رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل جاء الدور على مصر؟!


لقد ارتبط أمن مصر على طول العصور بالموقف فى الشام ( سوريا الكبرى) لذا فقد حرص الأعداء على الفصل بين مصر وبلاد الشام وكانت أزهى عصور المنطقة حين اتحد المصريون مع إخوانهم هناك، وهذا ما كان سببا فى الانزعاج الشديد للقوى الأجنبية من الوحدة المصرية السورية عام 1958 التى استقطبت كلا من القوى العربية المؤيدة والقوى الأجنبية المعادية.

فى عام 1882 اعتبر الأدميرال سيمور قائد الأسطول االبريطانى حينئذ أن قيام مصر بإصلاح قلعة قايتباى فى الإسكندرية عمل عدائى ضد أسطوله الذى كان قد توقف قبالة شاطئ الإسكندرية، وقدم إنذاراً إلى الحكومة المصرية حينئذ بإيقاف الإصلاحات وكان طبيعيا أن ترفض مصر الإنذار مما أدى إلى الاحتلال البريطانى لمصر باحتلال الإسكندرية والتوقف عند كفر الدوار ثم الالتفاف عن طريق قناة السويس ثم معركة التل الكبير التى فتحت الطريق إلى القاهرة، وهكذا استمر الاحتلال البريطانى لمصر منذ ذلك التاريخ حتى عام 1956، حيث انتهى الاحتلال البريطانى لمصر مرتين فى عام واحد، مرة فى يونيو تطبيقا لاتفاقية الجلاء، وفى ديسمبر بعد هزيمة العدوان الثلاثى الذى جرى باعتبار أن تأميم قناة السويس هدد سلام العالم. تكرر نموذج إنذار الأدميرال سيمور فى التاريخ عدة مرات باختلاق ذريعة لتبرير الغزو، وربما كان من أقرب وأبشع النماذج التبرير الأمريكى لغزو العراق عام 2003 بحجة امتلاك العراق أسلحة التدمير الشامل، وهو ما عجزت الولايات المتحدة وحلفاؤها عن إثباته خلال عشر سنوات من الاحتلال الأمريكى للعراق.

تذكرت هذه النماذج مع احتمال حدوث التدخل العسكرى الأجنبى فى سوريا قبل أن يمثل المقال أمام القارئ العزيز. فقد جاء ادعاء أن الحكومة والجيش فى سوريا استخدمت الأسلحة الكيميائية ضد الشعب فى الغوطة الشرقية ليمهد للتدخل العسكرى الأجنبى والذى يقوم به حلف شمال الأطلسى أساسا بالتعاون مع بعض البلاد العربية وللأسف بموافقة من جامعة الدول العربية التى تكاد تفقد سبب وجودها. ومن الواضح أن المعتدين فى عجلة من أمرهم فهم لا ينتظرون نتيجة لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، ولا ينظرون إلى ما قدمته روسيا من أدلة تؤكد أن من قام باستخدام الأسلحة الكيميائية هى المعارضة المسلحة العميلة، وكيف ينتظرون وهم من خطط لذلك، وهل يقبلون بفضح كذبهم وغشهم؟!

كان الغرب قد أطلق كلابه لصيد الأسد بشار. حيث قامت قطر وتركيا وبريطانيا وفرنسا بالتعاون مع المملكة العربية السعودية وجامعة الدول العربية، بقيادة حمد بن جاسم ونبيل العربى، بتأليب المعارضة، كما قام الأردن بتسهيل دخول مقاتلين من الحدود الأردنية إلى سوريا، وأرسل النظام، أو اللانظام الليبى الجديد أفراده إلى سوريا، وأغروا بالأموال واشتروا من وجدوا أن ضميره للبيع، وقاموا بتشجيع الانشقاقات داخل الجيش العربى السورى وفى صفوف الحكومة السورية وحزب البعث العربى الاشتراكى، وقدموا الأسلحة بالزوفة، واستخدموا الأسلحة التركية. كل ذلك على أمل سقوط سوريا النظام لا لدكتاتوريته على نحو ما يشيعون، ولكن لاستمرار معارضته لإسرائيل، حيث نعلم أنهم يؤيدون أنظمة غاية فى الدكتاتورية والقمع. كثيرا ما قال المسئولون الغربيون إن أيام الأسد أصبحت معدودة ولكن انتهت أيامهم، وظل بشار الأسد، لنتذكر أين الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى، ووزيرة خارجية الولايات المتحدة هيلارى كلينتون، وغيرهما. لكن تلك التصريحات قد تفسر لنا ما هو حادث اليوم حيث إن من قالوها وما يزالون فى أماكنهم فى الحكم يشعرون بأنهم فقدوا مصداقيتهم أمام شعوبهم وحلفائهم وخصومهم، وهم يريدون استعادة جزء من المصداقية، فيقومون بتوجيه ضربات إلى النظام وإلى الجيش العربى السورى علهم يساعدون المعارضة المسلحة العميلة والإرهابية فى كثير من الأحوال ويخفون سوءاتهم.

