خرج «اليورو» وفقًا لمقومات سياسية، فى ظل عدم توافر الشروط الاقتصادية المناسبة، وتم تدشين عملة موحدة ذات سياسة ضريبية موحدة فى كل مكان، وبمعنى آخر، فرضت ألمانيا سياستها المالية على الجميع، ما أثار المخاوف من أن ألمانيا سوف تهيمن على التجارة الأوروبية.
ورغم أن دولًا مثل فرنسا كانت تعتقد أن العملة الموحدة ستطور اقتصادها مثل ألمانيا، إلا أن هذا لم يحدث فيها ولا فى دول أخرى ذات اقتصادات متفاوتة القدرة، وعلى رأسها اليونان، التى تم تدمير السياحة فيها نتيجة العملة القوية، خاصة أن هذه العملة جعلت الأسعار السياحية تميل لصالح تركيا المجاورة.
وهذا يكشف الأسباب الحقيقية وراء معاناة ملف الاقتصاد الأوروبى من المشكلات، فرغم نجاح دولة مثل ألمانيا فى توظيف المشروع الأوروبى لفرض هيمنة اقتصادية على أوروبا الشرقية، إلا أن ذلك أثار مقاومة فكرية واستياء من بعض هذه الدول، كما أنه تسبب فى وجود دول خاسرة، على رأسها إيطاليا وفرنسا واليونان.
■ هل هذا هو السبب فى أن البعض يرى الاتحاد الأوروبى غير ديمقراطى؟
- مؤسسات الاتحاد الأوروبى غير منتخبة، وهذا ما يؤدى إلى مأزق كبير، خاصة أن كثيرًا من العاملين بهذه المؤسسات لا يمتلكون الخبرات الكافية للتعامل مع الثقافات والأديان المختلفة، كما أنهم، ورغم الادعاء بأنهم يفهمون آليات الاقتصاد والتمويل، إلا أن الحقيقة تقول إنهم يقلدون الولايات المتحدة، ويعتمدون على «روشتات» من الخارج، مثلما حدث فى عهد الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما.
ورغم ذلك، هناك أعمال مهمة أنجزها الاتحاد الأوروبى تتمثل فى السياسات الدفاعية، التى بدأت تعطى نتائج جيدة، لكن اكتساب الخبرات لا يأتى فى يوم وليلة ويحتاج إلى خبرات عملية ووقت طويل.
ويمكن القول إن النموذج الأوروبى قائم على أساس «هش»، فمشروع الوحدة الأوروبية يقوم دون حدود واضحة، ويتصور أنه يستطيع أن يكون نموذجًا يحتذى به، فقط لكونه يجمع بين الرأسمالية وإعادة التوزيع واحترام حقوق الإنسان.
والمشكلة هنا تكمن فى عدم وجود الديمقراطية أو تمثيل الشعوب، فصناع القرار فى الاتحاد هم أناس منقطعون عن الجماهير ويتحدثون لغة سياسية مختلفة وذات منطق اقتصادى لا يفهمها هؤلاء، ما أدى لمقاومتها بشدة فى الداخل الأوروبى.
■ ماذا تعنى بمقاومة نموذج الاتحاد الأوروبى من الداخل؟
- أعنى أن الأوروبيين لم يعودوا يطيقون هذه السياسة غير القائمة على احترام الثقافات الأوروبية، ففرنسا دولة أمة وألمانيا دولة أمة، والظاهرة الوطنية فى ازدياد رغم مخاوف النخب منها، لكونها ترى أن هذه الظاهرة تسببت فى تدمير أوروبا فى الحرب العالمية الثانية، وهى تربط التعصب بالقومية، وترى أن هذا التوجه يمكنه أن يؤدى لحدوث العديد من الكوارث، فى ظل ربط الوطنية بالعنصرية.


ماذا عن العلاقات مع فرنسا؟
- العلاقة وثيقة، وتبرز فى العلاقة الجيدة بين الرئيسين المصرى والفرنسى وتقدير فرنسا الكبير للرئيس السيسى، بالإضافة إلى التعاون مع باريس فى مجال التسليح، خاصة أنها منتج مهم للسلاح فى العالم، فى الوقت الذى تبحث فيه مصر عن تنويع مصادر تسليحها. وعلى المستوى الاقتصادى، تملك فرنسا خبرات كبيرة فى مجال الصناعة والتكنولوجيا والسياحة، ولدينا مدرسة فى التعاون القضائى بين البلدين، وعلاقات فى تطوير كوادر الجهاز الإدارى للدولة، كما أن الجاليات المسلمة لفرنسا تسمح بكثير من التعاون المشترك، وهناك الرؤية المتشابهة للملف الليبى والبحث عن إعادة إعمار ليبيا، وهو ما يفتح باب التنسيق معها فى هذا المجال.
وإن كانت هناك نقاط سلبية فإنها تتمثل فى البضاعة الفرنسية، التى عادة ما تكون ذات أسعار مرتفعة، نظرًا لارتفاع تكلفة العمالة هناك.