رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدستور.. هو المعركة الأهم


هل كان القصد أن يكون ثلاثى الكنائس هم ممثلو المسيحيين؟ وهل بذلك لا نعتبر أن هناك تقسيمة طائفية اختصرت تمثيل الأقباط فى هذا الثلاثى؟ أليس هذه طائفية وفرزاً طائفياً؟ وهل بهذا نكون فى طريقنا إلى الدولة المدنية أم لتكريس الدولة الدينية؟.

الدستور التوافقى هو الدستور الذى يتمسك بإيجابيات الماضى منطلقا من آفاق الحاضر الثورى «يناير ويونيو» متشرفا المستقبل الذى يجد فيه المواطن- كل مواطن- حقوقه، ممارسا حرياته مشاركا فى إدارة الوطن دون تفرقة بين مواطن وآخر على أى أساس غير أساس المواطنة التى تطبق كحقيقة مجسدة على أرض الواقع لا نصاً ميتاً بين دفتى الدستور، وما تم من ممارسات بعد يناير وفى عام حكم الإخوان وتلك الطريقة الإقصائية التى تم على أساسها وضع دستور 2012.

فهذا بلا شك كان السبب الأساسى لما تم فى 30 يونيو وما بعده، ولذا فلا يجب أن يستبدل إقصاء بإقصاء ولا نأتى بجماعة بديلا عن أخرى سواء كان اسمها جماعة الإخوان أو جبهة الإنقاذ وكأن يونيو ما كان غير تصفية للحسابات.. ولجنة الخمسين التى بدأت عملها منذ وقت قريب والتى ستقوم بعمل التعديلات الدستورية المطلوبة من وجهة نظر لجنة العشرة المبجلة أو ستقوم بتغيير الدستور بأكمله تلاقى حتى الآن اعتراضات كثيرة من تلك القيادات التى لم تمثل فى اللجنة خاصة من جانب ما يسمى بـ« التيار الإسلامى» حيث يعتبر هذا التيار أنه لم يمثل بغير عضو واحد وهو ممثل لحزب «النور» حيث إن باقى فصائل التيار امتنعت عن المشاركة فى اللجنة، معتبرين أن د.كمال الهلباوى غير ممثل لحزب ولكان يجب أن يكون ضمن الشخصيات العامة.

كما أنهم يعتبرون ممثلى الأزهر ممثلين لمؤسسة حكومية، ويعتبر التيار الإسلامى أن اللجنة يسيطر عليها التيار الليبرالى واليسارى بل قل جبهة الإنقاذ، وأيضا حزب الجبهة الذى لم يمثل منه رئيسه الذى كان من أول المروجين لتوريث جمال مبارك فى اللجنة «د. أسامة الغزالى» معترضا أن يتم اختيار د. أبو الغار كليبرالى فى حين أن حزبه اشتراكى، وكثيرون يعتبرون أن اختيار اللجنة قد طغى عليها فكرة المجاملة خاصة أن أغلب قيادات الحزب المصرى الاجتماعى ممثلون فى اللجنة وهو الحزب الذى ينتمى إليه رئيس الوزراء ونائبه، ناهيك عن تمثيل أغلب قيادات جبهة الإنقاذ وهى العدو اللدود للتيار الإسلامى وكأن تلك الجبهة هى البديل للتيار الإسلامى الذى سيطر على مقاليد الأمور فى عام مرسى والإخوان، وكأن ثورتى يناير ويونيو قد جاءت لكى تختطف الأولى للإخوان والثانية يفوز بها الإنقاذ ومريدوها.

