رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ألعاب انتخابية.. لماذا بدأت إسرائيل التصعيد مع «الجهاد» فى غزة؟

جريدة الدستور

نجحت الجهود المصرية، أمس الأول، فى التوصل لاتفاق يقضى بوقف إطلاق النار بين جيش الاحتلال الإسرائيلى وفصائل المقاومة الفلسطينية فى قطاع غزة المحاصر، وينص على وقف فورى لإطلاق النار والالتزام بالحفاظ على سلمية «مسيرات العودة» من الجانب الفلسطينى، والالتزام بوقف الاغتيالات، ووقف إطلاق النار ضد غزة أو متظاهرى المسيرات، من الجانب الإسرائيلى.
ودخل الاتفاق حيز التنفيذ، فى الخامسة والنصف فجر الخميس، برعاية مصرية، لينهى بذلك ٤٨ ساعة من التصعيد بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلى عقب استشهاد بهاء أبوالعطا، قائد الجبهة الشمالية فى «سرايا القدس»، الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامى»، فى غارة إسرائيلية استهدفت منزله داخل قطاع غزة.
وبعد انتهاء الأزمة، أثيرت العديد من التساؤلات حول الهدف من إقدام إسرائيل على خطوة اغتيال «أبوالعطا»، وربطها بالتطورات السياسية الأخيرة فى تل أبيب، بجانب النتائج المترتبة عليها، وإمكانية اندلاع التصعيد مجددًا من عدمه، وهو ما تحاول «الدستور» رصد إجاباته من الداخل الإسرائيلى فيما يلى.



محللون: مناورة من نتنياهو لدعم حكومة الوحدة بين «الليكود» و«أزرق- أبيض»


تساءلت صحف عبرية ومراقبون عن السر الذى دفع إسرائيل نحو تصعيدها الأخير، المتمثل فى اغتيال بهاء أبوالعطا، خاصة أنه ترتب عليه كثير من الخسائر، فى مقدمتها إلغاء الدراسة فى جميع مدارس المستوطنات الجنوبية وبعض الجامعات، وتعطيل التجارة والنقل العام.
واعتبر عومير بارليف، عضو «الكنيست» عن حزب «العمل» اليسارى، أن توقيت الاغتيال مثير للدهشة وله هدف سياسى، يتمثل فى كسب تأييد شعبى، خاصة أنه كانت هناك أكثر من فرصة، على مدار عام ونصف العام، لتصفية «أبوالعطا»، وقياديين آخرين فى حركتى «الجهاد الإسلامى» و«حماس»، لكن المجلس الوزارى المصغر «الكابينت» امتنع عن التنفيذ.
وقال مراقبون إن السؤال الحقيقى وراء الاغتيال يجب أن يكون: لماذا غيّر بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء المنتهية ولايته، موقفه من اغتيال تلك الشخصيات قبل ٧ أيام فقط من انتهاء تفويض بينى جانتس، زعيم تحالف «أزرق- أبيض» بتشكيل الحكومة؟
وأوضح المراقبون أن هذا التساؤل يفتح الباب أمام البحث عن جدوى العملية وأهدافها السياسية، معتبرين أنها تعد «مناورة» من «نتنياهو» الذى التقى، مؤخرا، مع «جانتس» لإطلاعه على مجريات التصعيد، منوهين بأن الصحف العبرية لم توضح هل تطرق الاجتماع إلى فكرة تشكيل حكومة وحدة أم لا.
ورأوا أن توقيت عملية اغتيال «أبوالعطا» لم يكن على خلفية الاعتبارات الأمنية، بل الدواعى السياسية والدافع القوى لتشكيل حكومة وحدة، فى ضوء ما ذكرته وسائل الإعلام حول أن «نتنياهو» أبلغ «جانتس» بخطة اغتيال «أبوالعطا» قبل تنفيذها.