هكذا أنتظر وأنا أكتب مقالى هذا احتمال قيام هذه القوى بعمل عسكرى ضد سورياـ، ذلك البلد الذى مل أهله القتال والخراب المستمر، فالمؤكد أن استمرار الحرب لن يأتى لسوريا بالديمقراطية ولكنه يؤدى إلى مزيد من الخراب لسوريا ويطيل من الفترة اللازمة لاستعادة الكيان السورى لعافيته ويجعله أكثر صعوبة. وهكذا ينكشف لب العمل الأطلنطى ضد سوريا والموقف العربى المتخاذل والذى ينبئ عن فشل فى إدراك مخاطره المستقبلة أو على الأقل العجز عن العمل لإيقاف التدهور. فحلف الأطلنطى يريد أولا أن يزيل الحرج من عليه بعد أن منى عملاؤه بالفوز بسهولة ولم ينجح، وثانيا أن يتخلص من النظام السورى الذى أصبح وحيدا يواجه الضغط الأطلنطى بعد أن انهارت جبهات مصر والعراق، أملا فى إنهاء فكرة التضامن العربى وحلم الوحدة العربية الذى ما زال رغم كل الظروف يداعب آمال الأمة العربية، ويؤرق ليالى التحالف الغربى الصهيونى.

وهنا يأتى موقف مصر من هذا التطور، حيث أعلم أنه يأتى فى وقت تعانى فيه مصر من صعوبات جمة، وهناك من المتحالفين ضد سوريا عرب يقومون بتأييد عصابات الإجرام المسلح ويمدونهم بالسلاح ويؤيدون العدوان على سوريا، ولا شك ان مصر فى حاجة فى الوقت الحالى إلى الحفاظ على كل علاقة طيبة مع أى دولة، وأن من بين من يشارك فى العدوان دولاً نحن فى حاجة إلى الحفاظ على علاقة طيبة بها، ولو مؤقتا، وهو ما يذكرنى بموقف مصر من دخول قوات الاتحاد السوفييتى إلى تشيكوسلوفاكيا فى عام 1967 وكنا فى أشد الحاجة إلى مساندة الاتحاد السوفييتى لكن مصر اتخذت موقفا مبدئيا من جهة وتجنبت انتقاد الاتحاد السوفييتى مباشرة من الجهة الأخرى وهو نموذج يمكن دراسته والاستفادة منه فى الوقت الحالى.

لقد ارتبط أمن مصر على طول العصور بالموقف فى الشام ( سوريا الكبرى) لذا فقد حرص الأعداء على الفصل بين مصر وبلاد الشام، وكانت أزهى عصور المنطقة حين اتحد المصريون مع إخوانهم هناك، وهذا ما كان سببا فى الانزعاج الشديد للقوى الأجنبية من الوحدة المصرية السورية عام 1958 التى استقطبت كلا من القوى العربية المؤيدة والقوى الأجنبية المعادية. لذا فإن إضعاف القوة السورية هو إضعاف لأمن مصر، وبغض النظر عن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل فهى لا تضمن سلاما، وإذا كانت إسرائيل قد حرصت على المعاهدة طوال الفترة السابقة، ومازالت تتمسك بها حتى الآن، فإنما يرجع ذلك إلى الخوف من أن تعود مصر فى حال سقوط المعاهدة المذكورة إلى قيادة الأمة العربية مرة أخرى، لذا فقد اتجهت استراتيجية الأطلنطى فى الفترة الماضية إلى تفريق الأمة العربية بإثارة الفتن بين مكونات الأمة مرة تحت دعاوى النزاع السنى الشيعى، ومرة النزاع الإسلامى المسيحى، ومرة مطالب الديمقراطية، ومرة الشرعية، واتهامات نظم الحكم بالاستبداد، وهى محاولات لاستغلال جذور الخلاف، وهو أمر طبيعى، للدخول فى صراع، وهو أمر غير طبيعى، وللأسف فقد نجح الأطلنطيون وعملاؤهم فى تحقيق الكثير من مطالبهم، وإذا سقط النظام فى سوريا فسنجد أنفسنا فى مواجهة مع أوضاع قريبة لما يحدث فى ليبيا وتونس. ولكن حينئذ ستسقط معاهدة السلام مع إسرائيل وتكون مصر جاهزة لتحقيق مخطط الأطلنطى للتقسيم الذى يبدو أنه كان فى طريقه إلى التحقق عن طريق الإخوان. فقد أصبح موقف مصر على المحك وعلينا الاستعداد!

■ خبير سياسى واستراتيجى