وهنا نذكر بأن الاختطاف قد تم قبل وصول الإخوان للحكم وفى عهد مجلس طنطاوى وعصام شرف، وبنظرة سريعة لتعيينات طنطاوى- شرف فى المجلس الأعلى للصحافة والمجلس القومى لحقوق الإنسان، وفى كثير من مواقع المحافظين نجد قيادات الإنقاذ قبل أن تطلق على نفسها هذا اللقب تماشيا مع حالة الزخم الجماهيرى التى سبقت وعلت على كل القوى السياسية هذه التى لا تجيد غير الظهور الإعلامى والبحث عن المواقع، ثم جاء الإخوان وخرج رموز الإنقاذ من هذه المواقع وحل بديلا عنهم الإخوان ومريديهم وسقط الإخوان فعادت رموز الإنقاذ إلى مواقعهم والأسماء موجودة ولا نريد شخصنة القضية، وكأن قدر مصر أن يرثها هذان الفريقان تحت مسمى «الوطنية والثورية» التى لا نجد لها وجوداً على أرض الواقع والآخر تحت مسمى «الدين والتدين» والحفاظ على الإسلام، والشعب هو الذى يدفع الثمن دائما ليكسب هؤلاء، والأهم وفى إطار تشكيل تلك اللجنة وتعديل أو تغيير الدستور نتحدث عن الدولة المدنية والأحزاب المدنية فى مقابل الدولة المدنية وعدم مشروعية تشكيل الأحزاب على أساس دينى حتى لا تكون هناك تفرقة بين مواطن وآخر على أساس الدين، فى الوقت الذى نرى فيه قمة التناقض فى القول وفى القرارات حيث يتم تكريس المفهوم الدينى وتجذير النظرة الدينية وتأصيل التعامل الطائفى، فما معنى ممثلى الكنائس فى لجنة الخمسين وممثلى الأزهر؟ هل هؤلاء يمثلون الأقباط وأولئك يمثلون المسلمين؟ وإذا كان هذا لا ينطبق على الأزهر باعتبار أن كل أعضاء اللجنة باستثناء ممثل الكنائس ود. مجدى يعقوب الذى لا أرى مبرراً لاختياره غير مكانته المهنية العالمية، جلهم مسلمون، فهل كان القصد أن يكون ثلاثى الكنائس هم ممثلو المسيحيين؟ وهل بذلك لا نعتبر أن هناك تقسيمة طائفية اختصرت تمثيل الأقباط فى هذا الثلاثى؟ أليس هذه طائفية وفرزاً طائفياً؟ وهل بهذا نكون فى طريقنا إلى الدولة المدنية أم لتكريس الدولة الدينية؟ وما علاقة هذا الثلاثى بالدستور؟ وهل هناك حزب يجمع الشامى والمغربى من المسيحيين ترأسه الكنيسة فى هذه اللجنة؟ المسيحيون ليسوا فى تركيبة سياسية واحدة هم فى كل الاتجاهات السياسية ويمثلهم ممثلو الاتجاهات السياسية لا ممثلى الكنائس، وهل هذا الثلاثى فى مواجهة ممثلى الأحزاب الإسلامية؟ ولماذا مسمى أحزاب إسلامية ونحن نتكلم عن عدم مشروعية هذه الأحزاب؟ أليس هذا تناقضا؟ والحديث عن ممثلى الكنائس كأنهم ممثلون للمسيحيين فما هو الجديد بعيدا عما كان يحدث قبل يناير؟ وما المنطلق الذى يمكن أن يمثل من خلاله هذا الثلاثى المصريون وليس المسيحيين؟ قضايا دينية وعقدية، كل القضايا دينية سياسية ثقافية اقتصادية اجتماعية تخص واضعى الدستور من السياسيين والقانونيين الدستوريين، مع العلم بأن الأنبا بولا الراهب غير المتزوج والذى يحل مشاكل المتزوجين هو من وافق على المادة 219 فى دستور 2012 وكان يوزع الحلوى على اللجنة، وهل الأنبا بولا يمثلنى كناصرى عروبى مثلا.. وهو يمثل من سياسيا؟ الأخطاء نفسها والعثرات نفسها ولا أحد يفكر، نتحدث عن الثورة بكلام نظرى لا علاقة له بأى تغيير ثورى، ومع ذلك لابد أن نعى جيداً أن معركة الدستور هى الأهم بل هى أم المعارك، فالصراع عما يسمى بـ « الهوية الإسلامية لمصر» بين التيار الدينى والمدنى، ليست بالمعركة السهلة أو البسيطة، فهى مرتبطة بالعواطف الدينية المتأججة لدى المصريين بما يسهل للإسلاميين الحركة الجماهيرية لرفض الدستور وهذه هى الطامة الكبرى ليناير ويونيو ولأغسطس كمان، فهل هذه القوى السياسية التى تربعت على المواقع يمكن أن تنزل للجماهير، وهل الحكومة الحالية الإنقاذية التى لا علاقة لها بالثورة يمكن أن تنجز إنجازاً جماهيرياً ضخماً وملموساً من الآن حتى الاستفتاء؟ فإذا لم يكن كذلك فالمقارنة بين نظامكم وبين نظام مرسى، من الجانب الاقتصادى والمعيشى والدينى، ليست فى صالحكم. وتكونوا بذلك قد وضعتم الثورة والشعب فى موقف سيرفضكم جميعا لأن مصر لن تكون لغير المصريين.

■ كاتب سياسى وبرلمانى سابق