من بين هؤلاء المراقبين المحلل العسكرى عاموس هرئيل، الذى قال إنه لا يمكن تجاهل علاقة السياسة بالتطورات العسكرية الأخيرة، خاصة أن الأضرار المترتبة على اغتيال «أبوالعطا» كانت معروفة.
وأوضح «هرئيل»، فى مقاله بجريدة «هآرتس» أنه «رغم ادعاءات الجيش الإسرائيلى بأن أبوالعطا كان على وشك تنفيذ إطلاق قذائف صاروخية باتجاه غلاف غزة، خلال الأيام المقبلة، إلا أن هذا التصعيد الأمنى من شأنه أن يدفع الاتصالات الحزبية لتشكيل حكومة الوحدة».
وبين تلك الفكرة بقوله إن الخطوة الأخيرة مبرر قوى يمكن «نتنياهو» من جر «أزرق- أبيض» إلى حكومة وحدة، موضحًا أن «كل من يعرف جانتس، منذ سنوات خدمته الطويلة فى الجيش الإسرائيلى، بإمكانه أن يشخص دون صعوبة، ومن لغة جسده والقراءة بين سطور تصريحاته، رغبته العميقة فى تقاسم مسئولية القيادة، أى الانضمام إلى حكومة وحدة».
ورغم معارضة باقى قيادة «أزرق- أبيض»، فإنه عندما تتطاير القذائف الصاروخية، وسط هجوم محسوب لنشطاء معسكر اليمين ضدهم بتصويرهم بأنهم يساريون ويحبون العرب، فإن فكرة حكومة أقلية بدعم خارجى من «القائمة العربية المشتركة» ستبدو أصعب فى التحقق، وفق «هرئيل».
وأضاف: «ليس لدى جانتس، فى هذه المرحلة، أى دعم شعبى وسياسى من أجل تشكيل حكومة بدعم من (القائمة المشتركة)، ما يعنى أن الاحتمال المطروح هو تشكيل حكومة وحدة فقط».
ونقلت صحف عبرية تدوينات يوعاز هندل، عضو «الكنيست» عن «أزرق- أبيض»، على «تويتر»، التى قال فيها إنه يعارض حكومة أقلية تستند إلى دعم «القائمة المشتركة»،، مضيفا: «الاغتيال مبرر، والحل الوحيد للوضع هو الوحدة، لأن الحرب على البيت هى حربنا جميعًا، وليس لها حزب».
الأمر نفسه، أشارت إليه صحيفة «إسرائيل اليوم» التى قالت إن رؤساء «أرزق- أبيض »، بينى جانتس، وموشيه يعلون، وجابى أشكينازى، قرروا جميعا التراجع عن خيار تشكيل حكومة أقلية بدعم الأحزاب العربية فى «القائمة المشتركة»، والذهاب نحو حكومة وحدة مع «نتنياهو» وكتلة «الليكود»، بالإضافة إلى كونهم أقل ممانعة لدخول الأحزاب الدينية المتشددة «الحريديم» إلى الحكومة.
ونوهت بقبول القيادات الثلاثة مقترحًا يتضمن تناوب «نتنياهو» و«جانتس» على رئاسة الحكومة، على أن يبدأ «نتنياهو» من الفترة الأولى.
لذا يبدو جليًا من تلك الشهادات أن جولة القتال التى دارت، فى الأيام الماضية، بين إسرائيل و«الجهاد الإسلامى» تسببت فى حالة من التوافق والإجماع فى الداخل الإسرائيلى، بعد أسابيع طويلة من الانشقاقات والاختلافات.
ودفعت الأحداث الأخيرة الرئيس الإسرائيلى، رءوفين ريفلين، إلى دعوة الأحزاب المتخاصمة، على خلفية فشلها فى التوافق على تشكيل حكومة، إلى وضع الخلافات جانبًا، مشيرًا إلى أن هذا ليس وقت المواجهات السياسية، ما ترك أثره على مواقف تلك الأحزاب.



