رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالرحيم طايع يكتب: فاتورة الكهرباء

جريدة الدستور



يخطئ من يظن أن موضوعًا كموضوع فاتورة الكهرباء هين، بحيث لا يجب أن ننشغل به كثيرًا ونتحدث فيه طويلًا. فالموضوع على رأس الموضوعات الداخلة فى صلب معيشة الناس باختلاف طبقاتهم.. وقد بات الناس كلهم يشكون من غلاء الفواتير التى تحدد قيمة الاستهلاك بصورة شهرية، غنيهم وفقيرهم، ذو النفوذ فيهم والبسيط بينهم. نظامان لاستهلاك الكهرباء فى مصر، نظام الكارت ونظام الفاتورة، الأول يتحكم فيه المستهلك نفسه، والثانى تتحكم فيه «وزارة الكهرباء» من خلال شركاتها المسئولة عن المناطق وموظفيها قراء العدادات المنزلية، والذين يحضرون بالفواتير مكتوبة وجاهزة، لكن يدعوهم الناس إلى النظر المباشر فى العدادات لتدوين ملاحظاتهم ومعرفة ما إذا كان التقدير صحيحًا أم جزافيًا، وغالبًا ما يكون جزافيًا للأسف.
فغالبية العدادات لا تطابق قراءتها المباشرة أرقام الفواتير الإلكترونية التى تحددت سلفًا فى الشركات بنظام المتابعة من المنابع، والمفترض أن يكون نظامًا دقيقًا أمينًا، يربط الجديد بالقديم بواسطة قراءات مُحكمة تحدد شريحة كل مستهلك بمرور السنين، لكن فى يوم تسليم الفواتير للناس، وليس يومًا ثابت الميعاد بالمناسبة، غالبًا ما يكون الاحتجاج وتكون الصدمة بعد أن علم من علموا حجم فواتيرهم.
لا يعنى هذا أن نظام الكارت لا يكلف أصحابه مالًا مبالغًا فيه أيضًا؛ فقد زادت أسعار الكهرباء كما زادت أسعار السلع جميعًا، لكن الفرق أن صاحب الكارت مع الوقت والخبرة، يمكن أن يتنازل عن استخدام آلات مكلفة وينظم استخدامه لآلات أخرى، بينما صاحب العداد ينتظر تقدير الشركة لاستخدامه، ومهما وفر فى الاستخدام راجيًا تكاليف أقل؛ فإن التقدير فى الأغلب يكون عاليًا بدرجة محيرة محزنة.
يشكو الناس لقارئى العدادات فى العادة، وينصحهم القراء بإعلان التضرر فى الشركات نفسها بصورة رسمية، فإذا ما اتبع الناس النصح لا يتغير شىء سوى تضييع وقت يساعد فى تدبير النقود المطلوبة، وأحيانًا الدفع بالتقسيط بدلًا من الدفع مرة واحدة، ومن الخطير الذى يجرى فى هذا الإطار أن جماعات من الناس تقوم بإفساد العدادات، بحيث لا تحقق صعودًا للأعلى على الإطلاق، والأخطر أن يقال إن المحصلين الفنيين أنفسهم، ينصح بعضهم الناس الطيبين بإجراء مثل ذلك فى العدادات تجنبًا لارتفاع التكلفة. فحينها ستكون صورة القراءة المرفقة بالشكوى منخفضة، وعليه قد تقبل الشركات التضرر برمته، فتقدر تقديرًا أدنى يوافق الأوراق الموثقة المقدمة إليها.
المهم تعب الناس من موضوع الكهرباء تعبًا شديدًا، وانتشرت بينهم شائعات شتى عن استغلال قراء العدادات الزيادة الجهنمية ليحصلوا على رواتبهم كاملة أو مكافآت فوق الرواتب، وأيضًا تعمد الشركات للخطأ دعمًا لاحتياجات القطاع الكبير على حساب الناس بلا رقابة رادعة.. والحاصل أن الإهمال القاتل هو السبب والروتين الحكومى المستحكم المستفحل هو السبب، والخضوع التام لآليات السوق الاقتصادية بلا تصرفات ألمعية رحيمة تراعى الظروف المادية المتدنية للأغلبية هو السبب.
إن شئنا الأمانة ففى كل قطاعات الحكومة تعود المشكلات والأزمات إلى أسباب متشابهة، ومن الغريب استمرار المشكلات وتفاقم الأزمات عبر الأزمنة، وعلو نسب المعاناة البشرية فى وجوه المرايا؛ كأن الضنك هو ما كتبته الأقدار على الناس فى بلاد عريقة، كان يجب أن تسير دومًا فى الطريق الصحيح وتتوخى الأمان والسلامة وتبغى الوصول إلى غايات تجعل الأمور أيسر وأحسن.
من الاستهانة بالحياة نفسها أن نستهين بموضوع حيوى كهذا الموضوع. ففيه يتجلى النور وتكمن صيرورة الأشياء جميعها، وإن الاستهانة بمثله لها من الأخطار ما لها. ففاتورة الكهرباء التى تأتى للناس بالخبر المزعج السيئ قد تحول انتماء منتمٍ من المحبة إلى الكراهية، ومن الخوف على البلاد إلى الشعور القاتل باللامبالاة إزاءها.
نقرأ فى الصحف والمواقع وعودًا بالإصلاح فى دائرة الكهرباء بالذات، ونتابعها فى الإعلام بجميع وسائله، لكن تمر الشهور ويبقى ما على الأرض نفس ما عليها من الأفعال التى لا تمت للكلمات العلمية الحكيمة بصلة، وهذا واقع أفقد الناس الثقة بالحكومة، وجعلهم لا يعولون عليها، بل على أنفسهم «أعنى على تقديرهم الخاص للأوضاع وقدرتهم على التصرف بحيالها وهو خلل كبير».. إننى أطالب الجميع فى المؤسسة المعنية- من الوزير إلى الخفير- بأن نغلق الصفحة القديمة البائسة ونبدأ صفحتنا الجديدة التى لا عوار فيها.