ترجيحات عبرية باستمرار المواجهات وعدم اقتصار المقاومة على الصواريخ


بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«الجهاد الإسلامى» حيز التنفيذ، إثر التوصل إليه بوساطة مصرية، قال «نتنياهو» إن إسرائيل لا تزال تخوض معركة ضد الحركة فى قطاع غزة، مشيرا فى الوقت ذاته إلى أنها غير معنية بالتصعيد.
وعقد «نتنياهو» جلسة «تقييم أمنى» مع كبار قادة الجيش والأجهزة الأمنية، خاصة المعنيين بقيادة المنطقة العسكرية الجنوبية «قطاع غزة»، بعد تدهور الأوضاع عقب عملية الاغتيال، وقال، خلال الاجتماع، وفقًا لوسائل إعلام عبرية، إن الجيش الإسرائيلى سيواصل ضرب «الجهاد» بلا رحمة، طالما لم يتوقف إطلاق الصواريخ من غزة، مرجحًا أن تمتد الجولة الحالية وتستغرق وقتا حتى تنتهى.
وذكرت الصحف العبرية أن «نتنياهو»، فى مستهل الجلسة، قال إن إسرائيل غير معنية بالتصعيد، لكنها سترد على أى هجمات.
من جانبه، زعم نفتالى بينت، وزير الدفاع الإسرائيلى، أن حركة «الجهاد الإسلامى» ما زالت تحاول جر مواطنى القطاع إلى معركة مع إسرائيل، رغم أن ذلك قد يلحق أضرارًا كبيرة بهم.
وأجرى أفيف كوخافى، رئيس هيئة الأركان العامة لجيش الاحتلال، جولة تفقدية فى قيادة المنطقة الجنوبية، لتقييم الأوضاع الأمنية فى المنطقة، وقال إن عملية اغتيال «أبوالعطا» كانت مركزة ودقيقة، مدعيًا أن إسرائيل ليس لديها مصلحة فى التصعيد، لكنها «جاهزة لمواجهة الحركة واستمرار الهجمات، ولعمليات اغتيال إذا اضطررنا لذلك».
ودعا «كوخافى» الإسرائيليين للتصرف وفق التعليمات التى أصدرتها قيادة الجبهة الداخلية، فيما قال بيان رسمى صدر عن الجيش الإسرائيلى: «لدينا تحد واسع النطاق ضد إيران، ويجب التركيز على الجبهة الشمالية».
وتوقعت تقديرات عسكرية فى تل أبيب أن تواصل «الجهاد الإسلامى» إطلاق القذائف الصاروخية باتجاه إسرائيل، وأن يكون الهجوم القادم منتظما ويتضمن إطلاق نار ومحاولات إطلاق قذائف مضادة للدبابات ونيران قناصة، دون الاكتفاء بإطلاق القذائف الصاروخية.
وذكرت القناة العبرية الـ١٢ أن الجيش الإسرائيلى أحبط عملية نوعية حاولت حركة «الجهاد» تنفيذها ردًا على عملية الاغتيال، وأن الحركة ما زالت تحاول تنفيذ عمليات نوعية تتضمن التسلل عبر حدود القطاع إلى إسرائيل لإيقاع أضرار بها.
ونقلت الصحف العبرية، عن مصادر لم تسمها، أن «الجهاد» قد تقرر التصعيد مجددًا، خاصة أن الفلسطينيين يخشون من أن تطال العمليات الإسرائيلية عددًا من الأهداف الحيوية، من بينها مقر الأمن الداخلى إلى جوار مديرية التربية والتعليم فى بيت لاهيا، ومبنى سكنى قرب المجلس التشريعى وسط مدينة غزة، يقع فيه مقر الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، وبرج سكنى يقع مقابل النادى البحرى غربى المدينة، وحى المنارة بخان يونس، ونقاط الرصد بدير البلح، وكذلك أراض زراعية شرق بيت حانون، ومخيم البريج، ما يجعل الحركة أكثر تحفزًا.
وأشارت إلى أن وحدات «السايبر» الإلكترونية المتخصصة، التابعة للجيش الإسرائيلى، قالت إن مستوطنين إسرائيليين تلقوا الآلاف من الرسائل النصية، تحمل أرقامًا تليفونية تتعلق بالجبهة الداخلية، كان مصدرها مجموعات تابعة لحركة «حماس» فى قطاع غزة.
وأوضحت: «أرسلت مجموعات تابعة لحماس آلاف الرسائل النصية إلى هواتف المستوطنين، تحذرهم من التعامل مع بعض الأرقام». ووفقًا للقناة العبرية الـ١٢، فإن «حماس» نشرت هذه الرسائل لخلق حالة من الفوضى، فى إطار التصعيد المتبادل، واستمرت فى ذلك حتى قبل سريان الهدنة بوقت قصير.



دعوات للتوقف عن سياسة الاغتيالات: لن تحل الأزمة


سلطت مراكز أبحاث إسرائيلية الضوء على جولة الصراع الحالية بين إسرائيل وحركة «الجهاد الإسلامى»، لمحاولة فهم آليات عمل التنظيم، وتحديد قدراته، وإلى أى مدى تطورت خلال الفترة الماضية.
وقال مدير معهد دراسات الأمن القومى فى جامعة تل آبيب، عاموس يادلين، رئيس شعبة الاستخبارات الأسبق بالجيش الإسرائيلى: «لا بد من أن يستفيد الجيش الإسرائيلى من هذه الجولة لمعرفة قدرات الجهاد الإسلامى وكيفية التعامل معها».
وأضاف: «حتى إذا لم تشارك إيران فى قرارات حركة الجهاد الأخيرة بشن هجمات على إسرائيل، فإن الموارد التى استثمرتها طهران فى الحركة تسمح لها بمرور الوقت بتهديد الإسرائيليين على بعد ٨٠ كم من غزة». ورأى بعض المحللين أن سياسة اغتيالات قيادات «الجهاد الإسلامى» لن تجلب الهدوء إلى إسرائيل، بل ستدفع لمزيد من المواجهات، وعلى رأسهم المحلل العسكرى، تسفى برئيل، الذى قال، فى مقاله بجريدة «هآرتس»، إن «المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى كان محقًا عندما وعد المواطنين المذعورين بالابتعاد عن سياسة التصفيات».
ووصف «برئيل» التفاوض مع «الجهاد الإسلامى» بأنه «احتفال نقل السلطة من وزير الدفاع السابق بنيامين نتنياهو إلى وزير الدفاع الجديد نفتالى بينيت»، مشيرًا إلى أن «بينيت» كتب على صفحته فى «فيسبوك»، سبتمبر الماضى، أن «حماس كفت عن الخوف من إسرائيل.. أمن إسرائيل سيعود عن طريق رؤساء حماس الذين تتم تصفيتهم وليس عن طريق المؤامرات الصحفية»، وهو ما يُظهر أن سياسة الاغتيالات تتماهى مع سياسة «بينيت»، وزير الدفاع الحالى.
وأضاف المحلل الإسرائيلى: «التهدئة النسبية الأخيرة مع غزة جاءت بفضل الاتفاقيات والتفاهمات والدفعات المالية، فالتصفيات لن تحل مشكلة إطلاق الصواريخ والطائرات الورقية الحارقة والبالونات المتفجرة».